حنكوش عن حنكوش يفرق
كنت في السودان قبل أيام قليلة وكلما شكوت – مثلا – من الحر وكثرة الحفر في الشوارع، وصفوني بأنني «حنكوش»، وهي كلمة أضيفت الى قاموس العامية السودانية قبل سنوات قليلة، وتعني الشخص الذي يمارس الدلع وشرب الشاي مع القرع، وعامل حاله حساس، ومن الصنف الذي يكثر من التأفف والنقنقة إزاء أحوال وأمور يراها الآخرون عادية، ولم تعد الكلمة تستفزني لأن الصامدين داخل السودان الشقيق (لأنه يعاني من الشقاق والانشقاق)، يعتبروننا نحن الذين نعيش في منطقة الخليج «حناكيش» بالجملة، وأعترف أنني حنكوش بالمقاييس السودانية بعد أن «أفسدني» العيش في قطر، وكيف لا، ولم تنقطع الكهرباء عن بيتي في الدوحة أكثر من ثلاث مرات طوال أكثر من ربع قرن، وفي كل واحدة من تلك المرات جاءني إنذار مسبق بأنه سيتم قطع التيار الكهربائي لمدة كذا وكذا يوم كذا وكذا.. ما هذا؟ الصحيح هو أن تنقطع الكهرباء لما «تنقطع» بمزاجها ومتى ما شاء الله لها ذلك من دون سابق إنذار.. وهناك دول كثيرة من بينها السودان والعراق تمارس ما يسمى القطع المبرمج للتيار الكهربائي، فيتم حرمان الأحياء السكنية بالتناوب من الكهرباء ساعات طويلة، ولكنه في حقيقة الأمر ليس مبرمجا بل عشوائيا، وقد يتم إعلان أن منطقة معينة ستُحرم من الكهرباء – مثلا – ما بين الخامسة مساء إلى منتصف الليل، ولكن ما يحدث عادة هو أن تلك المنطقة تعاني من انقطاع الكهرباء من العاشرة صباحا حتى الرابعة صباحا!! يا طوال 18 ساعة!! والمطبات في الدوحة من فعل فاعل مبني للمعلوم وعليها خطوط صفراء أو بيضاء تعكس الضوء ليلا، بينما المطب اللي على أصوله هو الذي تفاجأ بأن سيارتك تقع فيه وتصرخ: كللكلك.. دنقدنقدنق.. دللل.. بربربربب.. أو حتى تنقلب.. المطب الحقيقي هو الذي يسبب للسائق حتى إذا نجت السيارة انزلاقا غضروفيا.
ثم اكتشفت أن الحنكشة لها فوائد إذا كنت تعيش في بلد يحترم الحناكيش، ففي مقاطعة وست ميدلادنس في إنجلترا نال شرطي تعويضا يبلغ نحو 11 ألف دولار أخضر، لأنه تعرض لقرصة برغوث (بق) أثناء أدائه واجبه في منطقة غير محنكشة، ونال زميل له تعويضا يبلغ 18 ألف دولار بعد أن سقط من دراجته أثناء قيامه بأعمال الدورية في حي طرفي هادئ وآخر قبض 9000 دولار بعد ان سقط من كرسي انكسرت إحدى أرجله (رجل الكرسي وليس رجل الشرطي)، ورابع شكا من طنين في أذنه بعد ان كان يشرف على النظام في حفل جماهيري نال تعويضا قدره 650 دولارا.. وعندما كنت في السودان تعرضت لقرصات أكثر من عشرين بعوضة في جلسة استغرقت نحو ساعة في أحد الأحياء في أطراف الخرطوم، وبالتأكيد كان في المنطقة شرطيون تعرض كل واحد منهم لعدد مماثل من القرصات الناموسية.. وتخيل ماذا سيكون مصير أحدهم إذا ذهب إلى قيادة الشرطة وطلب (ليس تعويضا) بل نقله إلى منطقة خالية من البعوض.. احتمال أن يتعرض للطرد الفوري من الخدمة كبير جدا، وفي حال معاملته بالحسنى كان سيتعرض للتريقة ويتم تناقل حنكشته بالواتساب والفايبر واليوتيوب… وتوضع في ملف خدمته ورقة تفيد بأنه دلوع، واستبدل جنسية الشرطي بتونسي أو أردني أو كويتي أو، أو، ورد الفعل سيم سيم أي هو، هو ومقارنة مع حناكيش الشرطة البريطانية فإنني اعتبر من قادة طالبان أفغانستان أو الشيشان.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]