قصة قصيرة .. المتسول.. هل كان ينوي قتلي أم فقط سرقتي؟
ما أن رفعت ناظري حتى فوجئت به.. رجل مسن يحمل صندوقاً خشبياً فارغاً يرفعه فوق رأسه ويتمتم ببعض الكلمات.. مظهره كان مخيفاً للغاية.. ارتعدت مفاصلي لرؤيته وخيل لي أنه سيهوي بهذا الصندوق على رأسي ويأخذ مني مفتاح السيارة كما كان يتناهى دائماً إلى مسامعي عن حوادث من هذا القبيل فما كان مني إلا أن أغلقت النافذة والأبواب وانطلقت بسرعة الصاروخ من أمامه وأنا أنظر إليه بالمرآة وقد أنزل صندوقه الخشبي من فوق رأسه ووضعه جانباً وما زال يتمتم.
لم تهدأ أعصابي حتى تجاوزت أول إشارة مرور وعندها سمعت آذان المغرب فأسرعت كي لا أتأخر عن موعد الصلاة. صورته لم تغب من بالي.. ماذا كان يريد؟
هل كان ينوي قتلي أم فقط سرقتي؟
مظهره الرث الكئيب لا يوحي بذلك.. لكن هذه التحذيرات التي تملأ البلد عن حوادث السرقة والقتل المنتشرة منذ فترة قريبة ما هو مصدرها؟ لا يمكن أن تكون مجرد إشاعات.
لكنه رجل مسن.. فقير الحال.. لا يقوى على المشي فكيف سيضربني بهذا الصندوق؟ إذاً لماذا يرفعه عالياً إن لم يكن قصده الإجرام؟
وصلت بيتي وأنا لم أصل لأي إجابة عن كل تلك الأسئلة والتساؤلات.. رآني الجميع مكدرة تماماً.. سألني زوجي عن السبب فقصصت عليه الحكاية.. هدأ من روعي وقال إن تصرفي صحيح وحوادث السرقة والقتل منتشرة بكثرة هذه الأيام ولا أحد يمكنه أن يضمن نوايا أحد حتى لو كان رجلاً مسناً.
مع هذا ظل ضميري يؤنبني وبقيت الحكاية تلازمني كل الوقت فصرت أجوب ذلك الشارع والشوارع المحيطة به .. أذهب إليهم في ساعات متفرقة وحتى في بعض ساعات المساء .. كنت أرغب برؤيته.. كنت أريد التأكد من أنه مجرد متسول وليس قاتل أو سارق أو مجرم
ولكن عبث.
لقد أصبح هاجسي وبت أفكر فيه كثيراً وأفكر كيف يتركه أولاده لقمة سائغة للتشرد والتسول؟
ربما ليس لديه أولاد.. لكن أليس له أقارب؟
ربما ليس له أقارب .. أهل .. جيران .. لكن أليس له دولة ينتمي إليها؟
أليس هو مواطن منتمي لدولة يرفع علمها ويردد شعارها ( بلادي أولا) بمناسبة ودون مناسبة؟ ألا يدلي هذا المتسول بصوته في الانتخابات التشريعية والبلدية؟
ألا يمسك على طرف الدبكة في عيد الاستقلال؟ وكل هذا مقابل ماذا.. مقابل صندوق خشبي مهشم ويد ممدودة تدعو (حسنة لله)؟
حاصرتني الأسئلة وتأنيب الضمير وفظاعة ما قمت به تجاه هذا المتسول العجوز.. واستمريت على هذا الحال المضطرب شهور عدة حتى هلَّ علي شهر الخير والبركة شهر رمضان الفضيل فأخذت في ليلة القدر أدعو الله وألح عليه بالدعاء أن ألتقي هذا المتسول الذي أشغل فكري منذ مدة ليست بالبسيطة .. وظهرت لي صورته فشعرت بفظاعة ما عملت وتأنيب الضمير وأخذت أجهش في البكاء حتى اجتمعت عليَّ أسرتي وعرفوا أنها المشكلة ذاتها التي تؤرقني وتأثروا جداً لحالتي وبدأنا جميعاً بالدعاء لهذا المتسول الذي لا أعرفه ودعوت ربي أن أعثر عليه ونمت ليلتي ودموعي لا تفارقني.
بعد يوم أو أكثر لا أذكر بالضبط ذهبت إلى ذلك الشارع في طريقي إلى مكتب البريد.. هناك وجدته يجلس على درجات مكتب البريد يضع صندوقه الخشبي أسفل منه ويتمتم.. كما رأيته أول مرة.
هل فرحت في لقائه؟
لا أعلم.. ربما طرت من فرحتي..
ركضت إليه كأنني عثرت على ضالتي المنشودة.. ناولته قطعة من النقود .. أخذها وشكرني.. ودعا لي.. كنت أنظر إليه بفرحة كبيرة وقد ارتسمت الابتسامة العريضة على وجهي.. لكن هو لم يعرفني.. لم يذكرني.. أنا فقط من أذكره ولا يفارق خيالي أبداً..
لم أشأ أن أكلمه بأي شيء أو أستفسر منه عن أي شيء فأنا قد عرفت مكانه .. وسأراه في كل يوم.
عدت في اليوم التالي متفائلة جداً لأخوض معه وأسأله عما أرق فكري.. لكني لم أجده..
وفي اليوم الذي تلاه واليوم الذي بعده.. ولكني لم أجده.. بعد ذلك اليوم لم ألتقِة أبداً.
سافرت وقطعت من السنوات وهو لا يغيب عن بالي لا هو ولا سؤال واحد فقط من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني .. سؤال واحد يقض مضجعي.. أليس هو مواطن منتمي لدولة مسؤولة عنه.. إذاً لماذا لا يملك سوى صندوقه المهشم ويده الممدودة تدعو (حسنة لله)؟.
صحيفة الإنتباهة
ميساء البشيتي
ع.ش
هسه بالله دي قصه ؟؟؟
منظر طبيعي وكل يوم بمر علي الناس في الشوارع
ضموها لمنهج شفع الروضه يمكن يقتنعوا لنها قصه ؟