الطاهر ساتي

الحي 13

‫ ‫‫الحي 13
** (الحي 13) .. جردته حكومة باريس من الخدمات وكل وسائل التنمية البشرية، وعزلته عن بقية أحياء فرنسا بالجدار الخرصاني والأسلاك الشائكة والمزودة بالتيار الكهربائي..وعند مدخل الحي ، تقف دورية الشرطة ذات العدة والعتاد لتراجع أوراق دخول وخروج المارة والسيارة..فالداخل إلى هذا الحي يُعد مفقوداً إلى أن يخرج، وإن خرج يُعد مولوداً.. يضج بالمخدرات، الرذيلة، السلاح، الخمور، الإغتصاب، ولم يكن فيه من القوانين غير قانون المافيا..فكرت مراكز قوى بالحكومة في التخلص من (الحي 13)، فسربت قنبلة زمنية – ذات عد تنزالي فترته ثلاث ساعة – إلى المافيا لتفجرها في الحي وتقضي على كثافته السكانية المقدرة ب ( 2 مليون نسمة)، وبهذا تكون قد وفرت حكومة باريس ميزانية حماية أحياء باريس من مخاطر (الحي 13)..!!

** ولكن، شاء القدر أن يكشف أحد شباب الحي – بالتعاون مع شرطي مخلص – الجريمة التي كادت ترتكبها مراكز القوى في ( أهل الحي)..وتعاون الشاب والشرطي – ببسالة – في إنقاذ الحي وأهله من الفناء بتعطيل القنبلة قبل الإنفجار بثوان، وتقديم النافذين بتلك المراكز إلى العدالة..ثم تعاونا في إلزام حكومة باريس بتنمية الحي – بشرياً وخدمياً – إلى أن صار حياً راقياً كما أحياء باريس، بلا جرائم أو(جدار عازل)..(الحي 13)، من روائع السينما الفرنسية التي تعكس صراع الخير والشر بسلاسة..ومن تفاصيل مشاهد هذا الفيلم، وكذلك من وقائع حال بعض أحياء هذا السودان، تستلهم أن الغبائن هي التي تفرخ الجرائم في المجتمع، وأن نهج عزل الأحياء والمجتمعات الفقيرة عن الأحياء والمجتمعات الأخرى نوع من ( إنتاج وتصدير الجرائم) ..!!

** وما لم يعد مخفياً – بحيث تطفح جرائمها يومياً على صفحات الصحف- هو أن أحياء بعاصمة البلد وأخرى بعواصم الولايات لم تعد تختلف كثيراً عن ( الحي 13)، من حيث العزل المنتج والمصدر للجرائم..فالعزل ليس بالجدار ولا بالأسلاك، بل بتهميشها وعدم تخطيطها – جغرافياً وتنموياً – ثم بتجفيفها من الخدمات..على سبيل المثال، حي فقير جداً وبكثافة سكانية عالية بالخرطوم بحري – يجاور أثرى أحياء الخرطوم بحري ذاتها – بمثابة ( الحي 13)..معزول بالتهميش وعدم التخطيط الجغرافي والتنموي، ولذلك ينتج ويصدر حاجة سكارى العاصمة من الخمور، وكذلك حاجة حياراها من المخدرات، ويكاد أن يحقق لاأفارقة والعرب الإكتفاء الذاتي من (هذه وتلك)..وأحياء أخرى – بذات المواصفة – بالخرطوم، و كذلك بأمدرمان، هي التي تصلح بأن تسمى (الحي 13)..والعامل المشترك بين هذه الأحياء الفقيرة – والضاجة بالتخلف والجريمة – هو (جدار التهميش العازل) و (أسلاك عدم التخطيط الجغرافي والتنموي)..!!

** ليست بالشرطة وحدها تكافح الأنظمة حوادث وجرائم ( الحي 13)، بل بالتنمية البشرية التي تتكئ على قواعد (التخطيط الجيد) و( التنفيذ الأجود)..كيف حال مساكنهم، وكيف يجب أن يكون؟..كيف حالتهم الصحية، وكيف يجب أن تكون؟..كيف وضعهم الإقتصادي، وكيف يمكن تحسينه بحيث لاتكون أثمان الخمر و الرذيلة مصدر( قوت يومهم) ؟..كم نسبة تسرب تلاميذهم من مدارس الأساس (إن وجدت)، وكيف يجب تقزيم النسبة بحيث لايرث الأبناء شقاء الأباء والأمهات ؟..وماذا يفعل الفراغ بشبابهم في الليالي المظلمة، وأليست الإنارة وأندية المشاهدة وملاعب الرياضة خير من فراغ الظلام؟..و..و..المهم، بقليل جهد تبذله في الأحياء الفقيرة وبقليل مال تنفقه في تنمية سكانها وتحسين حالهم، تقي الأنظمة الراشدة مجتمعها من المخاطر، وكذلك تقزم بنود الصرف على السجون ودوريات الشرطة و غيرها من وسائل التخدير المسماة علاجاً..فالوقاية خير من التخدير و العلاج يا ( ولاة ووزراء)..علمأً أن جدار التهميش الذي يعزل ( الحي 13 ) في أي زمان ومكان، عن الأحياء الأخرى ليس بوقاية ولا علاج، بل هذا الجدار هو ( الفيروس) ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]