منى سلمان
يلا يا اولاد المدارس
في زمنّا.. لم نكن نحتاج لأن يوقظنا أحد في الصباح للاستعداد والذهاب للمدرسة، ولم نكن نمارس (النعنعة) والدلع الذي يمارسه أبناؤنا الآن، فقد كنا نراقب شروق الشمس مراقبة المشوق المستهام، لننهض من مراقدنا ونندفع بسرعة (صفر) لقضاء واجباتنا المنزلية – أوع بالكم.. منزلية مش مدرسية!!
فقد كنّا مكلفين بقش الحيشان وتطبيق الأغطية وفرش الملايات من كرفسة النوم، ثم علينا التعريج على المطبخ لغسل عدّة العشاء البايتة ومكدّبة وكبابي شاي الصباح.. كل هذا قبل أن ننزع جلبابنا (المزركش) وندرع جلباب المدرسة، ونحمل حقائبنا وننطلق بنفس سرعة (صفر) للمدرسة، خوفا من التأخير والوصول بعد بداية الطابور، حتى لا يبدأ يومنا الدراسي من صباح الرحمن بـ (محطتين) على الظهر بالخرطوش الأسود، كانن كافيات لمرصعتنا طوال الحصتين الأوائل قبل الفطور.. وربما سقطت تلك الشحطات بزاوية حادة، فتتورم وتبقى آثار السوط حتى مواعيد العودة للبيت وهنا نستفيد منها في الابتزاز العاطفي لأمي بـ:
شفتي.. أها دقوني عشان وصلتا بعد الجرس.. ده كلو من غسيل العدة !
لا أدري ما الذي جدّ على المخدة.. الكيس وللا الروسية؟ فغيّر أولادنا وجعلهم يشعرون أن (العلم شر لابد منه) ويعتنقون مذهب (أهربوا من العلم ولو إلى الصين)..
بصراحة.. كل الابناء صاروا لا يرحبون بالعودة للمدرسة بنفس بهجتنا الزمان.. والسبب يحتاج لوقفة حقيقية من التربويين وأولي الأمر والمعلمين، لدراسة العوامل التي أدت لـ طفشان عيالنا وكراهيتهم للمدرسة.. تحول التعليم الخاص لتجارة (امسك لي واقطع ليك) الصريحة، بالاضافة لازدحام فصول المدارس الحكومية.. على قولة بتول الهمبريب (شكونا شك الكبريت).. تدهور مستوى تأهيل المعلمين ونقص الكادر المؤهل.. المقررات المكثفة والحشو العجيب!
لا أعتقد أن سبب عزوف الابناء عن الزواج.. اقصد التعليم، مرتبط بالكسل أو النشاط، ولا بالبلادة أو الشطارة.. مباهج العولمة من قنوات اطفال و(بلي استيشنات) والعاب الكترونية، تحالفت مع جفاف وسائل التعليمية، فـ زمان كانت أساليب التدريس فيها خيال وامتاع أكثر، وقد كنا نستمتع بالرحلات الخيالية لـ ديار الصدّيق في القولد، وننفعل ونتفاعل بشدة ونتسابق للوصول للكنز المدفون في شوارع الحي عن طريق الخريطة أو دونها..
أذكر أن أستاذتنا كانت قد قامت بدفن مجموعة من أكياس الحلاوة في أرجاء الحي، ثم صنعت لموقع كل كيس حلاوة خريطة، ثم قسّمتنا لمجموعات واعطتنا الخرط للانطلاق، ولكن ما حدث أن احدى زميلاتنا كانت قد رأت الاستاذة في الصباح الباكر وهي تقوم بدفن أحد الاكياس، ولذلك ما إن غادرت مع مجموعتها حتى أسرت لهم:
بللا خريطة بللا لمّة.. أجدعوها.. ورح النوريكم ست (بخيتة) دفنت الكيس وين!!
طبعا أخذوا الكيس الذي لم يكن لهم، وبالتالي جاطت الحكاية وتنازعنا الأكياس حتى لحقت بنا الاستاذة فكان نصيب صاحبتنا علقة نضيفة جراء اعتدائها على مال الحلاوة العام!!
أما الزيارات الميدانية فكان لها سحرها الخاص.. زرنا الشفخانة.. وزرنا طاحونة وطابونة.. ده فرن العيش يا بني حنكوش.. وزرنا الكنتين وهنا كان لنا قصة لطيفة فقد كانت الزيارة لدكان يقع بالقرب من منزل احدى الزميلات، وعادة ما يقدم لنا من نقوم بزيارته هدايا رمزية، لذلك أهدى لنا صاحب الدكان مجموعة من أكياس الحلاوة، فكان أن سأل جارته زميلتنا بعد عودتها من المدرسة:
(الحلاوة عجبتكم؟) فأجابته:
هو انحنا ضقناها؟ الاستاذات اكلوها كلها.. ما خلوا لينا منها ولا حلاواية!!
ولسوء حظها أن سمعتها زميلة أخرى كانت قادمة لتشتري من الدكان، فنقلت القوالة بـ (صمّتا) للاستاذات.. طبعا متوقعين عملوا في المسكينة شنو؟!!.
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]