إعلانات أونطة استردوا فلوسكم
استوقفني كلام لطيف وفي الصميم للشيخ يوسف إسماعيل (خطيب بمسجد في الخرطوم شرق)، تحدث فيه عن إعلان المقصود به حث الشباب ملء وقتهم في رمضان بالطاعات وأعمال الخير، ويظهر في الإعلان مجموعة من الشباب يلعبون الورق (الكتشينة) ويشربون الشيشة، ثم تختفي وجوههم ونسمع “أمض وقتك في فعل الطاعات”، وطرح الشيخ يوسف سؤالا لا يطرحه إلا شخص ذكي ولماح: أليس من الطبيعي أن يحسب صغار السن الذين يشاهدون ذلك المقطع أن الكتشينة والشيشة هي الطاعات؟
معظم المعلنين عندنا عبر التلفزيون ضحايا شركات إعلانات يديرها أشخاص يعانون من قحط في الأفكار أو خلل في المدارك أو يريدون ضغط المنصرفات، وبالتالي يلجأون الى الفهلوة في تصوير الإعلانات فجة المحتوى، بل وقد وتعطي صورة أو فكرة سالبة عن الشيء المراد الترويج له.. وكان من أكثر الإعلانات ركاكة واحد كان يراد له الترويج لبوهيات المهندس حيث كان يجلس رجل في محل يبيع تلك البوهيات ويقول لموظف عنده ما معناه: لو جاك شخص وجيه ولطيف تديهو من اللون دا.. ولو جاك واحد رقيق وحساس تديهو من دا.. ولو جاك واحد شرامي وشكله حرامي (دي من عندي) تديهو من اللون الأسود، وكان محتوى ذلك الإعلان بتلك الطريقة يعني أمرا واحدا وهو أن قرار اختيار لون البوهية المطلوب ليس بيد الزبون “لأنك ما بتفهم وخلينا نختار ليك الألوان، واقترح على شركة زين للاتصالات أن تنشئ قناة تلفزيونية خاصة بها، بدلا من أن “تجي ناطة لينا” كل خمس دقائق بإعلانات “أضغط نجمة وشيل النغمة” التي تسبب “الضغط”.. اسمعوا عينة منها: نغمات دينية وسودانية و.. و….!! نعم؟ نغمات دينية و… سودانية؟ هل النغمات الدينية التي تبيعونها سودانية أم من كمبوديا؟ أم أنكم تقصدون لا قدر الله أن النغمات السودانية لا علاقة لها بالدين.. وهناك إعلان متقن الصنعة من الناحية الفنية تتردد فيه كلمة سليمة.. كل بنت تولد سليمة… وأتحداك أن تجلس على بعد ربع متر من الشاشة ولو عرفت من هي الجهة التي تقف وراء الإعلان (بالنظر الى الشاشة وليس من مصدر آخر)، لك مني عيدية محترمة، وقد حاولت أكثر من خمس مرات قراءة اسم تلك الجهة ولم أفلح سوى في العثور بعد إصابتي بالحول على كلمة “المجلس ال…..” المجلس الشنو؟ لن تعرف لأنه يظهر في “شوط” بعيد في الشاشة لربع ثانية ويختفي، وهناك منتج يحمل اسم صافي يبدأ بلقطة لصحن زلابية/ لقيمات يجنن، وتأتي طفلة وتخطف قطعة وتجري، وفي نهاية الإعلان تظهر عبوة ورقية عليها كلمة “صافي”، فلا تعرف هل صافي هذا دقيق ام سكر أم ملح، لأن الكاميرا لا تركز في العبوة إلا على كلمة “صافي”، وتترك الجملة التي تتحدث عن المحتوى في أسفل العبوة طشاش طشاش… نفس الشيء مع منتجات نوبو، فالإعلان يركز على سرب من الحسناوات يؤدين رقصة جماعية في الشارع، وهن يحملن أشياء في أيديهن، وبداهة فإن العيون كلها تتركز على الرقص الجماعي الذي من الواضح أنه نتاج كوريوغرافي احترافي، وبنهاية الرقصة تظهر في قاع الشاشة مجموعة علب هي منتجات نوبو، ولكن المنتجات هي شنو؟ ربما عدس ومكرونة ورز وربما دقيق ومورينقا وبودرة عنكوليب، فتحس بالحزن لأن إعلانا كذاك عالي التكلفة أضاع في هوجة الرقص، السلعة المعلن عنها.. وربما تقول الراقصات عنه أشياء أثناء تمايلهن، ولكن من أبجديات فن الإعلان أن تتفادى ما يمسى “ديستراكشن distraction” وهو تشتيت الانتباه، وهو نفس الخطأ الذي يحدث في إعلان “المؤمن للأثاث” فتدخل فتاة حسنة المظهر والملامح حاملة عدة أكياس وتشق طريقها وسط تشكيلة من الأثاث، فتبقى العيون معلقة مع البنت لمعرفة محتوى الأكياس ويتضح أنه طعام،.. ثم تقوم بوضع الطعام على مائدة أنيقة وتنادي على زوجها وعيالها فيجلسون على المائدة مبتسمين وهم يأكلون، و”تروح فيها” محتويات المعرض لأن اللقطة تنتهي بزوج تلك السيدة الشابة يقف عند مدخل المعرض.. بعبارة أخرى فإن أي إعلان فيه زحمة بشر، يغطي فيه البشر على السلعة المعلن عنها، ول”المؤمن” إعلان آخر من الواضح أن عملية التصوير ومونتاج الصور فيه تمّا بمهنية عالية، ولكنه يصيبك بالتشويش: شباب من الجنسين في منتهى الأناقة داخلة ومارقة عبر أبواب أنيقة، ثم يجلسون إلى طاولة اجتماعات، ثم تدرك ب”كلام الخشم” وليس بالصور إن الأمر يتعلق بأن لدى “المؤمن” أثاث مكتبي يجنن ولكن ذلك الأثاث لا ينال حظه الكافي من العرض
وهناك إعلان لشركة تنتج سائلا لتنظيف المراحيض يبدأ برفع طفلة صغيرة لغطاء مقعد الدبليو سي الإفرنجي بيدها العارية، فتظهر في المقعد حاجات تقرف، وتهرب الطفلة فتأتي أمها وترش على المقعد كمية مهولة من سائل أزرق ويدها عارية وبدون “جونتي” أو فوطة، فيصبح المقعد نظيفا.. والخطأ الجوهري في هذا الإعلان يكمن في أن كمية السائل المهولة التي تسكبها الأم على المرحاض تعطي الانطباع بأنك بحاجة الى براميل من تلك المادة لتضمن نظافة حمامك، وبعبارة أخرى كان من الأفضل ان تسكب تلك السيدة كمية قليلة من السائل لتثبت كفاءته.. نفس الشركة تعلن عن صابون بودرة لغسل الملابس تظهر فيه سيدة تستخدمه لغسل قطعة متسخة في طشت بيديها.. وما من ست بيت إلا وتعرف أن استخدام صابون البودرة لغسل الملابس يدويا يهري اليدين ويجعلهما مثل المُبْرد أو السنفرة/ الصنفرة.. والعتب هنا على الشركة وعلى من أعد لها الإعلان
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]