رأي ومقالات

اسحق احمد فضل الله : خذ رأسي واعطنـي القبعة

.. والناس كانوا يومئذٍ يشترون صحيفة «الأيام» ويتجهون مباشرة إلى كاريكاتير عز الدين وينفجرون بالضحك.
{ والسياسة كانت ملاكمة ممتعة بين السياسيين.
{ والناس يضحكون على الصراع السياسي يومئذٍ، لأن القطن كان يباع ووردي يغني.. وهلال مريخ كل أسبوع و..
{ وفي الكاريكاتير أزهري يحمل كرباجاً ويقف خلف باب مكتبه وهو يقول لسكرتيره:
دَخِل النواب المعترضين .. واحد.. واحد.
{ وفي الكاريكاتير أزهري الذي يحل الجمعية التأسيسية ويطرد الصادق.. ينظر من النافذة إلى الصادق.
{ والصادق يضرب طبلاً معلقاً في عنقه وهو يصرخ
: أبو الزهور خرق الدستور.
{ وفي الكاريكاتير.. الصادق المهدي ــ الملاكم الذي يجلس في زاوية من حلقة الملاكمة ــ يصرح للصحافيين يقول:
.. الدورة دي.. بعد ما رجع المدرب بتاعي.. راح أنتصر بالقاضية.
{ كان الهادي المهدي يعود بعد أن انشق عن الصادق بنصف الحزب.
{ ومشكلات «العيش» كانت هينة.. وفي الكاريكاتير بائعة الكسرة ــ التي يهجرها الناس ويتجهون إلى مخابز الرغيف ــ تنظر إلى المخبز وهي تقول
: باكر يجي الخريف.. واللواري تقيف.. وينعدم الرغيف.. ويكترن علينا التعاريف.. قادر الله
{ كانت الحياة هي هذه.
{ وكان الصراع السياسي شيئاً بين السياسيين لا يبدل من الحياة شيئاً.
{ لكن الأمر الآن يختلف.. يختلف.
{ يختلف لأن الصراع يصبح الآن شيئاً بين «وجود السودان.. أو ذهابه».
{ والجملة هذه التي تبدو بعيدة، تجعلها مشاهد الصومال وغيره قريبة.
«2»
{ بعد الستينيات مباشرة يبدأ الصراع العنيف بين السياسيين من هنا، والصراع العنيف بين السودان والتدخل الخارجي في السودان من هناك.
{ أيام النميري يبدأ الصراع الدموي.
{ والتدخل العالمي.. الذي كان حتى يومئذٍ يغطي وجهه.. يجعل القذافي يختطف الطائرة التي تحمل حكومة الشيوعيين ــ قادمة للحكم بعد انقلاب هاشم العطا.
{ قبلها كانت السعودية تسقط طائرة البعثيين «وفد البعث العراقي قادماً لتثبيت أقدام انقلاب النميري الشيوعي».
{ والتدخل الأجنبي في السياسة السودانية ثابت دائم في الزمان كله.
{ وصحيفة تحمل صورة فوتغرافية للمفتش الإنجليزي في الأربعينيات وهو في طابور الجيش يصافح عبد اللَّه خليل الذي يقف على يساره إبراهيم عبود.
{ وعبد اللَّه خليل تقول الروايات.. إنه يقفز إلى السلطة بعد «مشاورات مصرية» في أديس أبابا.
{ وعبود له حكاية مماثلة.. وأصابع خارجية.
{ والتدخل الخارجي الذي كان ينطلق لصالح جهة ضد الآخرين في السودان يذهب إلى وجه آخر الآن وهدف آخر.
{ التدخل الآن يصبح شيئاً يجعل السودان دولة تديرها أمريكا وبريطانيا والسويد وكينيا ونيجيريا وأديس أبابا و..
{ هذه هي أماكن المفاوضات.
{ والمفاوضات.. مع التمرد الذي تخلقه الدول هذه لإدارة السودان ..المفاوضات هذه تديرها الدول هذه.
{ والتدخل هذا الذي يبدو وكأنه يقف مع التمرد ضد الوطني.. هو في حقيقته عمل ضد السودان كله.

