بيانات ووثائق

نص كلمة امير قطر فى افتتاح القمة العربية بالدوحة

فيما يلى نص الكلمة التى القاها امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني فى الجلسة الافتتاحية للدورة العادية الحادية والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بسم الله الرحمن الرحيم

أهلاً بكم في وطن عربي يحاول جهده أن يكون ساحة مفتوحة لحوار حر لا شرط عليه ولا قيد ، قابل للخطأ والصواب بمسؤولية المشاركين فيه وتلك طبائع الحرية إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، معالي الأمين العام للأمم المتحدة ، معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية ، الحضور الكرام ، أهلاً بكم ومرحباً في هذا البلد الذي يلقاكم بالمودة والتقدير والاحترام أهلاً بكم ومرحباً في هذا البلد الذي يلقاكم فاتحاً قلبه وعقله ، مقدماً أصدق أمانيه لكم بتوفيق من الله ونعمة أهلاً بكم في بلد يطمح إلى أداء دور نافع في العمل العربي العام ، متعاون بصفاء نية وحسن قصد مع أشقائه ، مقدر لكل منهم قيمته ومكانته أهلاً بكم في وقت يتطلب رأيكم وقراركم ، وتنتظر الأمة رجاحة عقلكم وحكمتكم ، وترجو خيراً وتأمل اطمئناناً يعيد إليها بعض الأمل في ظروف تتحشد فيها دواعي الاضطراب والقلق اسمحوا لي في البداية أن أتوجه إلى أخي فخامة الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة ببالغ الشكر والتقدير على ما بذله من جهد مخلص خلال رئاسته للقمة الماضية مما أسهم في دعم مسيرة العمل العربي المشترك أيها الإخوة الأعزاء ، أمام هذا الاجتماع جدول أعمال أعده وزراء الخارجية بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، ولدى كل منا ما يقوله في بنود هذا الجدول الحافل ،ولكني أستأذنكم اليوم في موضوع أراه مهماً وحيوياً ، إلى جانب جدول الأعمال المعد لهذا الاجتماع الدوري / أريد أن أقول إنه لو لم يكن هذا الاجتماع مقرراً بحكم مبدأ الدورية السنوية للقمم العربية لوجب أن يكون وذلك بحكم طوارئ دهمت عالمنا وليس بلادنا وحدها ، وكانت نتائجها ما نراه جميعاً ونشعر بوطأته من تقلبات ومشاكل وأزمات في كل النواحي وعلى كافة المستويات ، وما يزيد من خطورتها أنها تزاحمت وألقت بأثقالها في نفس اللحظة وتفاعلت ظواهرها وتداخلت وتجمعت بآثارها وتعقدت بحيث بدا أن حجمها أكبر من طاقة الجهات المكلفة بالتصدي لها . نقول هذا واعتقادنا ثابت ويقيننا راسخ بأن كل هذه التقلبات والمشاكل والأزمات مقدور عليها في النهاية بالإصرار الدولي على تجاوز عاصفة لا يستطيع طرف واحد تحمل تكاليفها الإنسانية قبل تكاليفها المادية كان عالمنا العربي بين أكثر أقاليم الأرض تعرضاً لهبوب العاصفة . وإذا كانت الأزمة المالية الاقتصادية التي تعرض لها العالم ولا يزال يتعرض لها هي المشهد اللافت للأنظار ، فإن هذه العاصفة لم تؤثر فقط على موارد العالم العربي وعلى مدخراته ، لكنها كشفت عن هشاشة خطرة أصابت النظم التي كان العالم يعتمد عليها في ضبط أوضاعه والحفاظ على توازنه . وهذا تطور استراتيجي اسقاطاته بعيدة المدى لقد أصيب النظام المالي العالمي ، وأصيب النظام الاقتصادي العالمي ، وأصيب النظام القانوني العالمي كل هذا أدى إلى اهتزاز القاعدة التي لا يقوم بغيرها نظام في أي مجال ، وأعني قاعدة الثقة ، فكانت الضربة التي أصابتها هي في الواقع أول ما يهددنا ، لأن الثقة العامة والمتبادلة ، هي في حد ذاتها أهم أسس الشرعية العالمية التي تطمئن الكل إلى سلامة التصرفات والتعاملات ، وتسمح بصياغة التوقعات على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، فتجارب البشرية من أول التاريخ تعلمنا أنه لا يمكن رسم سياسة ، أو استقرار سياسة ، أو نجاح سياسة ، إلا إذا توافر عنصر الثقة في النفس والغير ، وفي النظم والقوانين لكي يعرف الإنسان ماذا يمكنه أن يتوقع كي يحسب خطواته وبالتأكيد فإننا نرى أن آثار هذه الأزمة في الثقة أصابت العالم العربي أكثر من غيره ، فهو بموقعه وموارده ، وهو بقضاياه ومشاكله ، وهو بالسابق واللاحق من أحواله موجود في مهب الرياح وفي بؤرة العاصفة وأخطر ما في أزمة الثقة أنها تخلق أجواءً يصعب فيها التأكد من مواقع القوى ، ومن مقاصد السياسات ، ومن سلامة التقديرات ، ومن حساب الاحتمالات.. والظاهر أمامنا أن ما قبلناه لأزمنة طويلة أمور مسلم بها يحتاج إلى مراجعة .