الطاهر ساتي

سن اليأس

/

سن اليأس
** قديماً، كان الأهل يذهبون بمريضهم إلى المستشفى..وعندما يتدهور صحته بالمستشفى، يعودون به إلى القرية بلسان حال قائل : ( والله ما خلينا دكتور ولا فكي، بعد ده ننتظر قدر الله).. وهكذا تترقب كل قرية موت هذا المريض.. وكان الترقب مدهشاً..على سبيل المثال، إذ نبح كلباً منتصف الليل أو حركت الرياح جردلاً أو صرخ طفلاً ، يخرج عبد الجليل – حاملا الكفن والقطن – ويسترق السمع، وتكون الأذن اليمنى في إتجاه منزل المريض..وتخرج سكينة – حاملة الصابون والأرياح – لتجد جارتها في الشارع، فتسألها : ( سامعة الصوت ده، ياربي طالع من بيت حاج عبد الله؟)، ويكون حاج عبد الله هو المريض لحد اليأس..وبصوت حوارهما، يخرج فضل الله وزوجته ليشاركوا في الترقب ( خير يا جماعة، حاج عبد الله حصل ليه شئ؟)..وهكذا، كل من سمع ذاك الصوت أو حوار المتحاورين حول مصدر الصوت، يخرج من منزله وفي ذهنه ( خلاص قدر الله إفتكر حاج عبد الله)..ويمنعهم الحياء عن طرق باب حاج عبد الله، فيعودوا بعد لحظات الترقب إلى مراقدهم، وفجراً يذهبون إلى منزل حاج عبد الله و يخطروا أسرته كنوع من مشاطرة القلق والحزن المرتقب ( والله بالليل سمعنا صوت و إتخلعنا).. ولم يكن في ترقبهم خلعاً ولا قلقاً، فالكل يترقب موت حاج عبد الله ( تحديداً)، بدليل خروجهم منتصف الليل – أثر أي صوت – وبأيديهم الكفن والقطن و( لوازم الجثمان)..!!

** وهكذا تقريباً حال شباب الحزب الحاكم مع التجديد المرتقب في أجهزة حكومتهم وحزبهم .. لقد إنتظروا هذا التجديد عاماً تلو الآخر، ثم عقداً تلو الآخر، بغرض الإصلاح..ولكن، من طول الإنتظار، أصابهم اليأس، فغضوا الطرف عن الإصلاح وجلسوا على أمانات الشباب وتوابعها وهم يترقبون مع الشعب ( قدر الله) ..ولذلك، إذا أصدرت أم روابة صوتاً، على سبيل المثال، أو أب كرشولا، يخرجون من تلك الأمانات وتوابعها ثم يسأل بعضهم بعضاً ( خير يا جماعة، الحكومة حصل ليها شئ؟)، والعقول التي وراء سؤالهم لاتحمل قلقاً ولا حزناً، فالحدث مرتقب.. ورغم قناعتهم بعدم جدوى التجديد بغرض الإصلاح ، أو رغم قناعتهم بأنهم (قنعوا من التجديد والإصلاح)، يخاطبهم حزبهم وحكومته بلسان حال قائل ( إصبروا، عايزين نفسح ليكم المجال عشان تجددوا وتصلحوا)، أو هكذا الوعد منذ أن كان شباب الحزب أطفالاً..لاتجديد، ولا شباب يترقب التجديد، ثم وعد الكبار بالتجديد.. حالهم مع كبارهم كما حوار الأصم الذي سأل صديقه الأصم : ( إنت بكرة ماشي السوق؟)، فيرد عليه : ( شكراً ليك ياخ، انا الليلة صائم)، فيؤكد ذاك ( خلاص لو بكرة ماشي السوق أنا بديك القروش)..!!

** ومن أخبار البارحة، نقتبس ما يلي نصاً : ( المرحلة القادمة ستشهد تغييراً كبيراً في أجهزة الحكومة والحزب لصالح الشباب، والحكومة القادمة ستكون خالية من الوجوه القديمة، وعلى كبار السن إفساح المجال للشباب)، الدكتور الحاج آدم، نائب رئيس الجمهورية، مخاطباً أمانة الشباب بالحزب الحاكم..هكذا الوعد ( رقم كم ؟ ماعارف)..وعد بالتجديد لشباب لم تعد أعمارهم تنقص كثيراً عن كبار السن بالحزب..نعم، السواد الأعظم منهم تجاوز مرحلة الشباب وهم في أرصفة إنتظار التجديد والإصلاح منذ (23 سنة)، بل بعضهم بلغ (سن اليأس من التجديد)..وحالهم، كما حال الناس والبلد، يترقب حدثاً لهذا السودان وليس لحزبهم وحكومتهم فقط ..فالمخاطر تحيط بمصير الناس و البلد، وإستبدال هذا الطاعن في السن بذاك اليافع ليس بسياج واق لمصير البلد من تلك المخاطر.. فالحلول الشاملة هي الأفضل في وضع كهذ، ومنها أن يتساوى شباب الحزب الحاكم مع شباب السودان في إدارة وطنهم بالعدل والحرية ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]