تحقيقات وتقارير

قائمة في موعدها : ماراثون الانتخابات يبدأ الانطلاق

الانتخابات قائمة في موعدها المحدد بموجب الدستور واتفاقية السلام الشامل، هذا آخر ما صدر عن المفوضية القومية للانتخابات التى طالبت الاجهزة التنفيذية والتشريعية بمساعدتها في انجاز تلك المهمة العسيرة، موعد ربما كان تأكيده مستغرباً لكثيرين كانوا يرون بحتمية تأجيلها، إن لم يكن للظروف التي تمر بها البلاد بعد تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف رئيس الجمهورية، فربما لإجراءات جوهرية متعلقة بقيامها في الموعد المضروب سلفاً لها.
وبعيداً عن تلك التداعيات والصعوبات الجوهرية المتعلقة بقيام الانتخابات، مضت المفوضية القومية للانتخابات الى اعلان تمسكها بموعد اجرائها «يوليو القادم» بل وفي دلالة على تمسكها بتهيئة المسرح السياسي لذلك، دعت المجلس الوطنى لرفع دعم الناخب السودانى وتهيئة الظروف للادلاء بأصوات الناخبين، وقالت انها كثفت من اتصالاتها بالمجتمع الدولى للمساعدة ماديا وفنيا في اجراء الانتخابات في موعدها، كما اجرت اتصالات مع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدنى مشددة عليهم بضرورة الاضطلاع بدورهم في التواصل مع الناخبين، جاء ذلك في التنوير الذي قدمه رئيس المفوضية أبيل ألير ونائبه عبد الله احمد عبد الله، لرئيس المجلس الوطنى احمد ابراهيم الطاهر، اللذان اطلاعه فيه على الاجراءات التى قامت بها المفوضية استعدادا لاجراء الانتخابات في وقتها المحدد وفق الدستور واتفاقية السلام.
ولكن نية الاستعداد التى ابدتها المفوضية القومية للانتخابات لاجرائها في موعدها، والتى تطابقت كذلك مع رؤية المؤتمر الوطنى، الذي عبر عنه السيد رئيس الجمهورية مؤخراً بقيام الانتخابات في موعدها ودعوته للقوى السياسيه للاستعداد لتنافس فيها وضمان حياديتها ونزاهتها. لكن استعداد مفوضية الانتخابات لقيامها في موعدها تقف بيد دونه بيد، فالانتخابات التى تعتمد كل هندسة اجراءاتها من سجل ناخبين وتوزيع دوائر واحصاءات تتوقف على نتيجة التعداد السكانى، وهو التعداد الذي مازالت تقاريره النهائية ونتائجه ترقد في اضابير الجهاز المركزي للاحصاء الذي اطلع بعملية التعداد السكانى، بل وافادت آخر الاخبار الصحافية ان التقرير النهائي للتعداد الذي كان يؤمل نشره في فبراير المنصرم قد تأجل الى ابريل القادم، اى قبل شهرين من الموعد المضروب للانتخابات ما يعني ان مفوضية الانتخابات ستقوم بإستخراج السجل الانتخابي وتوزيع الدوائر خلال مايو ويونيو، كما أن توزيع الدوائر وكذلك السجل الانتخابي يرتبط أيضاً بعملية معقده وهى ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب بموجب اتفاقية السلام الشامل، ولازالت اللجنة الفنيه لترسيم الحدود تواصل مهامها على الخط ولم ترفع تقريرها النهائي لرئاسة الجمهورية لإجازته بعد، ومن ثم التفكير في تنفيذه على ارض الواقع، ما يشكل عقبة كؤود تقف في طريق قيام الانتخابات بعد ثلاث اشهر. وكان الاستاذ أتيم قرنق قد استبعد في ديسمبر الماضي بـ»منبر الصحافه» اجراء الانتخابات في موعدها على ضوء المعطيات الحالية، وقال «المؤتمر الوطني يقول انه مع الحركة الشعبية، يجب ان تجري الانتخابات لكن هناك جزئيات قبل الإنتخابات لم يعمل بشأنها شىء منها تعديل قانون الأمن الوطني والصحافة والاستفتاء، حتى نستطيع ان نجلس مع القوى السياسية ونعطيها الاطمئنان على نزاهة الانتخابات، وأضاف إذا مفوضية الإنتخابات قررت قيامها، ولكنها أى المفوضية نفسها لم تعين موظفيها حتى الآن، ولم تنجز السجل الانتخابي حتى الآن، وآخر سجل كان سنة 1986 فلابد من تسجيل الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية، وهذا لا يمكن ان يتم إلا بظهور نتائج الإحصاء السكانى، وكذلك ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، لابد من حسمها لمعرفة الدوائر الانتخابية التابعه للشمال وكذلك التابعه للجنوب، مشيرا الى أنه لا يمكن اجراء الانتخابات في شهر يوليو نسبة لظروف الخريف».