وأن سياسات اعتمدناها وسعينا لها تحتاج إلى مراجعة.. وأن مناهج وأساليب اعتدناها تحتاج إلى مراجعة أيضا وبمسؤولية كاملة فإننا نقول أننا نحتاج إلى مراجعة وليس تراجعاً ، لأن ما جرى يفرض علينا إطالة الفكر وإمعان النظر وحسن التقدير ، ولا بد أن نقبل على ذلك بأعصاب ثابتة وفكر مستنير وثقة بالله عز وجل / أيها الإخوة الأعزاء ، لقد أصيب نظام البيئة العالمي من قبل وكان أهل الاختصاص يعرفون الأسباب ، لكن صناع القرار وقفوا عاجزين حتى الآن عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لدرء مخاطر تواجه المستقبل الإنساني .والسبب أن بعضهم يتصور المخاطر على نظام البيئة مخاطر مؤجلة وهو تصور غير صحيح ، والآن فإننا مع اهتزاز النظام المالي العالمي نجد أنفسنا أمام معضلة حادة ومحسوسة في كل بلد ، ولدى كل فرد ، ومع ذلك فقد رأينا بأم العين أن أكبر خبراء العالم وقفوا أمام الأزمة المالية والاقتصادية في حالة ذهول وعجز، فلا هم توقعوها ولا توصلوا إلى أسبابها ، ولا شخّصوا المطلوب بدقة في علاجها ، وهذا يعني أن ما جرى من تغيرات الأفكار والعلوم والتكنولوجيا لا يزال يحتاج إلى درس أعمق ، وإلى رصد للأسباب أدق ، وإلى مراجعة واسعة النطاق وشاملة ، وهذه مراجعة لا بد للعرب أن يشاركوا فيها مع العالم لا أن يقفوا حيالها متفرجين
وفي الواقع فإن لدى العالم العربي أسبابا تدعوه إلى ضرورة الفهم أكثر . فهناك أولاً : انعكاسات الأزمة نفسها . وهناك ثانياً : أن الأزمة استولت على اهتمام العالم ، وأبعدته عن قضايانا ، خصوصاً مع متغيرات سياسية تمسنا مباشرة يجيء ضمنها أن : -هناك رئاسة أمريكية ليست جديدة فقط ، ولكنها أيضاً مختلفة ، فقد جاءت إلى القرار الأمريكي بدم جديد قادر على التجديد -وأن هناك انتخابات جرت في إسرائيل علينا أن نراقب توجهاتها وتأثيراتها على أوضاع الأمن في المنطقة -وأن هناك تطورات في الجوار لا بد لنا أن نحسن التعامل معها بحيث لا تواجه المنطقة توترات زائدة تضيف إلى قلقها واضطرابها. وثالثاً : فإننا نلمح على اتساع العالم تغيرات في مواقع القوة ومراكز التأثير. ورابعاً : تقوم حولنا مشاريع وطنية ودول قومية وتجمعات دول تدعو مواطنينا للتساؤل أين هو المشروع العربي وخامساً : تلح علينا حتى خلافاتنا الداخلية أن نتوصل على الأقل إلى آلية لإدارة الخلافات بشكل لا يفسد فيه خلاف للود قضية وأن تلك الأسباب جميعاً سوف تواجهنا بطريق مباشر وغير مباشر بتداعيات سياسية واجتماعية تحتاج إلى استعداد وتنبه ، فالتاريخ يعلمنا أن العواصف تمر ، لكن توابعها تظل ضاغطة إلى زمن طويل وأبسط ما نستطيع أن نتوقعه أن هذه الأزمة سوف تخلف وراءها عواقب وتعقيدات في منطقتنا لا بد أن نكون جاهزين لحصرها وإدارة حركتها . إن لم نكن نستطيع التوصل إلى حلول لها . وسوف تترك وراءها مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية . فهناك احتمالات تباطؤ في النمو واحتمالات كساد واحتمالات بطالة ، ومع تآكل جزء من مدخراتنا نتيجة تهاوي الأسواق العالمية وتناقص مواردنا مع تدني أسعار النفط ، فإن السلامة الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا هي استحقاق يترتب عليه مسؤوليات ومهمات جسام أيها الإخوة الأعزاء ، لا بد لي قبل أن أختتم كلمتي من أن أكرر الترحيب والتأييد والإشادة بالمبادرة الكريمة والحكيمة التي أطلقها أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في قمة الكويت من أجل المصالحة العربية والتي عبرت عن مدى حرصه على لم الشمل وتحقيق التضامن العربي وتجاوز أي اختلاف في الرأي بين دولنا ، الذي يبقى في النهاية حول الوسيلة وليس الهدف ، فهدفنا جميعاً واحد ، هو مصلحة شعوبنا وأمتنا ورفعة شأنها كما أود في هذه المناسبة أن أعبر عن اعتزازي واعتزازنا جميعاً بمشاركة أخي خادم الحرمين الشريفين ممثلاً للمملكة العربية السعودية في قمة العشرين الاقتصادية في لندن . ولا أغالي إذ أقول إننا نشعر أنه يمثلنا جميعاً في هذه المهمة التي نتمنى له التوفيق والنجاح فيها ، وإننا على ثقة أنه سيمثل مصالح أمتنا وعالمنا العربي ، وحتى الدول النامية المتضررة وطموحها بعلاقة أكثر توازناً مع الدول الصناعية المتقدمة أيها الإخوة الأعزاء ، إن الأمة تتطلع إليكم ومجتمع الدول ينتظر إسهامكم ، فمع أهمية المصالحات الجارية ومع ضرورة عودة الود في العلاقات ، أصبح المطلوب منا التوافق والتعاون في الأفكار والأهداف والوسائل بيننا ، وبيننا وبين العالم بأسره والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المصدر :smc