د. عبدالوهاب الأفندي : الجريمة والعقاب في الشأن السوداني .. البشير بين خيار سوار الدهب ومصير النميري
وفي ظاهر الأمر، فإن المشهد يمثل تعزيزاً لمبادئ الحوار، لأننا نشهد هنا تدافع وتعددية المواقف، خاصة في ظل مطالبة الدكتورة عبدالمحمود باحترام هذا التباين في المواقف وعدم الإساءة لطرف مشارك. ولكن في واقع الأمر فإن هذه الواقعة تجسد لب المعضلة في الحوار القائم. صحيح أن معظم القوى السياسية، بما فيها حزب المهدي، شاركت في نظام النميري بدرجات متفاوتة. ولكن ليست هذه هي المسألة، لأن المهدي على سبيل المثال شارك في النظام على أساس اتفاقية مصالحة كانت تفترض أن يتجه النظام نحو تحول ديمقراطي لم يتم الوفاء به. وهناك آخرون، وعلى رأسهم فصائل اليسار بقيادة الحزب الشيوعي، شاركوا على أساس عقائدي في ثورة مايو، ومشكلتهم الحالية أنهم، كما هو الحال مع فصيل الشيخ الترابي في الحركة الإسلامية، ما يزالون في حالة إنكار حول ذلك الدور.
ولكن هناك فرقا بين من شارك في نظام دكتاتوري ثم تراجع، حتى وهو في حالة إنكار أو اعتراف، وبين من لا يزال يدافع عن نظام أقصى كل خصومه وظل على تلك الحال حتى انهار. بل هناك خلاف بين من بقي مع النظام حتى النهاية ثم تاب أو تظاهر بالتوبة بعد ذلك، وبين لم يتظاهر مجرد التظاهر بالتوبة عن إقصاء كل القوى السياسية الأخرى. فكيف يحق لمجموعة كهذه أن تجلس حول مائدة تناقش المشاركة، وهي لم تقبل بها وهي في السلطة، ولم تعتذر أو تتراجع عن هذا الموقف؟
وينطبق هذا الحال بصورة أدق على الوضع الحالي، مع فارق مهم، وهو أن النظام الحالي قبل بالمشاركة جزئياً منذ عام 1998، وبصورة أوسع بعد اتفاقية السلام الشامل عام 2005. ولكنه تحايل وما يزال على هذا القبول، كما ظهر في إدارته لانتخابات عام 2010 التي أقصت الجميع عملياً. وقد ظهر الإقصاء الفعلي كذلك في عدم الالتزام بالدستور الحالي الذي يتيح حرية التعبير والتنظيم، ولا يعطي الأجهزة الأمنية أي سلطات للاعتقال أو التوقيف، ناهيك عن مصادرة الصحف بل والتحكم في ما تنشر وحتى في من يتولى تحريرها وإدارتها والعمل فيها.
وقد اتخذت الحكومة خطوات جزئية نحو معالجة القضية عبر التعهد بإتاحة قدر أكبر من الحريات لتهيئة الجو للحوار. ولكن هذه ليست نهاية الأمر، لأن الغاية من الحوار هي ألا تكون الحرية بيد أي جهة حتى تمنحها أو تمنعها، وإنما متاحة للجميع في كل وقت، وبدون واسطة. وهذا يعني ان تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة تنتج عنها حكومة منتخبة تعكس الاختيار الشعبي الحر. ولكن هذا بدوره يطرح سؤال ما ستفرزه الانتخابات الحرة في وضع مثل السودان يعاني من التمزق والتشرذم، ولا توجد ضمانة لأن يبرز عبرها تحالف مستقر يجنب البلاد المزيد من التمزق والاحترام وتصفية الحسابات. ولهذا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد وغير قليل من التفكير الخلاق حتى يتحقق التحول المطلوب.
وفي السجال الدائر حالياً هناك خلط بين التحديات الواقعية المطلوب التصدي لها، وأبرزها تأمين التوافق على مخرج سلمي من الأزمة الحالية، والمطالب المثالية بتحقيق العدالة الكاملة، ومعاقبة مرتكبي التجاوزات، وتنصيب حكومة منتخبة مدعومة من غالبية الشعب، وخالية تماماً من كل مرتكبي الجرائم. ولكن دون ذلك مصاعب كثيرة، أولها أنه لا توجد اليوم فئة في السودان لم تتلوث أيديها بدماء السودانيين ونهب حقوقهم. وكنت قد علقت في مداخلة سابقة أثناء الفترة الانتقالية أن مجلس الوزراء السوداني المشكل وقتها من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وحلفائهما هو أكبر تجمع لمجرمي الحرب في العالم.
