تحقيقات وتقارير

انتخابات 2010م ….. هل ما يزال البشير مرشح الحزب الحاكم؟

يُشكل موعد السادس من فبراير المقبل لبدء التصويت في الإنتخابات العامة بالبلاد، إختبارا حقيقيا للقوى السياسية المعارضة الراغبة في تغيير نظام الإنقاذ بوسيلة ديموقراطية سلمية، لكن المفاجأة التي لا يبدو أنها تشغل بال أحد، أن الاختبار المفصلي هو ما يواجه حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شأن الإصرار على تسمية الرئيس عمر البشير مرشحا لرئاسة الجمهورية خلال الإستحقاق الانتخابي، أم أن أوضاعا أخرى قد تعيد النظر في هذا الترشيح.
يشير غالبية المراقبين الى إن الرئيس البشير ما يزال هو «الجواد الرابح» في السباق الانتخابي المرتقب، ليس على صعيد حزبه فقط، بل حتى على صعيد منافسيه من القوى السياسية المعارضة، مشيرين إلى أن حظوظ البشير في الفوز بمنصب الرئاسة لأربع سنوات جديدة، متوفرة لأسباب عديدة تتعلق بقيادته للقوات المسلحة، وما تمثله من رمزية قومية لدى السودانيين، إلى جانب تمتع البشير بقبول من قبل القوى السياسية المتحالفة مع حزب المؤتمر الوطني خاصة حزب الامة القومي الذي ساند الرئيس البشير في مواجهة محكمة الجنايات الدولية، وقبلا رعى البشير بشكل مباشر «تفاق التراضي» المبرم بين الطرفين في سبتمبر من العام الماضي، فضلا عن نفوذ البشير الطاغي وسط قيادات وقواعد حزبه.
وفي هذا السياق، فقد أكد الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية والمحسوب ضمنيا من أقوى مؤيدي ترشيح البشير داخل المؤتمر الوطني، أن البشير هو مرشح المؤتمر الوطني(رغم أنف الجميع)، وكشف مساعد الرئيس السوداني عمر البشير عن رفض حكومته لمساومة تقدمت بها جهات خارجية لم يسمها تطالب بعدم ترشيح البشير في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مطلع فبراير العام المقبل، مقابل وقف إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وشدد على أن «مصير العرض هو الرفض من جانبنا».
وعل عكس ما يتوقع، فقد اكتسب البشير تأييدا شعبيا منقطع النظير بعد قرار التوقيف الصادر بحقه من قبل محكمة الجنايات الدولية، ونجحت آليات الحزب الحاكم في تنظيم اضخم حملة تأييد شعبية شهدتها البلاد في السنوات الاخيرة، حيث أستخدمت كافة وسائل الدعاية السياسية المتعارف عليها في التعبئة الداخلية، وتوجيه الرسائل الى المجتمع الدولي، بأن البشير ما يزال يتمتع بنفوذ منصبه، وأن محاولات إقصائه عبر قرار محكمة الجنايات الدولية سيؤدي الى سيناريو مجهول، قد لا يكون في مصلحة أي من الاطراف الداخلية او الخارجية.
ويشار الى أن المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني العام الماضي رشح الرئيس عمر البشير لخوض الانتخابات المقبلة في منصب الرئاسة.
وتحدثت الى الدكتور ربيع عبد العاطي المستشار بوزارة الاعلام والاتصالات، عما اذا كان حزب المؤتمر الوطني ما يزال يعتمد رؤية ترشيح الرئيس البشير للانتخابات المقبلة، وقال عبد العاطي بالهاتف أمس إن موضوع ترشيح البشير لم يك رد فعل لإتهامات مدعي محكمة الجنايات الدولية، ولكنه إستراتيجية رسمتها أجهزة الحزب، كما أنها خيار متفق حوله من قبل الحركة الإسلامية التي تعد الرافد الاساسي للحزب الحاكم.
