تحقيقات وتقارير

مبارك الفاضل .. السباق نحو الزعامة

[JUSTIFY]يروي أحد المقربين من مبارك الفاضل القيادي السابق في حزب الأمة، أن باقان أموم القيادي آنذاك في الحركة الشعبية إبان التجمع الديمقراطي ما قبل اتفاقية نيفاشا قال لحرسه إذا جاءكم «س» وهو مندوب مبارك الفاضل ادخلوه وإن كنت في الحمام.
باعتبار أن مبارك اعتاد أن يقدم معلومات قيمة للحركة الشعبية إبان فترة المعارضة، وهي مقدرة تميز بها مبارك بعلاقاته الواسعة وبذله للمال دون تحفظ، وقد امتدت تلك العلاقات مع الرجل الثاني في نظام القذافي آنذاك السنوسي، وقيل إنه قدم له هدية كلفت مئات الآلاف من الدولارات وحين سأله خاصته في الحزب لماذا تنفق كل تلك الأموال رد بمكر وقال«لدي استثمارات هناك لا تساوي عشر ما قدمته للسنوسي».
طموح مبكر منذ أن أتم مبارك الفاضل المهدي دراسته الجامعية في بيروت ثم جامعة شيلر الأمريكية، لم يمض وقت قصير عندما ولج إلى باب السياسة من بوابة حزب الأمة، حيث لم يبرح في ذلك الوقت العقد الثاني من عمره مما يكشف الطموح السياسي المبكر، وانضم مع حزبه لمعارضة نظام نميري تحت عباءة الجبهة الوطنية المعارضة التي فشل مسعاها للقيام بعمل مسلح في العام 1976 وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاماً. وعقب انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بالنظام المايوي برئاسة جعفر نميري، تفتحت شهية الشاب مبارك للعمل السياسي وانداح وتمدد سقف طموحاته السياسية، بينما عاونه ابن عمه الصادق المهدي زعيم الحزب بإعطائه سلم الصعود، حيث ترشح باسم الحزب في البرلمان ونجح في الدخول إليه، وعندما حاز الحزب الأغلبية البرلمانية وشكل حكومة ائتلافيه تقلد مبارك المهدي منصب وزارة الصناعة ثم الاقتصاد والتجارة الخارجية ثم الطاقة والتعدين وأخيراً وزارة الداخلية.
المعارضة الثانية وعندما استولى الإسلاميون على الحكم في العام 1989 شركاء حزب الأمة في الائتلاف قبل خروجهم منه، خرج مبارك الفاضل إلى أسمرة وساهم في إنشاء ما يعرف بالتجمع الوطني الديمقراطي في العام 1990م، ثم ما لبث أن صعد إلى منصب أمينه العام بعد خمس سنوات فقط باعتبار أن حزب الأمة يتمتع بثقل سياسي مقدر إضافة إلى المقدرات الشخصية لمبارك التي تتمثل في النشاط الحركي والانفتاح على الآليات الإعلامية الإقليمية والدولية بأسلوب يتسم بالحدة السياسية ولا يخلو من البرجماتية، وقد ظهرت ملامح هذا الخطاب عندما قذفت الولايات المتحدة مصنع الشفاء في العام 1998 بحجة أنه يحوي صناعة كيماوية، وقف في إحدى القنوات الفضائية وقال إنه ليس المصنع الوحيد، ثم أشار إلى مصنع في المسعودية بحسب زعمه، وهو حديث سبب إحراجاً لحزب الأمة في ذلك الوقت أمام الرأي العام السوداني الذي استنكر عملية الاعتداء، حيث بدا حديث مبارك في العقل الجمعي في خانة التخندق مع العدو سيما أن الأنقاذ لم تفقد شعبيتها وقبولها الجماهيري آنذاك.
عتبة الصعود وصراع السياسة عاد مبارك المهدي إلى البلاد في إطار مصالحة قادها الصادق الهدي مع نظام الإنقاذ أسماها «تفلحون» وربما كان مبارك المهدي في قرارة نفسه أكثر تحرقاً لإتمام هذه المصالحة باعتبار أن أشواق وتطلعات إسقاط النظام والعودة على ظهر سيارات عسكرية أو حتى عبر انتفاضة شعبية بدت صعبة المنال، الأمر الذي من شأنه أن يفرمل طموحات مبارك المهدي الكبيرة والتي سرعان ما ضاق بها حتى حزبه «الأمة القومي»، فانشق عنه في العام 2002 وأنشاء