تحقيقات وتقارير

لماذا لا يصدر العفو الرئاسي اليوم عن عقار وعرمان وقد بدأ الإنفراج ..؟

[JUSTIFY]قال عالم الفيزياء الأمريكي قودارد في إحدى حكمه:

«Further approach td an ideal behaviour becomes more difficult the nearer we come to it» التقدم نحو السلوك المثالي يصبح أكثر صعوبة كلما اقتربنا منه ..

هذا ينطبق علينا تماماً هذه الأيام متمثلاً في ثلاثة أحداث تدور هذه الأيام، وقد اقتربنا من التوافق على حل مشاكل السودان وإعادته أي السودان إلى ما كان عليه من أمن وأمان ورخاء، والثلاثة أحداث هي:
تعثر المفاوضات مع قطاع الشمال وقد قطعنا 70% من الحل- رسو السفن الحربية الإيرانية وقد بدأنا في تجسير الهوة بيننا ودول الخليج خاصة السعودية- الظهور غير الطبيعي لقضايا فساد كبرى بعد سنوات من الصمت، وقد اقترب الحوار الوطني الجامع من بداياته كل الثلاثة أحداث تتسق مع حكمة العالم قودارد.

أولاً: تعثر المفاوضات بعد تحقيق نجاح نسبي غير مسبوق في كل الجولات الماضية، وهذا النجاح النسبي في تقديري مرده الى عوامل عديدة تضافرت في هذا الوقت وهي: حرب الجنوب وأثرها على عمليات الجبهة الثورية العسكرية في جنوب كردفان- التغيير الجذري في استرايتجيات مفاوضي الحكومة، خاصة القبول لأول مرة (بعد الغائها) بالإتفاقية الإطارية كمرجعية مع تحفظات بسيطة- تخوف بعض مكونات الجبهة الثورية خاصة في دارفور من انفراد المؤتمر الوطني وقطاع الشمال بحلول في النزاع في المنطقتين فقط، وتركهم في حالهم بتعاطف والتزام فضفاض غير مفيد لهم كما حدث في نيفاشا 2005، عندما تركت الحركة الشعبية الأم قطاع الشمال، وانشغلت بقضايا ونزاعات الجنوب أو كما يقولون تركتهم (عكس الهوا)- وثالث هذه العوامل تزامن جولات المفاوضات الأخيرة مع مبادرة الرئيس في 6/4/2014، الداعية الى حوار وطني شامل لحل كل قضايا السودان.

مع هذا التقارب في المفاوضات بدأت بعض الأصوات تتحدث عن استحالة الشراكة مع قطاع الشمال في أي شأن سياسي، وهذا الأمر مخالف لبعض بنود الإتفاقية الإطارية كما أوردنا في المقال السابق، وبدأت أيضاً أصوات خافتة في إثارة توجس، وعدم اطمئنان من السماح لقطاع الشمال المواصلة كحزب سياسي في السودان، تارة بحجة إن اسمه الذي يحمل كلمتي (تحرير السودان) استفزازي، وتارة أخرى بحجة أن قياداته محكوم عليها بأحكام تتراوح بين الإعدام والسجن- الرد على ذلك بسيط يمكن السماح لهم كحزب تحت اسم (حزب الحركة الشعبية) دون كلمتي تحرير السودان، والحجة الثانية يمكن دحضها بأن أحكاماً بالإعدام قد صدرت، تم تجاوزها بقرارات رئاسية وتبوأ بعدها المحكومون مناصب رفيعة في الدولة، مثل الدكتور مهندس الحاج آدم الذي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية وهو منصب أرفع بكثير من رئيس أو أمين عام حزب سياسي، فلماذا لا يصدر عفو رئاسي اليوم وقبل بداية الجولة الأخيرة للمفاوضات في 15/5/2014 عن مالك عقار وياسر عرمان، حتى ولماذا لا يصدر تصريح رئاسي بضمان حرية العمل السياسي لقطاع الشمال كحزب مسجل قانوناً في إطار خلق الأرضية الصالحة للحوار الوطني الجامع.!

وفي هذا يجب على كل من تجاوز الستين من العمر وأنا منهم أن نعترف ولا ندفن رؤوسنا في الرمال بأن تعداد السودان اليوم وبإسقاط تعداد 2008 البالغ حوالي ثلاثين مليوناً وبمعدل نمو سكاني 2,5% في السنة على اليوم أي بعد 6 سنوات يصبح تعداد 2014 حوالي خمسة وثلاثين مليوناً- وجدت من تعداد 2008 وبتعديله الى عام 2014 أن نسبة الشباب بين 18-45 سنة يبلغ 67% أي 24 مليونا ( أربعة وعشرين مليوناً)- في تقديري أن 60% منهم ليسوا مع المؤتمر الوطني، والحزبين الكبيرين الأمة والإتحادي الديمقراطي لأن الجزء الأعظم منهم قبل 25 عاماً كانوا أطفالاً، أو لم يولدوا ولا يعلمون الكثير عن هذه الأحزاب.

