رأي ومقالات

ابراهيم عثمان: النشاذ المنسجم … السيسي و صباحي من يكون سلماً للآخر ؟

كان حمدين صباحي يمني نفسه بمنصب الرئاسة في الإنتخابات السابقة مدعوماً بتيارات الناصريين و بعض الحركات الثورية و معظم الممثلين و أهل الفن و شريحة معتبرة من القطاعات الفقيرة التي دغدغ عواطفها بشعارات العدالة الإجتماعية ، و قد حقق نتائج لا بأس بها في الجولة الأولى أشعرته بأنه كان قريباً من منصب الرئاسة و لم يستسلم لخسارته المشرفة فقدم عدة طعون على نتيجة الجولة الأولى آملاً في دخول الجولة الثانية ضد أحد المرشحين و فوزه بمقعد الرئاسة . بل ووصل الأمر به إلى مطالبة مرسي بالتنازل له لينازل شفيق و هو طلب عدا أنه غير قانوني ، فهو غير منطقي و ليس له سابقة في العالم . و بعد فوز مرسي كانت المطالبة بتنازله و تسليم السلطة لمجلس رئاسي من “رموز الثورة” بما فيهم صباحي !
نشط حمدين مع آخرين في تكوين جبهة الإنقاذ و دعم حركة تمرد لإسقاط الرئيس المنتخب و لما كان ذلك غير ممكن إلا بتدخل مباشر من الجيش الطامع هو أيضاً في اسقاط مرسي لأسباب و أهداف ليست بالضرورة متطابقة مع أهداف صباحي ، فقد تم الإستنجاد به ليقوم بالإنقلاب ليسلمهم السلطة . و قد تفاجأ صباحي بعودة دولة مبارك بكل رموزها و طرائق عملها و شبكة مصالحها و بمرشحها الرئاسي السيسي المدعوم بقوة من رجالات الحزب الوطني و من مبارك شخصياً ، و قد تحدث الدكتاتور السيسي بحنق عن حمدين صباحي الذي صدقه في وعده بعدم الترشح و قابله ليتأكد من ذلك فسمع منه ما دعاه ليخرج و يحدث الناس عن عدم نية السيسي للترشح . تردد صباحي و حسم قراره في النهاية بالترشح في مواجهة السيسي و لا شك أن الدكتاتور هو أكثر الناس سعادةً بترشحه ، فهو من سيكمل مسرحية الإنتخابات و يلبي بعض مطلوباتها الشكلية ، و إذا كان نظام الإنقلاب قد أظهر أن لديه من وسائل الضغط ما يجعل رجل في حجم البرادعي يغادر مصر و يصمت ، و رجل واجه نظام مبارك بكل شجاعة مثل أيمن نور يغادر و يستقر ببيروت ، و يسكت وائل غنيم و يوقف النشر في صفحة كلنا خالد سعيد “ايقونة الثورة المصرية” و يجعل آخرين ينتقدون بطريقة خجولة كعلاء الأسواني و بلال فضل و غيرهم ممن لا يرون من عشرات آلاف المعتقلين سوى أحمد ماهر ومحمد عادل القياديان بحركة 6 أبريل و الناشط أحمد دومة ! إذا كان الإنقلاب لديه من الوسائل ما يسكت هؤلاء و ما يخفض سقف مطالب حركة 6 أبريل المسجون قادتها بسبب التظاهر ضد قانون التظاهر الذي يمنع الوسيلة التي توسلها السيسي للإنقلاب على مرسي ، فحقق بذلك ما كان يتهم الإخوان به : “اتخذ التظاهر سلم للوصول لكرسي السلطة و أخذ السلم معه ” . و 6 أبريل المحلولة بقرار قضائي مسيس لم تصل حتى الآن إلى مرحلة الدعوة الصريحة إلى إسقاط النظام الإنقلابي و لا تتعدّ مطالبها سقف الدعوة إلى إطلاق المعتقلين و إلغاء قانون التظاهر ! ، فإلنظام بالتأكيد يملك من الوسائل ما يجعل صباحي مجبراً على إكمال مسرحية الإنتخابات حتى النهاية ، و لذلك من المستبعد أن يفكر صباحي في الإنسحاب حتى لو ثبت لديه يقيناً ما تنبأ به شفيق من أن الدولة بكاملها ستكون في خدمة السيسي حتى فوزه ، مما يجعله “رئيس مرشح و ليس مرشح رئاسي” كما عبر الدكتور أيمن نور في إحدى تغريداته .
كان أمام صباحي بارقة أمل في أن يتبوأ رئاسة مصر لو لم يحدث إنقلاب السيسي ، حيث كان يمكنه أن ينازل مرسي بعد نهاية فترته الرئاسية ، و بالتأكيد كانت حظوظه بالفوز ستكون كبيرة في ظل حملة الإفشال المتعمد للرئيس مرسي التي تقوم بها أجهزة الدولة العميقة ، و بالذات إذا نجح صباحي في اقناع حلفاءه في جبهة الإنقاذ و بعض الحركات الثورية بأن يكون هو المرشح الوحيد في مواجهة مرشح الإخوان ، و لكن اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الدولة العميقة لم تكن تخطط لإفشال الرئيس و اسقاطه من أجل حمدين و لا غيره من معارضي نظام مبارك .
صباحي خاسر في كل الحالات : إذا استمر الإنقلاب فإن أمله في الرئاسة – أو حتى في أن يحقق الدكتاتور بعض ما ينادي به صباحي من شعارات الديمقراطية و العدالة الإجتماعية – معدوم تماماً ، و استمرار النظام الإنقلابي يجعله هدفاً مباشراً لآلته القمعية و محاكمه الجاهزة إذا أصر على مطالبه التي أتى الإنقلاب أساساً لمعاقبة من ينادون بها . و إذا صمت كما فعل غيره أو ساير الإنقلابيون يكون قد قضى تماماً على مستقبله السياسي . و إن سقط الإنقلاب فبالتأكيد ستكون خسارة صباحي و غيره من مؤيدي الإنقلاب مؤكدة . ليس أمام صباحي ليكون له دور و لو مؤقت سوى مساومة استمراره في المسرحية الإنتخابية بمناصب له و لتياره . رغم سوء حبكة مسرحية الدكتاتور/الممثل العاطفي و انكشافها أمام العامة و الخاصة إلا أنه تمكن بنجاح من تسويقها لدى حمدين الطامع في الرئاسة و المشغول بإزاحة خصومه من الإخوان ، فنال ذلك ووجد نفسه أمام خصم لا قبل له بمواجهته : دولة مبارك بنسختها الإنتقامية و التي تعلمت من درس ثورة يناير و استعادت أنفاسها و جعلت الخيارات أمام الثوار لا تخرج عن القتل و السجن أو المغادرة إلى الخارج أو مسايرة النظام . شارك حمدين بفعالية في الإنقلاب و هو الفصل الأول في المسرحية ، و هو الآن يشارك في الفصل الثاني ، و لا شك أن للمسرحية فصول أخرى لن يعدم الدكتاتور وسيلةً تقنع مهووس الرئاسة بها ! من المضحكات المبكيات في مصر آن الدكتاتور الذي كان يهلوس – بإعترافه – بالرئاسة في أحلامه منذ 26 عاماً ، وجد مهووساً آخر بالرئاسة سيكون هو سلمه الذي سيصعد به و يحقق حلمه ! . لقد أُكل حمدين و أُكِلت الثورة يوم أُكٍل الثور الأبيض .
ابراهيم عثمان

تعليق واحد