تحقيقات وتقارير

لماذا صمتت جوبا عن زيارة مشار إلى نيروبي وبقية دول إيقاد لكن اشتد غيظها عندما أعلن عن زيارته للخرطوم

[JUSTIFY]مرة أخرى منذ التوقيع في سبتمبر 2012 على برتكول التعاون ذو الاتفاقيات التسع يحرر أحد طرفيه اتهاما ضد الآخر بخرق شيء من بنودها التي عز عليهما تنفيذها والامتناع عما نهت عنه كليا، لكن هذه المرة كان الاتهام مغاير للظرفين الزماني والمكاني اللذين قفزا به، وسفارة جوبا في الخرطوم تصدر بيانا مختصرا في كلماته تعلن من خلاله “احتجاجها” على استضافة الخرطوم ليوهانس موسي المتحدث باسم مجموعة رياك مشار وتحتج ضمنيا على الزيارة المرتقبة للأخير منطلقة من بند منصوص عليه في الاتفاقيات يمنع بالمقابل عبد العزيز الحلو أو عرمان من فعل الشيء نفسه في جوبا.
عندما اندلع النزاع في جنوب السودان في ديسمبر الماضي سعت الخرطوم ما وسعها لإثبات حياديتها وجديتها في تسويته سلميا ونشطت ضمن منظمة الإيغاد لرعاية المحادثات وكان أحد دبلوماسييها ثالث ثلاثة يمثلون فريق الوساطة، وكانت يوما تلو آخر تحصد مزيدا من الإشادات الدولية النادرة معقودة إلى إشادات الخصمين قبل أن يقرر الخصم الحكومي فجأة ودون سابق إنذار رميها باتهامات متواترة بدعم مشار لم تجد بدا من مبادلتها إياه مستندة على أدلة يقول مشار إنه يمتلكها وتثبت تورط سلفا في دعم حركات دارفور للقتال بجانبه.
ولهذا ولانعدام الثقة الموروث من حقبة الحرب الأهلية والتي كان مشار حليفا للخرطوم في عدد مقدر من سنينها يمكن فهم هذا التغير شبه الكلي للدرجة التي جعلت إيغاد تعلن أن السودان لن يشارك في القوات التي ستتشكل من دولها لمراقبة التزام الطرفين بالاتفاق الإطاري الهش الذي توصلا إليه قبل أسابيع.
ولهذا يمكن فهم لماذا صمتت جوبا عن زيارة مشار لنيروبي والاجتماع برئيسها واشتد غيظها لمجرد الإعلان عن زيارته للخرطوم دع عنك تنفيذها وفاض بها الكيل عندما رأت المتحدث باسمه يتجول في طرقات الخرطوم وهو يوزع لها الاتهامات بخرق الاتفاق رغم إعلانه صراحة وإعلان مشار من قبل أن هذه الزيارة جاءت بمبادرة من إيغاد وليس من الدول التي يزورها.
ومن نافلة القول إن زيارة مشار للخرطوم ليست مثل زيارته لنيروبي، فحساسيتها لا تقتصر فقط على جوبا وإنما تمتد إلى أوغندا التي حذر وزير خارجيتها مشار بأنه سيكون “متمردا إلى الأبد” في حال زار الخرطوم طبقا لما قاله يوهانس في مؤتمره الصحفي الذي رأت سفارة جوبا أنه “يتعارض مع الفقرة الخاصة بأحد أهم بنود اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين وهو بند وقف العدائيات والتراشق الإعلامي”.
وتصريح وزير الخارجية الأوغندي كان مدخلا ليوهانس الذي حضر إلى الخرطوم للترتيب لزيارة مشار وهو يدمغ سلفا بالتناقض حيال علاقاته مع دول المنطقة قائلا: “هو يريد من أديس أبابا أن تدعمه في نفس الوقت الذي يطلب فيه ذلك من مصر ويريد أن يكون حليفا للخرطوم وكمبالا معا وهذا لا يمكن أن يحدث”.
وبهذه التعقيدات الإقليمية فإن مآلات بيان السفارة تتجلى أكثر بتزامنه مع اتهام وزير الدفاع بدولة جنوب السودان كوال ميانق جهات داخل النظام السوداني بدعم مشار رغم تخفيفه لحدة اتهامه قائلا: “أنا لا أتهم الحكومة السودانية كحكومة وإنما هناك جهات ومجموعات داخلها تعمل بطريقة سرية في تقديم الدعم للمتمردين”.
واتهام كوال هنا يطابق اتهامات الخرطوم المتواترة لجوبا بدعم حركات دارفور وقطاع الشمال حيث تسندها دائما لجهات داخل حكومتها تبرئ سلفا منها لكنها تطالبه بحسمها لكن الأهم أنها تسندها صراحة إلى كمبالا منافسها الرئيس في السوق الجنوبي، متهمة إياها بالسعي لنسف علاقتهما حتى يتسنى لها الانفراد بالسوق الواعد.
وبغض النظر عن كون الزيارة بمبادرة من إيغاد لتعزيز المصالحة في الجنوب من واقع دور الوساطة الذي تلعبه الخرطوم أم لا، فالمؤكد أنها ليست مرضية لجوبا لسبب بسيط أشار إليه يوهانس بالقول: “الخرطوم لم تتدخل وتدخلها كان سيكون حاسما لأنها إذا دعمتنا فسندخل جوبا وإذا دعمت سلفا فسيقضي علينا بمحاصرتها لقواتنا التي تتركز في حدودها”.
والمؤكد أيضا أن جوبا ستعبر عن عدم رضاها عمليا مدعومة من حليفها الوحيد كمبالا، لأن ذلك هو الأصل في العلاقة بينما الاستثناء هو التودد كما كان عليه الحال في أيام المفاوضات الأولى والتي انتهت لصالح مشار المدعوم من “الخواجات” كما يقول سلفاكير الذي لا يبغض شيئا الآن أكثر من الحلف القديم بين خصميه؛ الخرطوم ومشار.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]

تعليق واحد