رأي ومقالات

محمد سيد أحمد المطيب : رؤية لتطوير الحوار الوطني

[JUSTIFY]استكمالاً لما أشرنا إليه بشأن أن صلة الدين بالسياسة ستفرض نفسها كقضية محورية كما نرى على المناقشة والمناظرة والمنافسة التي دعا لها حزب المؤتمر الوطني في الدعوة للحوار التي ابتدرها بالخطاب المثير الأخير للسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير، نواصل اليوم عرض ما ورد في هذا الصدد، وبهذا الخصوص في كتاب الباحث المصري المتميز يوسف زيدان الذي صدر في طبعة سادسة عن دار الشروق للنشر بالقاهرة في العام «2012» حيث ذكر أنه لا يمكن للعالم أن يواجه عمليات العنف الديني، وعمليات محاربة العنف الديني، إلاّ بتعاون دائم ومستمر بين دول العالم. وذلك لأن تجليات العنف باسم الدين «الإرهاب» والعنف في مواجهة الظواهر الدينية، الذي هو نوع آخر من «الإرهاب» لم تعد جميعاً مقصورة على الحدود السياسية الداخلية، وإنما صارت لها تجليات عابرة للدول والقارات. وهو ما يستحيل تصور حلول جزئية أو إقليمية لها مهما بدت لنا هذه الحلول ناجحة ومناسبة.

ويشير الباحث المصري إلى أن هذا التعاون قد يكون سبيلاً للهيمنة على العالم باسم محاربة الإرهاب على النحو الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تكترث بالرد على الاتهامات الموجهة لها في هذا الصدد وبهذا الخصوص، وهذا أمر ينذر بعواقب وخيمة، لأن طرفاً دولياً واحداً لن يمكنه بأي حال التعامل الرشيد مع ظاهرة عابرة للحدود، وخارجة عن تراثها وبنيتها الاجتماعية وحدود فهمها وتفهمها، وهي ظاهرة متعددة الأوجه والمداخل والفعاليات، ويقتضي حلها كثيراً من الفهم والتفهم والاستبصار والضبط المتوازن.

ويضيف الباحث المصري أنه لعله من المناسب أن تعترف أمريكا بالإخفاق في مواجهة الجماعة المتطرفة في أفغانستان، وبالإخفاق في مواجهة الأحوال التي أحدثتها بالعراق، مثلما اعترفت من قبل بالإخفاق في فيتنام، ولم ينقص اعترافها من قدرها حينها. وهذا الأمر اليوم ليس مناسباً فحسب، بل هو ضروري ولازم. فقد أدى العنف الأمريكي المبالغ فيه باسم محاربة عنف الإرهاب الديني الإسلامي!! إلى مزيد من العنف.. ولم يعد أسامة بن لادن فرداً واحداً، وإنما صار رمزاً قابلاً للاستنساخ، وشعاراً لمواجهة الهيمنة الأمريكية العابرة للقارات.

ولم يتم تحرير العراق من قبضة النظام الشمولي إلاّ بإلقاء البلاد في قبضات الفوضى العارمة. وكذلك لم يتم القضاء على التطرف الديني في أرض الأفغان بتلك المظاهر الهزلية للحياة الغربية التي تم ترويجها هناك.. فالجبال لا تزال هناك.. والموروث..
والذكريات المؤلمة.. ونار الثأر المنذرة بالدخول إلى مرحلة أخرى من الانقلاب بين الدين والسياسة.

ويضيف الباحث المصري أنه حين تطغى الموجة الدينية الوليدة وتجد سيّاف السلطة يقظاً تقوم على الفور بالاختباء خلف أستار تمويهية تحددها طبيعة الحياة في هذا المجتمع أو ذاك، ومنها الاتشاح بصورة الاعتدال والمرونة والانكسار، أو التسلل إلى بنيان السلطة السياسية السائدة والتغلغل في طبقاتها بصمت، أو إظهار الاستعداد لتلبية مطالب سياسية مؤقتة كمحاربة أعداء خارجيين أو جلب أموال في زمن القحط.. وهكذا وعلى هذا النحو تتعدد الأستار الوهمية التي هي في واقع الأمر بمثابة حيل هروبية تلجأ إليها الجماعة الدينية في مواجهة القهر السياسي المتربص بها سعياً لتأجيل الصدام الحتمي بينهما. ويضيف الباحث المصري أنه لتلافي احتدام الجدل وتطوره إلى جدال وسجال وكفاح ورغبة في الاستشهاد نرى أن «الإظهار» بديل آمن وأفضل من مثل هذا الاستتار المنذر بالعواقب الوخيمة.. ونعني بالإظهار هنا أن تكون بالمجتمع آليات للمكاشفة بدلاً من آلات القهر المتوعدة، وبدلاً من «المواجهات» الحوارية الصدامية بين رموز الدين والدنيا. فهذه المواجهات الاستعراضية إنما تعمق في الواقع الخلاف، وهي تنطوي أصلاً على أغلوطة كبرى حين تُنكر أن في الدين دنيا، وأن الدنيا لا تستغني عن الدين.. وهناك أغلوطة أخرى تنطوي عليها مثل هذه المواجهات الحوارية ذات الطابع الإعلامي، وهي أن هذين التيارين «الديني والدنيوي» يلغيان لصالحهما تيارات أخرى كثيرة بالمجتمع، منها ما هو أقرب لهذا المحور أو ذاك، ولكن بمسافات متفاوتة. ونتيجة لذلك فإذا بالعملية الديمقراطية «الوهمية» يتم اختزالها في قطبين يمثلهما أشخاص بأعينهم، ويؤدي هذا الأمر إلى ثنائية تنذر بالصدام بينهما ومحاولة كل طرف منهما الاستئثار بالسلطة الكلية التي يجد نفسه قريباً منها باعتباره المنافس الوحيد عليها. ويضيف الباحث المصري أن الإظهار الذي نقترحه يقتضي الإقرار بالتعددية، وبتنوع التجربة الإنسانية تنوعاً غير محدد، أو بتبصير فلسفي يعني أن الخبرة الإنسانية سواء لدى الفرد أو الجماعة تظل تطورية وتقابلية ومتناقضة أحياناً. وهنا تأتي أهمية الاعتراف بمشروعية التناقض، فهو أمر لا يقتصر على «المنطق» فحسب إنما يظهر أيضاً في مجال التجربة المعيشة لدى الفرد والجماعة. والسبيل لحل هذا التناقض والتقليل من قابليتها لإحداث الصدام، يبدأ بالاعتراف به، والحرص على التحاور العلني الدائم بين جميع الاتجاهات. فكم من شخص أو جماعة أو مجتمع تطورت اتجاهاته من النقيض إلى النقيض، أو تعدّلت توجهاته من درجة إلى أخرى بفعل الحوار العلني وفي زمن ليس بالطويل.

ويختتم الباحث المصري بأن الحركة الإنسانية الدائمة تفاعلية، ولا يمكن أن تتم بشكل صحي وصحيح في بوتقة الارتداد نحو الذات، ولا يمكن إذا عوملت باحترام وتفهم ووضوح أن تقود للعنف وذلك لأنها لا تترك المجال أمام شخص أو جماعة للزعم بامتلاك اليقين التام الذي يلغي الآخر.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]