حوارات ولقاءات

رئيس الحركة الشعبية تيار السلام: المؤتمر الوطني تنازل عن برنامجه الذي أتى به في 1989

[JUSTIFY]اطمة احمدون :

معلم في مدارس المدن والأرياف معارض حمل السلاح مغادراً مجلس الشعب إلى الغابة، مرهف تجمعه بأسطورة أفريقيا محمد وردي علاقة صداقة شهدتها فنادق أديس أبابا.. عشرون عاماً من التمرد مع رفيق النضال د.جون قرنق، أحد جنرالات الحركة الشعبية الذين وصلوا قمتها، فبقى مستشاراً لسلفاكير، غادر جوبا غاضباً منذ ذلك اليوم الذي اندلعت فيه نيران الحرب بجنوب كردفان.. وأصبحت رسالته دبلوماسية لكنه شفاف صادق.. أدرنا معه حواراً وعصفاً ذهنياً تخللته مشاكسات «الأرانب» وأصوات «الطيور».. في تلك «القطية» دار نقاش ساخن مهذب تناول كل المحاور.

اتجاه الحكومة لإطلاق الحريات العامة هل تعتقد أنه سيؤدي إلى زوال أسباب القتال أم يعقدها؟

– فيما يختص بخطاب الرئيس والذي تناول عدة محاور أهمها بالنسبة لنا هو محور السلام الذي يعتبر الأساس والشرط لقيام كل المحاور الأخرى من حريات عامة وتنمية وغيرها، فجميع المحاور تشترط أن يأتي أهل السودان ويجتمعوا على كلمة سواء ويتوافقوا على الثوابت الوطنية، ولذلك يعتبر السلام هو «حجر الزاوية» لجميع المحاور الأخرى.

لكن معظم القوى السياسية وصفت خطاب البشير بالغموض؟

– الخطاب تناول الكثير من القضايا، وعدم التفصيل أو ما وصف بالغموض هو أمر قصد منه على حد تقديري أخذ رأى القوى السياسية المدنية وحملة السلاح الأخرى حتى يتبلور «النقاش» ليتم التوصل لصيغة وطنية موحدة لديها برنامج واضح لتحقيق القضايا التي طرحت في خطاب الرئيس والذي يعكس ويؤكد إن هناك جديداً في الخارطة السياسية السودانية.

ما هو الجديد الذي جعلكم متفائلين؟

– اعتقد أن ذلك بدا واضحاً من خلال طرح قضية الهوية السودانية، والتي ظلت مسكوتاً عنها منذ الاستقلال ولذلك لا أخفي أنني أصبت بالدهشة لطرح قضية الهوية متأخراً.

هل تعتقد أن المؤتمر الوطني أراد أن يعدل مساره بعد خمسة وعشرين عاماً؟

– نعم في تقديري أن المؤتمر الوطني رأى أنه بعد خمسة وعشرين عاماً أنه يجب أن يعدل مساره السياسي وأن يتصالح مع السودانيين من قوى سياسية أو مواطنين ومع المجتمع الدولي، بل أنا في رأيي أن المؤتمر الوطني تنازل عن برنامجه الذي أتى به في 1989، وهي بادرة طيبة تجمع كل السودان على كلمة سواء.

ü برأيك هذا الانفتاح ووجود الحريات يمكن أن يكون سبباً في وقف الحرب الدائرة بالمنطقتين؟

– الحرب الدائرة في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق اعتقد الآن الظرف مواتٍِ ومناسب لتحقيق السلام في المنطقتين، وهذه الظروف على مستوى الحكومة السودانية أبدت استعدادها للحوار وكذلك المجتمع الدولي فإنه يولي قضية السلام اهتماماً كبيراً.

اتجه المحللون إلى كون الحرب الجنوبية قبلية وصرح تعبان دينق في حديث صحفي بأنها سياسية لماذا يقتتل رفاق الأمس؟

– اختلف مع تعبان دينق في كون الحرب الدائرة في جنوب السودان سياسية، هي حرب قبلية سياسية. وبصفتي مستشاراً للرئيس 2009-2011، كانت لدي قراءة صادقة وتحليل منطقي لما يحدث في الجنوب بعد الانفصال، وتوقعت أن يحدث هذا الصراع القبلي ولم تكن هناك أي مؤشرات لصراع سياسي «ولو كان هناك صراع سياسي سنكون جزءاً منه باعتبارنا نمثل النوبة».