لذلك وبحسب التقدم الهائل في رسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية، فسوف يكون على أقل تقدير نصفهم أي 12 مليوناً غير راضين عن ما يشاهدونه في القنوات، من عنف ودماء وعدم استقرار في دول العالم الإسلامي حولنا مثل سوريا- ليبيا-العراق- اليمن- مصر، بسبب الصراع الدامي بين العلمانيين والإسلاميين، الأمر الذي سيجعلهم يختارون منطقة وسطى وهي الدولة المدنية، والدولة المدنية هي دولة إسلامية بقوانين وضعية لإدارتها كدولة، وقوانين شرعية تحكم أحوال مواطنيها الشخصية- عليه أي حوار وطني صادق واتفاق مع قطاع الشمال والجبهة الثورية سيفضي الى خلق قوتين متوازنتين بجماهيرية متساوية أو شبه متساوية بنسبة في تقديري 55% و45% -55% مع القوى الحديثة و45% مع القوى التقليدية، أي 14 مليوناً و10 ملايين. وحسب إحصائيات الإنتخابات السابقة التي جرت منذ العام 1953 وحتى اليوم فإن متوسط المشاركة الفعلية لمن يحق لهم التصويت بلغت 50% في المتوسط، أي أن حوالي 12 مليوناً سيدلون بأصواتهم في الإنتخابات القادمة والمتوقع تأجيلها حتى 2017- قلنا أن نسبة توزيع القوى الحديثة الى القوى التقليدية ستكون 55% و45% من الشباب، ولكن عند الإنتخابات وبدخول الشريحة العمرية فوق 45 سنة، إضافة الى عوامل الخبرة والإمكانات المادية والتنظيمية للقوى التقليدية، خاصة المؤتمر الوطني واحتمالات التنسيق بين القوى الإسلامية المتمثلة في المؤتمر الوطني- الشعبي- الأمة- الاتحادي الديمقراطي، وباقي التنظيمات الإسلامية فإن النسبة في حالة التصويت ستكون في تقديري لصالح القوى التقليدية بنسبة 60% لها، و40% للقوى الحديثة المتمثلة في حزب قطاع الشمال- أحزاب الجبهة الثورية وباقي الأحزاب اليسارية.. عليه وبهذه النسب أتوقع إذا كان البرلمان من 300 مقعد سيكون نصيب المؤتمر الوطني وحلفائه 180 مقعداً مقابل 120 للقوى الحديثة.

هذا إذا جرت الإنتخابات حرة نزيهة، وتوزيع عادل للدوائر وهو أمر متوقع ومثالي إذا حدث، خاصة إذا قرأنا ما وراء السطور التي أدلى بها الأخ الجسور المتوازن رئيس المجلس الوطني د. الفاتح عزالدين الذي صرح في جريدة أخبار اليوم عدد الجمعة 9/5/2014 في الصفحة الأولى والمانشيت الرئيسي والذي قال فيه: (إن قانون الإنتخابات سيشهد تعديلات جوهرية غير مسبوقة تتيح لتمثيل كبير للقوى السياسية في البرلمان القادم، وقال: إن المقترحات تذهب ل زيادة نسبة التمثيل النسبي الى ما يقارب 50%) انتهى.

إذا حدث هذا التوازن في البرلمان (180 حكومة و120 معارضة) فإن هذا وحده سيعيد السودان الى ما كان عليه من أمن وأمان، ورخاء وحرية، وعدل ومساواة، مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى وسوف يستقيم الظل تلقائياً.

الحدث الثاني: هو رسو البواخر الحربية الايرانية في بورتسودان هذه الأيام والإعلان الرسمي من الجيش بذلك، وهو إعلان قوي غير مسبوق به رسائل قوية عديدة، وتفاصيل محسوبة بدقة مثل – عمل روتيني فيه تبادل معلومات وقد سمح للمواطنين بالدخول لمعاينة الفرقاطة (Frigate)، وهي سفينة حربية حديثة تستخدم لحماية السفن الحربية، وهي مضادة للغواصات وأطقم الغواصات، إضافة الى باخرة إمداد- تزامن وصول هذه السفن وهذا الإعلان القوي مع تأخر الاستجابة لمساعي السودان في إعادة العلاقات القديمة التاريخية مع دول الخليج والسعودية خاصة- إذ أنه من أقسى المواقف وأكثرها مرارة التجاهل والإستخفاف عند التراجع والمراجعة- المتراجع والمراجع يكون أكثر شراسة وبغضاً، خاصة إذا بلغ مرحلة «Nothing to lose» « لا شئ أفقد» ، وهذا التراجع وهذه المراجعة تعني بالضرورة البعد والإبتعاد من السابق كمقابل للتراجع، فهل تعي الجهات المستهدفة بالتراجع والمراجعة هذه الرسائل القوية المهمة؟ وهل تعي بأهم خصائل الشعب السوداني الطيب المتسامح المنقلب الى وحش كاسر عند التجاهل- نحن كما قال شاعرنا قرشي صالح سراج (نحن في الشدة بأس يتجلى وعلى الود نضم الشمل أهلا) و (يا راية منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال) الفيتوري- (شرفة التاريخ).

الحدث الثالث والأخير هو الظهور المفاجئ لعمليات فساد ونقد لاذع لقرارات ومصروفات باهظة في مشاريع، وكلها حدثت في أوقات سابقة، وبها يشتم رائحة تصفية حسابات بين مجموعات متصارعة في الحزب الحاكم، في وقت يدعو فيه الرئيس إلى إعادة صياغة السودان بمخرجات حوار وطني جامع لا يقصي أحداً، لكن بالرغم من ذلك فان عجلة محاربة الفساد ونقد الذات يجب أن تظل دائرة وبسرعات متزايدة، حتى يسقط الخفيف ويبقى النظيف.. (والساقية لسة مدوِرة).

والله الموفق.

صحيفة آخر لحظة
تقرير : عمر البكري أبو حراز
ت.إ
[/JUSTIFY]