ويرى المستشار عبد العاطي أن تشخيص الحزب الحاكم لقرار الجنائية الدولية، ينطلق من ان قرار المحكمة موضوع سياسي لم يستهدف الرئيس البشير في شخصيته، وإنما هو مدخل لتغيير كافة النظام، موضحا أن تداعيات القرار أثبتت صحة الرؤية الاستراتيجية التي رسمها الحزب الحاكم للانتخابات المرتقبة.
ويتفق مع هذا الاتجاه الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين الاستاذ الجامعي وعضو الحزب الحاكم، كما أن الأخير ينفي بشدة أي اتجاه من قبل قوى داخل الحزب الحاكم تفكر في اعادة النظر في قرار ترشيح الرئيس البشير، ويقول في الخصوص لـ(الصحافة) أن الامر لم يك مطروحا قبل مذكرة اوكامبو وليس مطروحا الآن، بل ان الدكتور محي الدين يؤكد أن كافة قوى الحزب تقف في خندق واحد لمواجهة اتهامات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وقال ان الامر بات أكثر جدية لأنه يتعلق بسيادة البلاد ورمزها المتمثل في رئيس حزب المؤتمر الوطني.
بينما تراهن أطراف اخرى على قوى المجتمع الدولي، وعلى الشركاء الذين لم ينفوا بشكل واضح قرار ترشيح الفريق سيلفاكير ميارديت لمنصب رئيس الجمهورية عن الحركة الشعبية.
وغير ذلك، فإن الحزب الحاكم، يواجه صعوبة الحفاظ على نتائج قياسات الرأي العام المؤيدة للرئيس البشير، خاصة مع مرور الوقت وظهور علامات من تأثير الازمة المالية على البلاد، وإنعكاس إنخفاض عائدات النفط المباشر على الموازنة العامة، والأسعار، ومعاش الناخبين.
على صعيد القوى السياسية المتحالفة مع المؤتمر الوطني، فإن مستقبل تداعيات قرار محكمة الجنايات الدولية على ترشيح حزب المؤتمر الوطني للرئيس البشير، ومواقف القوى الدولية إزاء هذا الامر، إلى جانب قياس حجم الثقة المتوفرة بين الحزب الحاكم والقوى المتحالفة معه خاصة فيما يخص توزيع الإمكانات المالية واللوجستية لدعم حملات الترشح الانتخابية.
ويضاف إلى كل ذلك، توقعات بإستخدام القوى السياسية المعارضة لحملات مضادة في التنافس الانتخابي، حيث يتوقع أن تراهن القوى السياسية على موضوعات متعلقة بتجربة الحزب الحاكم في الحكم خلال العشرين عاما الماضية، ومدى قبول الناخبين لما قضاه مرشح الحزب الحاكم من مدة في الرئاسة ضاربا بها الرقم القياسي لكل من حكم السودان من بعد الاستقلال، وقدرة المؤتمر الوطني على إقناع مرشحع لإخفاء البذة العسكرية وتغيير رمزيته السياسية التي حكمته منذ الاستقلال ما يقارب الاربعين عاما حتى الآن.
كما يتوقع ان يستند المعارضون التشكيك فيما يمكن أن يأتي به مرشح المؤتمر الوطني من جديد في منهج الحكم الذي إختبره الناخبون طيلة الفترة السابقة، فضلا عن الترويج لتجارب الدول الاخرى التي تشير الى تخلي القادة العسكريين عن حكم بلادهم طواعية وسلما بعد الانتخاب والاقتراع.
وبين ما يمكن تسميته بمجموعة الصعوبات التي تواجه المؤتمر الوطني ورافده الرئيس «الحركة الاسلامية» حول مستقبل الحزب السياسي والانتخابات القادمة والموقف من الجنائية الدولية، تبقى قضية ترشيح البشير للرئاسة مرهونة بوطنيته، وتستند على الموقف الحالي للمؤتمر الوطني ومساندة القوات المسلحة.
وبعيدا عن التكهنات وتحليلات المراقبين، فإن العامل الذي يبدو اكثر اهمية في حسم قضية ترشيح البشير هو ما تحمله الثمانية أشهر القادمة من تحولات أو ظهور عناصر جديدة في التنافس الانتخابي الرئاسي.
خالد سعد :الصحافة