حوارات ولقاءات
د. عربش البرلماني السوري لـ(الرأى العام): الضغوط الغربية أفسدت مقاصد الجنائية الدولية
«الرأى العام» جلست مع د.عربش رئيس اتحاد شبيبة الثورة بسوريا، وعضو مجلس الشعب السوري، والأمين العام للاتحاد العربي للهيئة الشبابية، وسألته عن جملة من القضايا والمتغيرات السودانية، والاقليمية، والعالمية. الرجل بدا مرتباً بطريقة مثيرة، فهو حاضر فى كل الاسئلة، لا يتردد..
——————————————————————————————————
* كيف تنظرون لمطالبة السودان بالعدول عن قرار طرد المنظمات الأجنبية على خلفية خروجها عن التفويض؟
– هذا القرار سيادي يعود للدولة فى المقام الأول تقرر فيه ما اذا كانت هذه المنظمات تلتزم بالقيام بعملها أم لا، وما مدي فائدة وجودها؟
* هناك تخوف من وجود فجوة فى العمل الإنساني بدارفور بعد طرد هذه المنظمات؟
– بعد تقييم الوضع على الارض، أرى ان هناك تضخيماً اعلامياً للمشكلات ليست موجودة، وعلى رأس عمليات التضخيم المنظمة حاليا ما يثار عن وجود فجوة انسانية بعد طرد هذه المنظمات.
* يعتبر غزو العراق 2003م، وتوقيف البشير من الجنائية حاليا محطات مهمة لدول العالم الثالث فى مواجهة القوى العظمى؟
– نعم.. هناك ارتباط وثيق بين ما جري من استهداف فى المنطقة العربية، بدأ بزرع الكيان الصهيوني، مروراً بالكثير من المخططات التي احيكت بشكل خاص فى الفترة الاخيرة، بداية من احتلال العراق، العدوان على لبنان، والحصار والاتهامات التى الصقت بسوريا، وأخيرا وليس آخرا السودان.
* كيف؟
– عندما قررت الادارة الامريكية غزو العراق كانت حجتها انه يمتلك اسلحة دمار شامل، وقد سوقت الآلة الاعلامية الغربية للامر بمجموعة اكاذيب، وبالنظر لهذه التجربة يجب ان ننتبه لدعاوى الإعلام الغربي، الذى كرر أكاذيبه ووجهها ضد لبنان وسوريا عند اغتيال الحريري، فكيلت التهم لسوريا. وبعد ذلك ثبت ان الشهود الذين استعين بهم مزيفون، وقد استفيد من هذه القضية فى تمرير الانتخابات اللبنانية فى اجواء مشحونة.
* هل تعتقد ان نفس السيناريو اتبع في دارفور؟
– نعم.. الآن نحن امام فبركة جديدة فيما يتعلق بدارفور، لذلك ينبغي ان نأخذ حذرنا، وينبغي الا نقع فى نفس التأثير السابق لوسائل الاعلام الغربية خلال غزو العراق، وضرب غزة.
* أتعني ان المعارك والمواجهات تبدأ بتحريك الصور والكلمات، قبل الجنود والدبابات؟
– بالتأكيد الإعلام يهيئ مناخ المعركة، لكن عندما نتحدث عن التوازن الإعلامي بيننا والعالم الغربي، نجد ان ما لدينا عبارة عن وسائط إعلامية متعددة ومتنوعة، تغيب عنها السياسة الإعلامية الرشيدة التى تنسق ما بينها، وتجعلها فاعلة فى المعركة. فحقيقة لا يوجد اعلام عربي بمعني الكلمة، انما توجد محطات ناطقة بالعربية، ويلحظ ذلك فى التعامل مع قضية دارفور والجنائية والرسائل المشتتة التى خلقها الإعلام العربي بوعي او لا وعي منه.
* ماذا عن المواقف الشعبية والى أي حد تتسق مع موقف حكوماتها ووسائل إعلامها؟
– بعد سلسلة الإحداث الأخيرة تعرضت الشعوب لهزات جعلتها أكثر حذرا ووعيا فى إدراك حقيقة الأمور، بل ان الحدس الشعبي أحيانا يضعه أمام تفسيرات تبدو قريبة جدا مما يحدث.
* هل باعدت هذه الهزات بين الشعوب والحكام؟
– من جهة أخرى فان ثمة فجوة أضحت بشكل عام اقل حدة بين الشعوب وحكامها، خاصة بعد أحداث غزة، فالمواطن العربي أصبح أكثر تحصيلا من السابق حتى عندما لا تكون المعطيات مكتملة لديه، فهو يلجأ للترجيح من واقع التجربة وبعد ذلك تتبين الحقائق.
* كيف تنظر لمستقبل المواجهة بين الخرطوم والمحكمة الجنائية؟
– هناك إحساس قوي بأن السودان يمضي في طريقه لكسر حلقة التآمر الجديدة. وهنا أنبه إلى ان السيناريو العسكري فشل فى العراق، والمؤشرات الجديدة تنبئ عن الاتجاه للاستعاضة عنه باستخدام المؤسسات والمواثيق والاتفاقات الدولية لخدمة مصالح القوى الكبرى، وسيكسر هذا السيناريو أيضا.
