جعفر عباس

أفذاذ بلا شهادات

أفذاذ بلا شهادات
[JUSTIFY] التعليم بل والتعليم العالي تحديدا ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة، فالعالم الغربي لم يسبقنا في مجالات الاكتشافات والاختراعات والصناعة، وبالتالي في مستوى المعيشة، إلا بالاستثمار في التعليم والبحث العلمي (بالمناسبة فإن إسرائيل على رأس قائمة الدول التي تنفق على البحث العلمي ولهذا فإن جميع جامعاتها في قائمة أفضل ألف جامعة في العالم بينما لا توجد جامعة عربية واحدة في تلك القائمة)، ولكن التعليم لا يعني بالضرورة «الشهادات» الطنانة، فرئيس وزراء بريطانيا الأسبق جون ميجر لم يدخل جامعة قط، بينما رئيس وزراء بريطانيا الحالي ديفيد كاميرون تخرج في أكسفورد بمرتبة الشرف الأولى، وها هو يجر حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كليهما إلى أسفل سافلين، كما شهدت بذلك نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في بريطانيا قبل أسابيع قليلة، لأنه يتخذ قرارا اليوم ليلحسه في اليوم التالي فصار مثل بعض القادة العرب الذين يعلنون أمرا ما ثم بعد ذلك يفكرون في ما أعلنوه.
بيل غيتس كان طالبا متفوقا ودخل أشهر جامعة في العالم (هارفارد)، ولكن ما أن بدأ يفهم بعض أمور الكمبيوتر حتى قال: بلا هارفارد بلا بطيخ، وترك الجامعة ودخل مجال برامج الكمبيوتر التطبيقية (سوفت وير) وأنشأ شركة مايكروسوفت التي جعلته ثاني أغنى أغنياء العالم وصاحب أعلى تبرع مالي في تاريخ العمل الخيري على الإطلاق، (رأسمال المؤسسة الخيرية التي تحمل اسمه واسم زوجته مليندا نحو 56 مليار دولار مكرسة لمكافحة المرض والأمية في الدول الفقيرة)، وفي الجهة المقابلة لمايكروسوفت تقف شركة «أبل» ولديها في هذه اللحظة ودائع نقدية سائلة تقدر بـ145 مليار دولار، وبزوغ ونجاح هذه الشركة يعزى للراحل ستيف جوبس الذي أمضى ستة أشهر فقط في كلية ريد في بورتلاند، وتركها بعد أن أدرك أنها لن تقدم له العلم الذي ينشده.. ومنتجات ونجاحات مايكروسوفت وأبل دليل على عبقريات فذة وبالتأكيد فإن غيتس وجوبس لم يخترعا البرمجيات والأجهزة التي جعلت الشركتين في صدارة عالم التكنولوجيا الحديثة، وبالتأكيد أيضا فلولا عبقرية الرجلين في إدراك الطفرات الكامنة في جينات التكنولوجيا الرقمية وقدراتهما القيادية العالية التي اكتسباها بدون بكالوريوس لما شهد العالم ونعِم بالقفزات العالية في دنيا الكمبيوتر والاتصالات، بدرجة أن قرويا اسمه جعفر عباس مازال غير قادر على استيعاب كيف تجعل الكهرباء وهي مصدر حرارة الاشياء باردة ولا كيف يعرف الاسانسير فتح وغلق الأبواب بحسب الأسبقية في الضغط على أزراره، بل وكيف يلتقط بيت في أفغانستان ما يقوله أمريكي في قناة تلفزيونية في أمريكا أولا بأول، ورغم أنني قضيت معظم سنوات حياتي العملية في مجال التلفزيون إلا أن الرغبة في النظر داخل جهاز التلفزيون على أمل أن أجد شخصا جالسا بداخله مازال يداعب خيالي، لأنني مش فاهم كيف يلتقط صندوق صغير او مسطح صورا حقيقية لأناس وكائنات وأشياء حقيقية مصدرها مكان يبعد عني آلاف الأميال!!
في العالم العربي نردد كثيرا أن عباس العقاد كان أديبا وناقدا وشاعرا وزاده من التعليم الشهادة الابتدائية، ولكنه يكاد أن يكون «نكرة» لغير الناطقين بالعربية أو دارسيها، وغدا سأحدثكم عمن تركوا بصمات أكبر بكثير عن تلك التي تركها العقاد من دون حتى شهادة ابتدائية في بعض الحالات.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]