حزباً رديفاً أسماه «حزب الأمة والإصلاح» ولج من خلاله إلى القصر الحاكم مساعداً لرئيس الجمهورية، وفي تلك الفترة دخل مع زعيم الحزب الأصل الصادق المهدي في خلافات حادة ومعتركات كلامية ساخنة حتى أنه كتب له في العام 2004م مذكرة ذكر فيها «شاركنا في الحكومة ولم نتلق مليماً وتسلمت تعويضاً مليون دولار ومبالغ أخرى» في إشارة للصادق المهدي «خابت تقديراتك السياسية وننصحك بدور أبوي والابتعاد عن صراع السلطة والركد وراء رئاسة الوزارة»، ثم قال أيضاً «بعد الفراق أصدرت عني كتاباً ذيلته ومهرته باسم ابنتك رباح حشوته أكاذيب ومغالطات كانت أشبه بأحاديث خرافة مسترجعاً ومعيداً ذات التهم وكانت أولى هذه الافتراءات والأباطيل تذييلك للكتاب باسم ابنتك رباح مع أن وقائع الموضوعات وظروف زمانها ومكانها مرتبطة بشخصينا ولا أحد سوانا»، ثم اتهمه أيضاً في مذكرته بتذبذب المواقف وقال«لقد كنت تفاوض النظام سراً في الخرطوم ولوزان وجنيف والمعارضة في أوجها دون علمنا ولما استجبنا للمصالحة والوفاق وفارقنا التجمع الوطني الديمقراطي فإذا بك تختار طريقاً ثالثاً لا مع المعارضة ولا مع الحكومة». وحين تعرضت الإنقاذ إلى ضغوط دولية من الولايات المتحدة والغرب، وبدأ الحديث عن الدعم المادي والحديث عن إسقاط النظام حركت هذه التطورات أشواق وطموحات مبارك المهدي اللا محدودة ففكر في لعب دور أكبر في المعادلة القادمة في الحكم فبدأ نشاطاً سياسياً خارج ستار السلطة حيث كان مصراً على تلبية دعوة أمريكية وأشيع بأن مبارك يعد نفسه لدور كرزاي السودان، وربما كانت هي أو غيرها عجلت بخروجه من القصر الرئاسي في العام 2004، وفي العام 2007 اتهمته الحكومة بالمشاركة في التآمر مع خلية انقلابية وتم سجنه عدة أشهر.
مطامح حزبية وأخيراً وجه مبارك المهدي نداءً للصادق المهدي دعاه للتنحي عن رئاسة الحزب، وقال له «لا بد من إعادة صياغة دورك السياسي بعد أن أمضيت وقتها 44 عاماً في سدة رئاسة حزب الأمة حتى تفسح المجال للأجيال الجديدة لتولي القيادة التنفيذية في الحزب، على أن تلعب دوراً زعامياً راعياً تحتاجه الساحة السياسية، وتعلو بنفسك عن العراك السياسي». ويرى المراقبون أن عودة مبارك الفاضل باتت متوقعة قريباً للبلاد، وأن توجيه هذه الرسالة التي تعمد أن تسبق قدومه هي بمثابة بداية تدشين حملته التنافسية ضد زعامة الصادق المهدي للحزب، ولا يستبعد المراقبون أن يتحالف مبارك أو على الأقل ينسق مع د. إبراهيم الأمين الذي أطيح به قبل أيام من منصب الأمين العام وربما أيضاً المهندس د. مادبو الزعيم التاريخي للحزب، وبالرغم أن مهمة مبارك لن تكون سهلة بحكم الأمامة الطائفية للصادق المهدي، فضلاً لكسبه التاريخي في الحزب والكارزيما التي يمتلكها، لكن مبارك بما له من خبرات ومال ينفقه ظل يجمعه بحنكة من استثمارات خارج البلاد منها دولة الجنوب التي نقل منها نشاطه الاستثماري إلى يوغندا، بيد أن المعضلة الكبرى التي ستواجه مبارك المهدي هي عدم رضا المؤتمر الوطني عنه في مقابل التنسيق والرضا عن الصادق المهدي، مما يعني أن مبارك سيواجه العديد من المطبات الظاهرة والمستترة في زحفه نحو سدة رئاسة حزب الأمة، لكن مع ذلك يبدو أن مبارك لن يستسلم ولن يرفع المنديل، الأمر الذي يعني أن الحكاية ستسمر إلى أجل غير مسمى لرجل مثير للجدل مدمن على حرق المراحل عاشق للزعامة السياسية حتى الثمالة.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]

تعليق واحد