وهناك كشف حساب طويل ينتظر معظم مكونات الطبقة السياسية السودانية، لأن من سلمت يداه لم يسلم لسانه. وجرائم الحكومة معلومة وقد سارت بها الركبان، ولكن مناوئيها من المجموعات المسلحة لم تسلم أيديهم من دماء الأبرياء، وعدوان ونهب واغتيالات، وقطع أرزاق وحبس الإغاثة عن الملهوف والمحصور، وغير ذلك مما علمه عند الله تعالى. ومن لم يشارك مباشرة شارك بالوكالة، مؤيداً بلسانه، أو عضواً في جماعة أو تجمع أو تحالف ساند مرتكبي الكبائر. ولم يعلن إلا القلة توبتهم من ذلك الإثم، فضلاً عن إدانة مرتكبي الكبائر. وكثير من الفئات مثل بعض الفصائل الدارفورية، كسبت الحسنيين: فارتكبت كبائر في حق الأبرياء، ثم توافقت مع الحكومة فتواطأت معها في سيىء أفعالها، ثم عاد بعضها إلى ارتكاب الكبائر أصالة عن نفسه، وهكذا في حلقة مفرغة.
وقد يكون أحد الحلول أن يظهر المهدي المنتظر، فيميز الخبيث من الطيب، ويقضي على المجرمين ويمكن للصالحين، ولكن هذه مسألة ليست بأيدينا ولا بأيدي مؤتمرات الحوار. ودون ذلك أن يعلن المجرمون توبتهم ويسلموا أنفسهم للسلطات المختصة حتى يقول القضاء فيهم حكمه. ولو كنت مكان مسؤولي النظام اليوم، من رئيسهم فما دونه، لسارعت بتسليم نفسي لأقرب قاضٍ توبة لله، لأن ذلك أهون بكثير من أن يقف المرء يوم القيامة أمام الله تعالى خصماً لآلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين ممن قضوا قتلاً أو جوعاً بما كسبت أيدينا.
لقد قيل الكثير مثلاً عن الجرائم التي ارتكبت في دارفور، ولكن حادثة واحدة استوقفتني عن راوية ثقة، مفادها أن ميليشيات مدعومة من الجيش هجمت على قرية فخرج من مسجدها مجموعة من الصبية كانوا مشغولين بحفظ القرآن قبل الهجوم، وبأيديهم الألواح التي ينسخون فيها ما يحفظون، فلم ينجهم ذلك من الفتك بهم. فمن يا ترى يسره أن يقف أمام الله تعالى يوم سؤاله هؤلاء بأي ذنب قتلوا؟ أليس من الأفضل للمسؤول عن مثل هذه الجريمة أن يقتل ألف مرة في هذه الحياة الدنيا من أن يقف هذا الموقف؟
مهما يكن، فإن هذا الأمر ليس بأيدينا كذلك، فالتوبة من الله تعالى. وأضعف الإيمان هو أن يعترف كل من قارف إثماً في حق الناس بذنبه على الملأ، وأن يطلب من ضحاياه الصفح، وأن تنصب لذلك لجان للمصارحة والمصالحة. وليس من المفيد أن يتصالح الناس على الإنكار وطمس الحقائق أو التعامي عنها، لأن أضعف الإيمان هو إنكار المنكر، والتعاهد على ألا تتكرر الجرائم.
وهذا يعيدنا إلى لب القضية، وهي شكل الانتقال المطلوب، وأضعف الإيمان فيه ألا يكون استمراراً لوضع الإقصاء، مع استمرار من تبنى الإقصاء على الإنكار والتبرير كما ظل بعض أتباع النميري يفعلون. ولا بد كذلك من ضمانات ديمقراطية ضد استخدام أجهزة الدولة مجدداً، وخاصة القضاء والقوات النظامية والمال العام كأدوات سياسية في يد الأحزاب والقوى السياسية لتصفية حساباتها، وأن تحصن هذه المؤسسات ضد أي تدخل خارج نطاق القانون ومبادئ الحياد.
