تحقيقات وتقارير

من مخبئه الحصين يخرج شيخ حسن شاهرا ابتسامته العريضة للعبوس الذي ضج في وجه الحوار الوطني.. وأبوقردة يكسر صمت الترابي

[JUSTIFY]اللحية البيضاء شبه المستديرة والابتسامة المنفتحة إلى آخر ما يبرز من أسنان الأمل، فضاءات الصمت في كل الأيام الماضية مرت ثقيلة ومتثاقلة، ورواده الكثر عجزوا عن الوقوف أمام باب الشيخ لينتزعوا ولو تلك الابتسامة، أخيرا يظهر شيخ حسن على صالونه في المنشية لتكون الطلة أكثر إيحاءا، فالمكان بتاريخه المديد صنع الأحداث وأوقف ساعة الزمن، لكن أمر الشيخ الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي عجيب، يصمت فتتراءى للناس المفاجأة، تطل بساقيها مهرولة أمامهم، ولما يتكلم يصنع ضجة في المكان يتمنى الناس لو أنه لم ينطق بكلمة واحدة، حبيس في السجن لا يقترب منه سجانوه إلا وهم في كامل التهذيب، من بعيد يلبون طلباته، ومعارض في الخارج تتبعه الجيوش وتحيط مكانه السلطة بسياج من الجند، وأخيرا وليس آخرا يعود إلى الحكومة منتزعا استفهامات الجميع وأسئلة شارع لا تتوقف..

حسنا، يخرج الشيخ الترابي من ملاذه الآمن بلقاء مع الأمين العام لحركة التحرير والعدالة بحر إدريس أبوقردة رئيس السلطة الانتقالية بدارفور في منزله بالمنشية، اللقاء يستعيد الكثيرين عبره، مجلس الشيخ العامر الذي كانت تنطلق منه كل حركات وسكنات الدولة السودانية في إنقاذ ما قبل المفاصلة، العربات الفارهة التي كانت ترابط هناك، المزاحمة باقتناص سانحة ربما تمنحك الاطمئنان، رسل الليل يحملون تعيين الوزراء، كان تتم هناك مواظبة على الصلاة خلف الشيخ تمنحك أملا في الاستوزار، طالبو اللجوء إلى المراتب العليا في كابينة القيادة عليهم أن يقرعوا ملاعق شاي اللبن جيدا في صالون الرجل، الترابي مثلما أنهت عودته فترات بعض المسؤولين، كذلك هو قادر على تحريك مجرى النهر في اتجاهه في بلد لا تعرف غير التقلبات..

حسنا، اللقاء هو بتقدير الكثيرين يحمل من الدلائل التي تؤكد أن الترابي يعتزل منذ زمن لإجراء معالجات العملية الوطنية الأهم، وهي الحوار الوطني، الترابي مثلما ظل الكثيرون يأملون عودته بوحدة الحركة الإسلامية يظل آخرون أيضا يبغضون لقائه، فالحركة الإسلامية أصبحت تضم أكثر من شيخ وتحتوي أضابيرها أكثر من منشية، اللقاء وهو يبث الروح في أوصال الحوار الوطني الذي كبلته الكثير من القيود وسط حزب مايزال يتأبى من قبول الآخر ويستعصم بشمولية قابضة ربما يمثل نجاحه انطلاقة حقيقية للدولة السودانية، فالأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر يقول عقب مقابلة الترابي وأبوقردة إن حزبه ظل من أكثر الأحزاب إصرارا على الحوار، ويضيف: أخلصنا إليه لأن الأزمة الحالية تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل إنجاحه، ويكشف عن تعرضه لاختبارات حقيقية بعد اعتقال الصادق المهدي، وفي مجال الحريات الإعلامية بمصادرة صحيفة (الصيحة)، عمر يضيف: أيضا إبلاغهم للحكومة بأن هذه الخطوة لها إسقاطاتها في مجال الحوار، عمر بهذا الحديث ربما يريد أن يرسل أولى إشارات الاختلاف، فاللغة المتصالحة بين المؤتمرين حديثي العهد بالالتقاء قد انقضى شهر عسلها..

بعيدا وفي إطار آخر، فإن المعارضة كانت قد انتاشت صمت الترابي بظنون الوحدة بين الإسلاميين، وهذا معرض ما تركه بلا حديث في السر والعلن، لذا فإن كمال عمر عاد ليؤكد عدم صدق تلك الظنون وهو يقول: نحن لا نتحدث عن حوار بين الشعبي والوطني، بل حوار شامل ولنا اتصالات مستمرة عبر التقنيات الحديثة مع الجبهة الثورية، وتحدثنا معهم عن رؤيتا السياسية لحل الأزمة، واحترمنا دعوتهم لمؤتمر ألمانيا، لكننا رفضنا المشاركة في المؤتمر، عمر أيضا لا ينسى شعرة معاوية وهو يعزي مقاطعة حزبه لمؤتمر هانسبورغ لخيارات الحلول الداخلية وليست الخارجية، لكنه بحديثه القادم يقترب من المنطقة العازلة عندما يقول: الحوار إذا كان غير قائم على الديمقراطية غير مجد، في الفترة الماضية كان الشعبي أيضا ضنين الحديث حول اعتقال رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، لكن أيضا فإن السياسة وتقلباتها تجعل المؤتمر الشعبي أيضا يقول: المهدي واحد من المهمين في الحوار ويجب أن يطلق سراحه وأن تنتهي الآثار التي خلفها هذا الحدث، يضيف الشعبي بلسان عمر: ظللنا في حركة دؤوبة واتصالات مستمرة بين الإخوة في الوطني والأمة من أجل انفراج هذه العقبة، اهتمامنا بحزب الأمة مرتبط بالفكرة المتطابقة مع أفكارنا وتجربتنا الإسلامية، أخيرا تحدث الشيخ.. هكذا ستنشغل اليوم المجالس، في حديث يحمل في جوفه الكثير من النبرات والعبرات، ربما يخرج الترابي من جديد ويحلق في سرب المعارضة، وربما يقوى عوده فتدب الحياة في صالونه، وإلى أن يصمت الشيخ ويتكلم تارة أخرى ربما.. ربما

صحيفة اليوم التالي
حسن محمد علي
ت.إ[/JUSTIFY]

تعليق واحد