جعفر عباس

البكالوريوس مستحب وليس فرضا

البكالوريوس مستحب وليس فرضا
[JUSTIFY] أعود مجددا إلى موضوع التعليم والشهادات وما كتبته قبل نحو أسبوع عن البروفيسور لورد روبرت ونستون الذي أعلن أنه لا يختار خريجي الجامعات من حاملي مرتبة الشرف العليا للعمل في المختبر الطبي الذي يديره، وبرر ذلك بأن هذه الفئة من الخريجين تقضي سنوات الجامعة معزولة عن المجتمع الجامعي والخارجي، وبالتالي تكون عاجزة عن التأقلم في بيئات العمل التي تتطلب قدرا من «اللحلحة» والروح الاجتماعية الضرورية للعمل ضمن فريق متكامل يسند فيه كل عضو بقية الأفراد، وكتبت مشيرا إلى أن الضغط العائلي على الطلاب ليحرزوا نتائج أكاديمية عالية، قد يعود في غالب الأحوال بنتائج عكسية، فالإنسان حتى نهاية المرحلة الابتدائية طفل/ صبي، أي في سن يكون فيها ميّالا إلى العب والمرح، ومن الطبيعي أن يؤدي حرمانه من الممارسات الطفولية المعتادة إلى نفوره من الكتب والدفاتر، ومن ثم فإن مناهج التعليم في الدول الغربية تجعل اللعب أداة أساسية في العملية التعليمية، وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية يكون الإنسان مراهقا، وهي سن الاستكشاف واثبات الذات والتمرد بدرجة أو أخرى على قواعد السلوك المتعارف عليها في المجتمع، وبالتالي فالإرغام على الدراسة والمذاكرة بأسلوب الصراخ والأوامر السلطانية، لن يأتي بالنتيجة المرجوة، لأنه من السهل على الطالب استهبال أولياء الأمر وتصنع الامتثال للزجر: سأغلق باب الغرفة لأذاكر من الساعة الرابعة حتى العاشرة.. أرجو عدم الإزعاج… ويفرح لذلك السلطان والسلطانة المنزليان (الوالدان)، وبعد نحو ساعة: ممكن ثلاثة سندويتشات وشاي وقهوة وعصير.. بكل سرور يا ولد يا شطور.. ويكون الولد جالسا في الغرفة وعلى يمينه كتاب الفيزياء وعلى يساره أطلس، وبينهما اللابتوب وهو منهمك لتحسين أحوال «المزرعة» الافتراضية (المزرعة هذه لعلم أولياء الأمور الذين لم يدخلوا بعد شبكة القرن الحادي والعشرين لعبة على الإنترنت في منتهى البراءة يمارسها الملايين ولكنها تؤدي الى الإدمان، وبالمناسبة فإنني وكلما تلقيت دعوة من أحد أصدقائي الفيسبوكيين بالمشاركة في المزرعة أقوم بشطبه ووقف التواصل معه، ليس لأنني ضد فكرة اللعب ولكن لأن مجرد صدور الدعوة تعني أن من أرسلها يعتقد أنني فائق ورائق وما وراي شي، بينما أحس في واقع الأمر أنني تورطت بإنشاء حساب في الفيسبوك لأنني مطالب بالتواصل المنتظم مع القراء الأصدقاء، ولا تسمح ظروفي بذلك كثيرا فيعتبرونني متعاليا عليهم)،.. المهم ان الطالب المستهبل يقضي الساعات الطوال ليضمن نجاح مشروعه الزراعي بينما أهله يحسبون أنه يعمل على النجاح الأكاديمي، وقد طلب سندويتشات ثلاثة ليضمن لنفسه خلوة طويلة وزادا يكفيه لرحلات يعرج فيها على فيسبوك وتويتر ويمارس الشتشتة (الشات/الدردشة) مع الأصحاب.
ومن أهم القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته: ماذا أدرس في الجامعة وبمن أتزوج، فالشهادة الجامعية (البكالوريوس) هي أفضل جواز مرور لدخول الحياة العملية، ولكن وفي السنوات الأخيرة صارت معظم البكالوريوسات عديمة الفائدة مثل الكلينكس المستعمل، ففرص العمل تضيق سنة بعد أخرى، ويصبح صاحب الماجستير أعلى قيمة من حامل البكالوريوس وحامل الدكتوراه أعلى قيمة من أبو ماجستير في سوق العمل، ومع هذا فإنني أقول إن البكالوريوس ليس فرضا أو سُنّة بمقاييس الأمور الدنيوية بل «مستحب».. معظم قادة الجيوش والشرطة في العالم لم يتلقوا تعليما جامعيا، ومع هذا فإن المعارف الأكاديمية والمهارات المهنية التي يكتسبها الضابط خلال تدرجه في العمل في القوات النظامية لا تتوفر في معظم التخصصات الجامعية، ففي الجامعة تخرج متخصصا في مادة معينة ولكنك لن تكون ضابطا ناجحا ما لم تكن متعدد المعارف، وتعرف رواتب ومزايا خدمة القوات النظامية متلتلة، لأن الترقي العسكري يأتي بعد «تلتلة وبهدلة».
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]