* كيف تنظر لدعوة منظمة العفو الدولية للقمة العربية باتخاذ موقف ضد البشير، والتي قالت ان على الدول العربية الا تكيل بمكيالين، عند مطالبتها بمعاقبة إسرائيل وتغض الطرف عن السودان؟
– العدالة الدولية الحالية انتقائية الهوى، وتكيل بمكيالين، فكيف تسكت طوال هذه المدة عن جرائم إسرائيل حتى التي يصدر فيها مجلس الأمن قرارات -على قلتها- لا تكلف نفسها عناء التفكير في تنفيذها، ولا يحرك المجتمع الدولي ساكنا. وهاهي فى غزة ترتكب جرائم يتم اثباتها، وتستخدم اسلحة محرمة دوليا وامام ناظري العالم، فماذا حدث لها؟! لا شئ، وهاهم انفسهم يقيمون الدنيا ويقعدوها لمجرد اتهامات لم تثبت صحتها من عدمه!!.
* هل يمكن تكرار سيناريو توقيف البشير مع أي رئيس آخر بالمنطقة؟
– توقيف البشير سابقة خطيرة وغير مألوفة، ولكنه يفتح بابا عريضا لتكراره وبشئ من التنقيح مع أي رئيس وهو فى موقعه دون اعتبار لحصانته، فالمؤسسات الدولية اصبحت اداة من ادوات الهيمنة والسيطرة فى العالم، وأمريكا صاحبة النصيب الاكبر من هذه الهيمنة فهي تقوم بترتيب وتوضيب الشرق الأوسط لخدمة الأمن الإسرائيلي، سواء بالتدخل المباشر في غزة، أو غزو عسكري للعراق، أو عبر استخدام المؤسسات الدولية للهيمنة على الدول.
* كيف ترى سيناريو تجيير القوانين والمؤسسات الدولية لخدمة مصالح دول بعينها؟ والمحكمة الجنائية الدولية كنموذج؟
– انا باعتقادي ان المحكمة الجنائية مثلت مطلبا لكل الشعوب لا سيما المستضعف منها، وكانت تعلق عليها آمالاً كبيرة فى تحقيق العدالة للمقهورين، لكنها مع اول تجاربها سلكت طريقا خاطئا، ليس بسبب التخطيط بل لضغوط جعلتها تتجه نحو الدول المغضوب عليها امريكيا، والتى تمثل اهدافا محتملة لهيمنة واشنطون وحلفائها. وفقا لاستراتيجية انتقائية للمكان والاولويات بشكل يتفق مع المصالح الغربية.
* وما مستقبل هذا السيناريو بعد محطة السودان؟
– هذا السيناريو ووفقا لما حدث فى السودان مهدد بالفشل، فالمحكمة خسرت ثقة الكثير من الدول التى وقعت على ميثاقها ولم تصادق عليها بعد، وبالتالي لن يكون انضمامها قائما ما لم تصادق على الاتفاقية، التى اضحت سيفا مسلطا على أية دولة ترفض الانصياع او تقديم تنازلات بعينها، وقد يستمر استخدام هذا السيناريو برهة من الوقت، لكنه لن ينجح فى تحقيق ما اريد له.
* كيف تنظر لنتائج القمة العربية بالدوحة ومقاطعة البعض لها؟
– لديها جملة من الملفات تنبني على قاعدة المصالحة العربية، كان ينبغي ان تكون على صدر اعمالها، وبالنظر الى نتائجها نجد انها قد خرجت بنتائج افضل نسبيا من سابقاتها، اما بالنسبة للسودان فقد نجحت فى الخروج عن اجترار الاستهجان والاستنكار.
* وصول اوباما جعل البعض يتفاءل بشكل تعامل ايجابي مع قضايا المنطقة؟
– لابد من الالتفات الى ان امريكا دولة مؤسسات، وان اتخاذ القرار يتم عبر مراكز متخصصة ومجموعات ضغط، وبالتالي لا تتغير الاستراتيجيات والقرارات بتغير الاشخاص، ولكن مع ذلك ثمة عناصر ايجابية تخلق ارضية جيدة للحوار، وازالة تركة سيئة للرئيس السابق جورج بوش، ويجب على اوباما تصفية التركة السابقة، وما من شك فى انه سيكون افضل من بوش.
ولكن جماعات الضغط لن تعتق اوباما، وخير شاهد على ذلك استقالة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية بفعل ضغوط من اللوبي اليهودي.
* الى أي حد يؤثر وصول عناصر متشددة للحكم بتل أبيب فى الوصول للتسوية للقضية الفلسطينية؟
– اسرائيل قامت فى الاساس على تقتيل وتهجير الفلسطينيين، وهذه العقيدة الصهيونية لا تقبل وجود الآخر، والحل الذى يريدونه يقوم على تحقيق مصالحهم اولا وأخيرا، بما فى ذلك جعل القدس عاصمة لهم، ومنع حق العودة، ويراهنون على مسألة التوطين وبناء المستوطنات. ويمكن تلخيص ذلك فى ان إسرائيل على المستوى الشعبي والحزبي بإفرازها لهذه الحكومة تعبر عن موقفها الرافض لدفع الاستحقاق والوصول للتسوية.[/ALIGN]