ويدخل في هذا ألا تكون هناك صفقات سياسية لتقاسم المناصب والوظائف، وأن يكون تولي المناصب السياسية بالانتخاب، وتولي المناصب الإدارية بالأهلية والكفاءة.
ولكن هذا كله يتوقف على قرار سياسي من قيادة النظام الحالي. فأمام الرئيس البشير خياران، أن يتبع منهج الفريق عبدالرحمن سوار الدهب، الذي سلم السلطة لحكومة منتخبة بعد عام واحد من تسلمه لها، فكسب حمد الأولين والآخرين، أو يستمر على نهج سلفه النميري، الذي لم يسلمها إلا كارهاً. وبالطبع هنالك فوارق مهمة، لأن سوار الدهب، مد الله في أيامه، لم يرتكب في عهده كبائر، ولم يستخدم القهر للبقاء في السلطة، بل بالعكس رفض مقترحات بتمديد الفترة الانتقالية عامين آخرين كما طالبته بذلك قوى سياسية عديدة. ولكن هذا لا ينفي لو أن البشير اتخذ خياراً استراتيجياً بنقل السلطة وإرساء أسس دولة القانون فإن مكانته في التاريخ السوداني قد تتغير بصورة جذرية.
المطلوب إذن هو مثالية-واقعية، تكون غايتها القريبة تحولاً سلمياً باتجاه نظام مستقر، تحيد فيه مؤسسات الدولة بين القوى السياسية المتصارعة، وتكون غايته تطهير الدولة من عناصر الأجرام وإقرار أسس العدالة بعيداً عن النزعات الانتقامية، وأيضاً عن النزعات التطهرية التي علمنا التاريخ أنها أقرب الذرائع لارتكاب أبشع الجرائم تحت ستار أيديولوجي، كما كان حال النظام الحالي ونظام مايو في حقبته الثورية اليسارية. فلا حاجة للبلاد بالعودة إلى ذلك النفق المظلم تحت أي ذريعة، حتى لو كانت العدالة.
إذن نحن في حاجة ابتداءً إلى قرار شجاع من النظام بقبول رد الأمر إلى الشعب، ولكن هناك حاجة إلى كذلك إلى تفكير استراتيجي لضمان ألا يؤدي التحول إلى تشرذم وتفكك سياسي تنتج عنه صوملة سلمية تهدد الاستقرار كما شهدنا في فترات ديمقراطية سابقة (وحتى شبه ديمقراطية، كما كان الحال في دارفور في مطلع الثمانينات والجنوب في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وكذلك حالياً). وهذا يعني أن هناك حاجة، فوق الحوار، إلى تفكير عميق وخلاق، ومساهمات من قبل المفكرين والأكاديميين والخبراء في طرح الصيغ واستقاء الدروس من التجارب السابقة.
القدس العربي
عبد الوهاب الأفندي
كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
[SIZE=6]منظر من عاصمة الضباب .. خلاص نسيت نفسك بانك كنت احد العاملين بسفارات النظام .. ياجماعة احترموا هذا الشعب الابي . [/SIZE]
كلام سليم جدا ومعقول وانسب الحلول ونتمنى تحقيق ذلك
دخل الدكتور الأفندي في تناقضات أوضحه ، فهو يقول بان لا جهة يديها غير ملطخة بالدماء وفي نفس الوقت يقوم بتسليم الحكومة وتنازل البشير فلو الكل غير سليم فمن يسلم من ، التناقض الثاني يقول بحكوه ديمقراطيه وكان الانتخابات الا خيره غير منتخبه ديمقراطيا وان حكومات افريقيا كفرق الكوره غير مبراء من تهم الحكام ، ثالثا قال الأفندي سوار الذهب مثال وتناسي ان سوار الذهب هو من رشح البشير وبالتالي هذا يشفع للبشيز لان مثال الأفندي سوار الذهب هو وكيل البشير في الديمقراطية الاخيرة ، علي الأفندي ان كان سليم فالي أتي للترشيح وإلا فالي سلم نفسه
د. الأفندي عبارة عن منظراتي درجة أولى ، محاضر في جامعة ويستمنستر في لندن، وعينك ما تشوف إلا النور : نظرية وراء نظرية .