«3»

{ واللقطة الفوتغراغية الثابتة تجعل العين تبصر ما لا تبصره وهي تشاهد ألف لقطة تنطق في فيلم سينمائي.
{ واللقطة الثابتة التي ترسم التحولات هي
: متى ظهرت كل شخصية من الشخصيات التي تدير السودان اليوم؟
{ الشخصيات هذه بدأية ظهور كل واحدة منها يصبح إشارة لبدأية مرحلة.
{ الترابي يظهر بعد ندوة أكتوبر «1964م».
{ وعلي عثمان يظهر وصحيفة «الأيام» تطلق صورة له والسيد يسن عمر الإمام يقدمه للنميري.
{ والبشير يظهر بعد معركة «ميوم» أول معركة تنتصر فيها القوات المسلحة بعد سلسلة موجعة من الهزائم.
{ وقرنق يظهر بعد هروبه عام 83م.
{ والصادق يظهر بعد زعامته تحت برلمان الشجرة
{…. و…
{الشخصيات تولد وكأنها تعد لزمان جديد ومرحلة جديدة.
{ ولما كان المجاهدون يقتحمون معسكرات قرنق كانوا يجدون، مواد الدعم الهائل هناك.. عند جنود قرنق ــ وهي تحمل أعلام دول عربية.
{ وأعلام أمريكا والسويد و.. ومرحلة جديدة من التحول.
{ ولما ينهزم قرنق تذهب الجهات هذه لصناعة تمرد دارفور.
{ وعام 2006م نكتب عن «أربعة عشر قمراً من أقمار التجسس تخصصها أمريكا لدارفور».
{ في اليوم ذاته كان وفد دولة أجنبية يجلس في قاعة المفاوضات.. ومقعد فارغ بين مقاعد وفد حركة التمرد.
{ وفي اللحظة التالية.. شخصية من أعضاء الوفد الحكومي يترك مقعده هنا ويجلس على المقعد الفارغ بين صفوف وفد التمرد.
{ في اليوم ذاته كان ممثل الأمم المتحدة في الخرطوم حين تسأله إحدى الصحفيات عما قاله الأستاذ علي عثمان من أن الدولة تدفع نصف احتياجات دارفور يقول مباشرة إن
: السيد نائب الرئيس يكذب!!
{ هذا يقوله مندوب الأمم المتحدة من مكتبه في الخرطوم.
{ .. هذا وهذا.. والأحزاب تنظر مثل الضأن، لأن الأحزاب تعتقد أن التدخل الخارجي يذهب لدعمها هي ضد الحزب الآخر.
{ بينما الأمر الآن هو
.. استخدام كل شيء .. حتى بَلَه الأحزاب.. لهدم السودان
{ ولعلك تلاحظ أن الحديث عن خطاب الرئيس والحوار «يخنق» فجأة..
{ .. لماذا؟
{ للأسباب أعلاه.. وللمرحلة الجديدة.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

‫4 تعليقات

  1. ومن السبب ؟؟
    المخابرات الأجنبية أم أبناء الوطن ؟؟
    من الذي يردد عبارة ((ألحسوا كوعكم)) لأبناء وطنه ليرسي نهج جديد من ((قلة الأدب السياسية))
    من الذي قال وسط الجماهير ((نحن قلعنا الحكم بالقوة الدايره يرجعه بالقوة)) ليشرع لثقافة القوة والقتل بديلة لثقافة الحوار ؟؟
    من هم اللذين يحسمون الحوار السياسي في الجامعات بالسيخ والمطاوي والسكاكين ؟؟

    العالم تدخل في شأننا الداخلي لأننا مزقنا نسيج الوطن .. أصبح هناك من يبيع وطنه حين قتلنا الوطنية في نفوس الناس .. فمن الذي فصل أفراد الشعب الواحد إلى طبقات يحق لطبقة واحدة منها التوظيف والعيش الكريم ؟؟

    السودان كان وطنا قارة .. بإختلاف لهجاته وسحنات أبناءه .. حرب الجنوب لم تكن يوما حربا عرقية .. ولم يتجرأ مسئول سوداني يوما ليقول أنها حرب دينية أو عرقية .. فمن حولها لذلك ووعد من يقتل سودانيا من الخصم بالشهادة والجنة والزواج من الحور العين ليساق المغرر بهم إلى المحارق ؟؟

    من الذي دول قضايا الوطن إلى أديس وأسمرا والدوحة وانجمينا .. من الذي زرع الغبائن في كل مكان وكل جهة .. من الذي أكسبنا عداوات الأمم .. بين دول ((دنا عذابها)) ودول عربية شقيقة طالتها شتائم غراب الشؤم ((يونس محمود))

    طالما انك تحدثت عن ما نعانيه .. هل تجرؤ أن تناقش من المتسبب .. حتى لو أستخدمت في ذلك سياستك المعتادة في الكذب وتضليل الناس ؟؟

  2. سلام عليكم
    معلومات جميلة … والأجمل إنه الكاتب على طريق يتفق معي فيما أردده دائما حول دور المؤسستين الثقافيتين الضخمتين الرياديتين (الكلية الحربية وجامعة الخرطوم) … عفوا…

  3. لا اعتراض لحكم الله..
    ولكن لماذا سود الله وجه اسحق ووجه علي عثمان..
    حكمنك يا رب