إذاً فقد كانت هناك مؤشرات لصراع «قبلي»؟

– هذا الصراع بدأ منذ 1991 عند انشقاق مشار ولام عن الحركة منادين بفصل الجنوب في ظل إصرار د.جون قرنق على سودان موحد، ولكن «سلفا» رجل ميداني ومشار رجل «سياسي» ولذلك لا يوجد أي توافق بين الرئيس ونائبه، إضافة إلى وجود «عنصرية» حتى على مستوى المكاتب، مكتب سلفا كان مكتب دينكا ومكتب مشار مكتب نوير، وهذا يؤكد أن الصراع القائم مشكلة قبلية، وإن كان إشكالاً سياسياً فمن السهل حله من خلال دستور الحزب، ولكن يمكن أن يكون الجانب الآخر وهو الصراع على السلطة سياسي، مشار ظل دائماً يرى أنه أفضل من سلفا كير تعليماً وخبرة وهذه النظرة أثرت بدورها على نظرة سلفا كير لمشار، ولذلك فإنني كنت أتوقع أن تنفجر الأوضاع بينهما وتصل لدرجة الحرب، ويمكن حصر أسباب الحرب في ثلاثة محاور، هي القبلية بين الدينكا والنوير، ومن داخل تيارات الحركة الشعبية يوجد تيار يسمى «أولاد قرنق» هم باقان اموم، دينق ألور، لادو بروي ومجاك القيادات التي كانت داخل المعتقلات بما فيهم «مبيور» قرنق الذي هو الآن على رأس وفد مشار الذي يفاوض الآن إضافة إلى تيار الاستوائية وهو تيار يرفض الدينكا والنوير، ويعتبرهما يهيمنان على السلطة والثروة، أمر آخر يمكن أخذه في الاعتبار وهو تعيين «جيمس واني» نائباً للرئيس سلفا كير، وذلك لأنه بحسب الأعراف القبلية والطبقية لا يعتبر من الطبقة «المالكة» او «الحاكمة»، وهذه تدل على أن الجانب القبلي معمق بالنسبة للمجتمع الجنوبي.

هل كان الخلاف موجوداً في آخر مؤتمر؟

– نعم في آخر مؤتمر للحركة الشعبية كانت هناك خلافات حادة جداً جداً بين رياك وسلفا وباقان وياسر عرمان، و اضطررنا لتأجيل المؤتمر لمدة ثلاثة أيام وعقدنا اجتماعاً بصفتنا قيادات لمحاولة إيجاد حلول وتهدئة الأوضاع بينهم حتى نستطيع أن نذهب إلى المؤتمر العام والخلافات كانت حول السلطة وتبادل الاتهامات.

هناك من يرى أن الاستعداد العسكري لرياك مشار كان مبكراً والدلالة أنه أحرز تقدماً لولا تدخل يوغندا؟

– لا الجيش الشعبي كان متماسكاً قبل استقلال الجنوب، ولكن هناك مجموعات داخل الجيش الشعبي مثل مجموعة ياوياو وعبد الباقي وغيرهم، هذه المجموعات كانت مسنودة من حكومة الخرطوم ثم تم استيعابهم بعد ذلك في الجيش الشعبي، ولذلك فإن الجيش الشعبي لم يعد الجيش الشعبي الذي حارب، والذين أسسوه معظمهم غادروه الآن، ولذلك فإن الجيش الشعبي لم يعد ذلك الجيش المتشبع بالروح الثورية وأصبح مكوناً من عناصر جديدة من الجيش الشعبي بعد الاتفاقية عبارة عن مليشيات والجيش نفسه كان مبنياً على القبلية.

ألا تتفق معي في كون الأمريكان استعجلوا فصل جنوب السودان؟

– منذ تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ومنذ قيام «المنفستو» 84 وقوانين تنظيم العمل العسكري والسياسي لم ترد كلمة «انفصال» أبداً ولو كانت هناك كلمة انفصال نحن أبناء النوبة والنيل الأزرق «ما كنا خشينا الحركة الشعبية»، ولكنها مطالب ومظالم..

مقاطعة.. هل يمكنك أن تؤرخ لبداية العمل داخل الحركة الشعبية للانفصال؟

– فكرة الانفصال جاءت في 1994 وأوجدتها دول الإيقاد التي أدخلت المادة 6 التي تتحدث عن تقرير المصير وشجعت الحكومة السودانية فكرة الانفصال بعد ذلك، وهناك شماليون شجعوا الانفصال.

الحكومة السودانية شجعت الانفصال كيف؟

– أعطت الحرب في الجنوب طابعاً دينياً عنصرياً.

