اللغز الأمريكي المحير !
وكانت ذروة هذه البراءة أن جوبا وحين أستعر فيها الصراع لم تجد صدراً حانياً فى المنطقة تلجا إليه سوى السودان وكان الرئيس السوداني البشير الوحيد الذي ذهب الى جوبا وهو يتلمس طريقه بصعوبة بين أبخرة دخان المدافع ولهيب نيران القذائف وأشلاء الضحايا، كما كان دور السودان فى (الإيقاد) دوراً محورياً دفع بالمفاوضات الى مرحلة متقدمة حتى خفتت وتيرة الصراع تماماً.
ولمن ينظر الآن في أنحاء السودان المختلفة يرى؛ أولاً، علاقات متينة وثقة وافرة مع الجارة تشاد عبر وجود قوات حدودية مشتركة نجحت لأكثر من 4 أعوام في تأمين الحدود المشتركة تأميناً تاماً مما أوجد حالة استقرار طال عهد المنطقة بها.
وفى اتجاه أفريقيا الوسطى استطاع السودان كبح جماح الصراع بحيث لا يمتد الى داخل أراضيه ليزيد من تعقيد أزمة دارفور.
ثانياً، على حدوده الشرقية -ارتريا وإثيوبيا- فإن الأمن ليس مستتباً فحسب، ولكنه راسخ ومرشح لاستتباب أكبر بمد الطرق البرية.
ثالثاً، فى اتجاه الشقيقة ليبيا فإن الحدود هادئة وتم قطع شوط كبير فى شأن إنشاء قوات مشتركة لحراسة حدود الدولتين وهو مشروع قيد الإنشاء ومن المرجح أن يزيد من حالة الاستقرار فى تلك الناحية.
رابعاً، استطاع السودان أن يحتفظ بعلاقة متوازنة مع الشقيقة مصر -رغم كل شيء- بحيث بادر الآن الى دعوة مصر لإنشاء قوت مشتركة فى حدود الدولتين ومعالجة الملفات المهمة.
خامساً، على الصعيد الداخلي فإن الحكومة السودانية بادرت بمبادرة سياسية جيدة سرعان ما اجتذبت بالقوى السياسية المعارضة عبر خطاب الوثيقة الضافي الذي قدمه الرئيس البشير فى حضور قادة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفئاته المختلفة.
هذه المعطيات البالغة الأثر والأهمية تشير بوضوح الى أن السودان يقود بهمّة حركة إصلاح محلية وإقليمية تمنح المنطقة هدوء نسبي مطلوب وتتيح فى الوقت نفسه التقليل والقضاء على كافة أشكال العمل المسلح التى عانت منها المنطقة طويلاً.
هذه الجهود ومهما كانت نظرة واشنطن وتقييمها لها لا يمكن لعاقل أن يقلل من شأنها، كما لا يمكن قبول إصرار واشنطن على أن السودان يدعم الإرهاب، ولهذا فإن أمر العلاقة بين واشنطن والخرطوم بكل تجاذباتها تظل لغزاً محيراً نخشى أن يتحول هذا اللغز من لغز فى نظر المراقبين والمحللين السياسيين الى لغز بالنسبة للإدارة الأمريكية نفسها!
سودان سفاري
ع.ش