شرطة دينية
لا شك أن السلطات الأمنية في العاصمة خاصة وفي البلاد عامة قد تنفست الصعداء وحمدت كما حمدنا الله أن احتفالات المولد النبوي الشريف قد مرت بسلام، فقد كان متوقعا أن يحدث فيها احتكاك بين الصوفية وأنصار السنة لا يعلم أحد تطوراته كما حدث في المولد السابق في أم درمان وكما حدث قبل أيام في ضريح الشيخ حمد النيل بأم درمان وكما حدث قبل أشهر بأم عشوش في شمال كردفان، الأمر الذي دعا السلطات المسؤولة للقيام بعمل تفاوضي واستعدادات أمنية كبيرة وواضحة للعيان.
في زمن قريب مضى كانت احتفالات المولد في السودان عامة وفي العاصمة على وجه التحديد أيام بهجة ورفاهية حيث يتجول الناس زرافات ووحدانا نساء ورجالا صغارا وكبارا في خيام المولد، والحلويات السمسمية أشكال ألوان معروضة في أرفف المحلات بصورة بديعة وألعاب التسالي منتشرة والأطعمة والأشربة الخاصة عند الطلب، كانت ليالي المولد موسم تسوق أما من ناحية دينية فـ(هنا حلقة شيخ يرجحن يضرب النوبة ضربا فتئن وترن وهي ترفض هديرا او تجن)، وهكذا تمضي اللوحة التي رسمها شاعرنا الراحل العظيم محمد المهدي المجذوب، أما مالم يشهده شاعرنا قبل رحيله أنه إلى جانب حلقات الذكر كانت خيام أنصار السنة منتشرة في ميادين المولد وهي تطرح مشروعا بديلا للاحتفالات بالمولد دون أن تكفر أصحاب الطارات والنوبات. من كان يصدق أن يمر على البلاد يوم تتحول فيه تلك الايام التي تشع منها الأنوار والطمأنينة إلى مهدد أمني؟، “لا حول ولا قوة إلا بالله”، البلد دي الوقع فيها شنو ياكافي البلاء؟.
في الأخبار كذلك أن تنظيم القاعدة قد دشن له فرعا بجامعة الخرطوم وحتما هذا الخبر له ما بعده. في بداية ستينات القرن الماضي عندما رفع طالب الطب/ علي الحاج الأذان في جامعة الخرطوم كان ذلك حدثا دخل التاريخ لأنه تعملق وبسرعة وغير مسيرة الحياة السياسية في الجامعة إلى أن أصبحت الممول الأول لحركة الاخوان المسلمين بالكوادر النشطة في السودان، عليه يتوجب علينا ان ننتظر سنوات وليس عقود لتطور وسائل الاتصال لنجد جامعة الخرطوم الممول الاول لتنظيم القاعدة في السودان لأن جامعة الخرطوم قدوة للجامعات والجامعات قدوة للثانويات.
تنظيم القاعدة الذي دشن فرعه بجامعة الخرطوم إرهاصات وجوده كانت موجودة قبل ظهوره في الجامعة فهناك الأفغان السودانيين ضمن الأفغان العرب وكانوا متميزين، ويكفي أن ابن لادن اختار الإقامة في السودان في حقبة من حقب حياته، ومن هناك نقفز مباشرة لي مالي حيث ان الأخبار تقول إن السودانيين موجودون وبكثرة ضمن أنصار الدين الذين تحاربهم القوات الفرنسية والافريقية في شمال مالي اليوم، وغدا سوف نسمع بتنظيم الماليون الافارقة وسيكون للسودانيين بينهم سهما كبيرا (تطير عيشة السودان من افغان عرب إلى ماليين أفارقة).
الحياة الفكرية مثل الطبيعة لا تعرف الفراغ فإذا أنت تركت مؤسسات التربية وانصرفت للحكم والسوق ولم تقدم فيهما القدوة الحسنة يكون من الطبيعي ان يأتي غيرك ويملأ ذلك الفراغ, عندما تقول ان الليبرالية والتعددية الفكرية كفر بواح سوف يأتي من يكفرك لأنك حدت عن طريق (السلفية الجهادية)، وطالما ان الدولة اصبحت عينك التي ترى بها ويدك التي تبطش بها ورجلك التي تسعى بها، فحتما سوف تجد نفسك محتاج إلى “شرطة دينية” في سابقة ستكون الأولى من نوعها، و”لا حول ولا قوة إلا بالله”.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]