كأنك تتعمد أن تتجاهل الدور الأمريكي في فصل الجنوب؟

– لا أريد أن أتحدث عن الدور الأمريكي والحقيقة أنه رأي عام دولي تبلور نتيجة لتوصل الشعبين في الجنوب والشمال، و رأوا أنه من الأفضل أن يصبح السودان دولتين، وقد كنت شاهداً بل كنت لاعباً أساسياً وكممثلين للنوبة والنيل الأزرق.. ولذلك تولد لدينا شعور بأن هؤلاء «فكونا عكس الهوا» عندما ورد بند تقرير المصير.. وللعلم أن برتكول الثلاث مناطق، ليس من الإيقاد كما يعتقد كثيرون وهذه البروتكولات الثلاثة تولتها الحكومة الكينية، ولذلك بعد محادثة السلام تم تجميعها وإضافتها لاتفاقية الإيقاد وأطلق على نيفاشا اتفاقية السلام الشامل وقد خرقت بعد ذلك هذه البروتكولات.

تتحدثون دائماً عن أن الحركة الشعبية ضحت بكم وفصلت الجنوب لماذا؟

– لأنه مثلاً إذا أخذنا برتوكول المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق كان من المفترض أن يعمل الشريكان على تنفيذ المشورة الشعبية وإنزال البرتكول قبل القيام بالاستفتاء لانفصال الجنوب، باعتبار أن الحركة الشعبية كانت لا تزال داخل الحكومة، ولكن ما حدث أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني أهملا المنطقتين وأصبحت اللغة تتحدث عن شمال جنوب أو وضع الترتيبات الأمنية باستيعاب أبناء المنطقتين في الجيش السوداني، ولو أن هذه الخطوة تمت قبل الانفصال لما وجد عبد العزيز الحلو جيشاً يقاتل به الآن.

هل الإهمال كان متعمداً؟

– نعم متعمد، وذلك لأن الحركة الشعبية كانت تهتم فقط بالجنوب وضحت بنا، أما المؤتمر الوطني فكان يعلم أنه لم تعد هناك «قيمة» وأهمية للمشورة الشعبية بعد ذهاب الجنوب وقد كانت صفقة عليا من أجل وأد المنطقتين.

الحكومة أبدت استعدادها للجلوس للتفاوض فهل يجلس الطرف الآخر برغبة لوقف القتال؟

– بالعودة لخطاب البشير فقد أمن على محور السلام، وذلك يعني أنه توجه الحكومة في إطار سعيها للقيام بحلحلة قضايا الحرب والسلام وتحقيق السلام، هذا ما يلي الحكومة.. والجانب الآخر قطاع الشمال فهو الآن في وضع حرج سياسياً وعسكرياً، الوضع السياسي نربطه بالعلاقة بالمجتمع الدولي والإقليمي الذي يرفض أي نزاعات في الوقت الحالي، الأوروبيون والأمريكان وهما الجهة الممولة، ترفض الحرب.. أضف إلى ذلك الأوضاع الأمنية بجنوب السودان، ما يدور من صراع حتى الآن لا يمكن التنبوء بنهايته.. بالتالي فإن ذلك سينعكس على قطاع الشمال من حيث الدعم اللوجستي.. وموقف الحركة الشعبية قطاع الشمال كان مهزوزاً، فهناك فريق مع سلفا كير وآخر مع رياك وآخرون محايدون وعندما تهدأ الأوضاع فإن الحكومة القادمة ستقرر مصير هؤلاء، وهناك خلافات داخل الحركة الشعبية نفسها برزت بشكل واضح في الآونة الأخيرة والتي انتهت بفصل القيادي إسماعيل خميس جلاب.

فصل قيادي من أبناء النوبة وحديث ياسر عرمان مؤخراً لأبناء النوبة بأنه لا مكان لعنصرية وستكون المناصب داخل قطاع الشمال بناءً على «الأسبقية»، قد فسر بأنه تصفية لأبنائكم بالحركة الشعبية في هذا التوقيت بالذات.. ما تعليقك؟

-القيادات العليا في الحركة «ياسر وعبد العزيز ومالك» الذين هم في رأي جلاب ومجموعته لا يهمهم ما يعانيه إنسان جنوب كردفان و«أبناء النوبة» من ويلات الحرب، وهذه حقيقة «ناس ياسر» هدفهم الأول عندما خرجوا في 6/6 هو إسقاط النظام في الخرطوم وهذه أجندتهم «النوبة ما لهم ومال إسقاط النظام»، هؤلاء يتحدثون عن قضايا تنمية وهذه حقيقة.

… نواصل

صحيفة آخر لحظة [/JUSTIFY]