فلوس الأغنياء غير شكل؟
ما دخلت يوما معرضا للسيارات إلا ودخلت في ملاسنة حادة أو غير منفرجة، مع العاملين فيه، لأن العاملين في معظمها لا «يعبروني» .. أعرف ان العمل في معارض السيارات مرهق، وأن البائع يمشي يوميا قرابة 5 كيلومترات داخل صالة محدودة المساحة متنقلا من موقع الى آخر، كما أعرف أن 90% من الذين يدخلون معارض السيارات لا يشترون السيارات التي يجمعون معلومات عنها .. ما يغيظني عندما يتجاهلني مسؤولو المبيعات في معارض السيارات هو أنني لست من النوع الذي «يأخد فكرة ويشتري بكرة»، فلأنني أكره التسوق فإنني لا أدخل معارض السيارات لـ«تكوين فكرة» كما يفعل غالبية الناس، بل لأنني أكون قد قررت سلفا شراء نوعية معينة من السيارات (ويكون ذلك غالبا لأن مكان عرضها قريب من بيتي، وحوله مواقف سيارات كافية)، وأدخل المعرض وأنا عازم على الشراء بأقل قدر من الملاججة والمحاججة.. ولكن أجد نفسي المرة تلو الأخرى أتفقد محتويات المعرض من دون ان أجد مسؤول مبيعات يوضح لي مزايا هذا الموديل أو ذاك، وينتهي الأمر بأن أقف في وسط الصالة واتهمهم بالجملة بأنهم بلا ضمائر ولا يعنيهم أن ترتفع المبيعات طالما ان صاحب الشأن ذو ضمير ويعطيهم رواتبهم كاملة بنهاية كل شهر.
في ذات هوجة لي في معرض سيارات في العاصمة القطرية الدوحة، كان احد الزبائن القطريين يبتسم بينما كنت أغلي من الغيظ، ثم اقترب مني واكتشفت أننا نعرف بعضنا جيدا، وقال لي إن ما قلته عن عدم اهتمام مسوؤلي البيع برفع معدل المبيعات غير صحيح لأن معظمهم يتلقى حوافز عندما يسجل مبيعات أعلى،.. ثم انتحى بي جانبا وأضاف: بدون زعل … الجماعة هاذول ينظرون إلى الزبون ويقررون من شكله ومظهره ما إذا كان «يستأهل التعب»، .. ويبدو أن شكلك لا يوحي بالقدرة على الشراء ومن ثم فإنهم يتجاهلونك.. حاول ان تأتي هنا مرة أخرى بكامل أناقتك وقف أمام أعلى السيارات المعروضة سعرا و«بعدين شوف» ما سيحصل.. عدت الى المعرض بعد نحو أسبوع مرتديا بدلة كاملة ومعي شنطة يد سامسونايت (محشوة بمقالات كتبتها في العصر الجيوراسي قبل اختراع قلم الحبر) .. ووقفت أمام سيارة سعرها نحو 80 الف دولار،.. ويا للسعادة.. جاءني مدير الصالة شخصيا، وسألته عن مواصفات السيارة، فقال فيها كلاما من النوع الذي يقوله المراهقون في نانسي عجرم: نظام جي بي إس.. وإيه بي إس، وما إلى ذلك من مصطلحات لم أسمع بها إلا فيما يتعلق بالأجهزة الطبية (إم. آر. آي، … إي سي جي.. سي تي سكان!!).. غيرت دفة الموضوع بلباقة تتماشى مع الأناقة المظهرية وقلت له: اعطني كتالوج السيارة كي أدرسه مع مدير مكتبي.. ولكن طالما «نحن فيها» خليني اشتري سيارة من نوع كذا (وهو النوع الذي كنت أرغب في شرائه)، عشان ? يا حرام ? السواق متضايق من السيارة الحالية موديل السنة الفائتة.. وخلال دقائق كنت قد فرغت من إجراءات شراء سيارتي وحصلت على خفض في السعر لأن شكلي كان يوحي بأنني زبون «في آي بي»، ولأن صاحبنا تيقن من أنني سأعود لأشتري السيارة أم 80 ألف دولار (وهو لا يدري أنه لو كنت أملك مثل ذلك المبلغ لعدت الى السودان سيرا على الأقدام).. والشاهد ايها القارئ: عندما تريد شراء شيء «تعنطز» واعمل حالك غنيان لأنه لا أحد يريد فلوس الإنسان الغلبان!!
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]