يا د. افندي الواقع المعقد في السودان يختلف تماماً عن الوضع المثالي عندك في ويستمنستر، فارحمنا من تنظيرك الله يرحم والديك.
[SIZE=7][FONT=Arial Narrow]كل من يدعى كاتب يكتب يحلل ويجرم على كيفو الواحد فيهم شاطر فى الكلام الانشائ بس فى حاجه اسمهما حريه مطلقه ؟ والله شبعنا من الكلام الكتير بتاعكم دا اللى لا بقدم ولا باخر والمصالح الشخصيه بتاعتكم دى [/FONT][/SIZE]
غبنك طال يا الأفندي :
-عبدالوهاب الأفندي يحمل مررات الإقصاء والإبعاد من غنائم مناصب الإنقاذ فلن يرضيه شىء إلا فنائها وإنكسار قادتها.
-عبدالوهاب الأفندي يأخذ ما يقرأ في الكتب ليطبقه على واقع السودان وما درى المسكين ان واقع السودان وقضاياه ومصالح بلاد العالم في هذه السودان مع تناقضاتها اكبر من ان تسعها تنظيرات المدرسين من امثاله.
-فتن الافندي بالنظم الغربية وكأن الفكر توقف عندها فقط.. فلا يستقيم ان تنكر كل جهد واجتهاد الناس ان لم يؤسسوا ديمقراطية الإنجليز في بلادهم حسب امانيك يا شيخنا الأفندي.
– سيعبر السودان الى بر امن وسيخيب تحليلك دوما كما في حال سابقاته يا السيد الةفندي.
كل ما قلته صحيح الاستاذ الافندي ولكن البشير لن يضمن خروج آمن وهو مطلوب للجنائية وليس هناك جهة داخل السودان تضمن له الآمان سوى أن يستمر رئيساً وقائدا عاماً للقوات المسلحة الى حين تجهيز العنقريب ابو اربع أرجل ومن فوقه البرش بعدها اما الجنة واما النار وتلك بيد الله ولكن ما هو أكيد حساب يوم القيامة وفي ذلك اليوم سيحاسب على كل نفس أزهقت ظلماً أو جوعاً طيلة فترة حكمه وهي حقيقة هو يعلمها وليس في حاجة لتذكيره بها اما نحن الشعب السوداني فالاسلاميون جعلونا نرى كل الاشياء باللون الرمادي وكما قلت ليس لنا مخرج الا بالمهدي المنتظر فاللهم عجٍل به
[SIZE=5][B]والله يا الأفندي لو سكت افضل وانت نفسك janc[/B][/SIZE]
اولا ينبغي ان يعترف النظام والذين جاؤا به وعلى رأسهم مهندس الانقلاب والذي اعترف بكذبته مراراً وتكراراً وأعني بذلك من سماه الأفندي الشيخ وأي شيخ يكذب ؟ شيخ عليك انت يا افندي وبس . فشل مشروع الانقاذ وتبخرت كل الخطط دا ان وجدت أصلا خطط غير التمكين و إقصاء الاخر وإحباط كل تطلعات الشعب والذي لسوء ادارة الازمة أصبح اما مشردا او مهجرا وتمكن كوادر الجبهة الاسلامية من سلب ونهب جميع موارد البلد الجريح فدار فور ماعرفت هذا التشرزم والخروج المسلح المنظم الا في عهد الإنقاذ او بعيد الاختلاف على السلطة بين جناحي الجبهة (شعبي+وطني) والكوادر التي تتخندق في لندن وامريكا هم ابناء الشيخ من امثال الافندي وصديق عثمان خريج قانون الخرطوم واحمد حسين ادم مدير مكتب السنوسي . كل النخب التي ساهمت في خلق هذا الوضع المأزوم ينبغي محاسبتهم بنص القانون فإما هم بريئون إما مذنبون مكانهم السجون كما رضوا بسجن هذا الشعب الجائع- المريض- المشرد المهجر قسرا . ردوا للشعب السوداني ليحكم نفسه فأنتم تنقصكم الأهلية بعد هذه 25 سنه نقول حسبنا الله عليكم