ويذهب مراقبون الى ان المؤتمر الوطنى الشريك الاكبر في حكومة الوحدة الوطنية بات أكثر تهيئاً واستعدادا لاجراء الانتخابات في موعدها المحدد بموجب الدستور والاتفاقية خاصة بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف السيد رئيس الجمهورية، حيث بدأ المؤتمر الوطنى أن استعجال اجراء الانتخابات وترشيح البشير للرئاسة مجدداً في حال فوزه يعد هذا واحداً من ضمن سيناريوهات مناهضة قرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير وبالتالي وضع المجتمع الدولى في وضع حرج بملاحقة رئيس منتخب من الشعب، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت ضمن ضغوطها على الخرطوم عدم ترشيح الرئيس البشير في الانتخابات الرئاسية القادمه مقابل تجميد اجراءات المحكمة الجنائية ضده بموجب الماده «16» من ميثاق روما في مجلس الأمن الدولى، كما أن المؤتمر الوطنى وبعد التعاطف الشعبي الذي وجده الرئيس البشير بعد قرار توقيفه من المحكمة الجنائية الدولية، وجد انه يمر بافضل الاوقات لتدشين حملته الانتخابية واعادة انتخاب البشير رئيسا مجددا للبلاد، الأمر الذي لا يستبعد معه دعم المؤتمر الوطنى وتسخير امكانيات الدولة لإنجاز العملية الانتخابية في موعدها المحدد كما ظل ينادى بذلك، ولكن تلك الأمنيات تواجهها عقبات كثر، فبالاضافة للاجراءات الجوهرية المرتبطه بعمل مفوضية الانتخابات، فهناك قضية دارفور التى مازالت تراوح مكانها والتى يصعب اجراء الانتخابات بدونها، بالاضافة الى الايفاء بمستحقات الاتفاقيات الموقعه مع الجنوب والشرق والغرب.
لكن الاتصالات والتحركات التى تقوم بها مفوضية الانتخابات لتهيئة المسرح السياسي للانتخابات، يبدو أنها تجد من يساندها وسط القوى السياسيه خاصة المتوالية مع المؤتمر الوطنى فيما يعرف بأحزاب «حكومة الوحدة الوطنية» التى دعت بعيد صدور مذكرة توقيف البشير من لاهاى لإجراء الانتخابات في موعدها وانتخاب البشير رئيسا كرد على المحكمة الجنائية، وبعيداً عن المتوالين مع المؤتمر الوطنى في حكومة الوحدة الوطنية، فإن قوى ما يسمي بأحزاب المعارضه تدعو لإجراء الانتخابات في موعدها مع تحفظاتها التى تبديها حول معوقات اجراء التحول الديمقراطي في البلاد والمتمثله في القوانين المقيده للحريات «الأمن الصحافه الجنائي» بالاضافة الى التحديات السياسيه المتمثلة في توفر الرغبة لدى شريكي نيفاشا «المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية» لإجراء الانتخابات في موعدها، ويبدو ان هذه القوى لا تمانع من اجرائها في موعدها اذا توفرت لها الضمانات القانونية والسياسيه، حيث قررت أول أمس وبحسب اخبار صحافيه، خوض انتخابات المحليات بالخرطوم بتنسيق مشترك، كما شكلت لجنة من كافة الأحزاب المنضوية تحت «تحالف قوي المعارضه» وعلى راسها الأمه القومى والشيوعي والاتحادى مرجعيات والشعبي، لوضع تصور حول انجع السبل لخوض الانتخابات بجبهة موحده، وقال عضو التحالف يحيي حسين لـ»الصحافه» ان اجتماع المعارضه أول أمس اصدر قرارا بالمشاركة في الانتخابات المحلية بالخرطوم وكون لجنة من مندوبي جميع احزاب التحالف لدراسة كيفية خوض الانتخابات ووضع تصور لتلك العملية، وإن كان التحالف سيدخل تلك الانتخابات بجسم واحد ام عبر تنسيق فقط». ولكن وعلى عكس ما مضت مفوضية الانتخابات بالتمسك بإجرائها في موعدها المحدد «يوليو» كانت الحركة الشعبية قد مضت في اتجاه مغاير لذلك حينما دعت في سبتمبر الماضي وعلى لسان وزير رئاسة حكومتها الدكتور لوكا بيونق لتأجيل الانتخابات لصعوبة اجرائها في فصل الخريف، لأن هناك عثرات إجرائية تعترض قيامها في موعدها.
ويبدو ان جميع القوى السياسيه قد بدأت تضع تصوراتها للانتخابات المقبله، بوضع الخارطه الانتخابية لها وبحث تحالفاتها المشتركه لخوض الانتخابات المقبله، فقد بحث لقاء مشترك جمع بين السيد محمد عثمان الميرغني والاستاذ احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطنى جرى اول أمس بدار ابوجلابيه ترتيبات اجراء الانتخابات والقضايا الوطنية الراهنة.
اثنا عشر اسبوعاً تبقت على بدأ الموعد المضروب لإجراء الانتخابات بحسب ما اعلنت مفوضية الانتخابات، والمسرح السياسي تتجاذبه تقاطعات خارجية وداخلية، ومازالت كثير من استحقاقات التحول الديمقراطي تراود مكانها وتنتظر ضمن قضايا أخرى الايفاء بها، فهل تنجح مفوضية الانتخابات في الايفاء بوعدها وإجراء انتخابات حره ونزيهة، أم أنها ستكرر سيناريو تجارب شبيهة وتفتح الباب لمزيد من التعقيد في المشهد السياسي.
خالد البلوله ازيرق :الصحافة