رأي ومقالات

ابراهيم عثمان: العلاقات السودانية المصرية .. عود على بدء ؟

اخطأت حكومة السودان خطأً جسيماً إن صح ما نقلته وسائل الإعلام من تهنئة قدمها وزير الدفاع السوداني لقائد الإنقلاب المصري بمناسبة ترقيته و بمناسبة إجازة دستوره و تنفيذ أولى خطوات خارطة الطريق التي تنتهي بتوليه رئاسة مصر !! إن كانت هذه إحدى مقدمات الإصلاح فيما يخص العلاقات الخارجية ، فبئسه من إصلاح ، و بئسها من خطوة .

وضع الإنقلاب الذي حدث في مصر حكومة السودان في مأزق صعب يذكِّر بأيام مبارك بعد النقلة الكبيرة التي شهدتها علاقات البلدين في عهد مرسي خاصةً بعد زيارته للسودان و ما صاحبها من إتفاقات تنقل العلاقات إلى مرحلة جديدة من التعاون الوثيق ، و قد تمكنت الحكومة بعد مواءمات و مساومات و دروس كثيرة من رسم ملامح علاقة مع نظام حسني مبارك رغم التباعد السياسي بين النظامين ، فالواقع كان يفرض ذلك خاصةً و أن نظام مبارك كان في بعض النواحي أكثر عقلانيةً من نظام السيسي ، و بالذات في علاقته مع بقية القوى السياسية المصرية المعارضة التي كان يتيح لها هامش للحركة ، و لا شك أن جماعة الإخوان كانت تتفهم دواعي التعامل السوداني مع نظام مبارك . فهل ستتعجل الخرطوم المسير في ذات الدرب القديم لترميم علاقتها الفاترة مع نظام السيسي ؟ أم أن وثيقة الإصلاح الموعودة تحوي تغييرات في السياسة الخارجية بما يمكن السودان من إدارة علاقاته الخارجية بطريقة جديدة توائم بين المصالح و الأيديولوجيا بما يعظم الأولى و يقلل من تأثير الثانية ؟ خاصةً في ظل علم النظام بأن المعادلة الدقيقة التي حكمت علاقته مع نظام مبارك و حلفاءه في الخليج لم تعد تكفي في مرحلة ما بعد الربيع العربي والذي تقود مصر السيسي و داعميها في الخليج جهود ضخمة لتحويل مساره و تدارك مآلاته و توجيهها لتكون نكسة و ضربة قاصمة لتيارات الإسلام السياسي .

أجابت حركة النهضة في تونس في رأيي إجابة نموذجية على هذه الأسئلة ، فقد كان إنفتاحها على الآخر الداخلي كبيراً بما جنبها و جنب تونس مصير الثورة المصرية التي إنتهت إلى عودة النظام القديم للإنتقام و بوحشية تفوق بمراحل ما كان يفعله نظام مبارك . و لكن حركة النهضة المنفتحة جداً في علاقاتها مع الآخر الداخلي لدرجة تنازلها عن حكم نالته بالإنتخاب لم تفعل ذلك في علاقتها مع إنقلاب مصر ، فقد عبرت و هي في الحكم عن رفضها القاطع لإنقلاب السيسي ، و ربما ساعدها على ذلك عدم قدرة نظام السيسي و داعميه الخليجيين على إيذاء تونس ، سوى تلك المحاولات التي تمكنت حركة النهضة من قطع الطريق عليها بثمن يقل كثيراً عما دفعته الثورة المصرية و الإخوان المسلمين و حلفاءهم في مصر .

ستضطر حكومة السودان للتعامل مع نظام السيسي كأمر واقع ، و المتوقع و البديهي أن يبقى التعامل في حدوده الدنيا التي عبر عنها البشير بأنها في مرحلة “شعرة معاوية” ، و لكن جريدة “اليوم السابع” المصرية نشرت تصريحات للسيد البدوي رئيس حزب الوفد تفيد بأنه إلتقى و تواصل مع مسؤولين سودانيين رفيعي المستوى عبروا له عن دعمهم لخارطة طريق السيسي ! و هو ما لم يتبرع مسؤول سوداني بنفيه أو تأكيده حتى الآن !! علماً بأن بعض الأحزاب المشاركة في الحكم في السودان تقف مع إنقلاب السيسي علناً ، فهل تحاول الحكومة السودانية أن تستفيد من هذه الأحزاب لإجادة حبكة الغموض التي تلف موقفها من الأوضاع في مصر ؟ لأنه من الواضح أن التذرع بأن الموقف الرسمي هو عدم التعليق على ما حدث في مصر بحجة أنه شأن داخلي لم يرضي جميع الأطراف ، فلا حكومة مصر و إعلامها توقف عن إتهام حكومة السودان بدعم المعارضة و لا أنصار الحكومة من الإسلاميين السودانيين يرضيهم مثل هذا الموقف . و مخابرات السيسي تعلم بالتأكيد دور السودان في دعم ثورة 25 يناير و دعمها و حماسها لحكم مرسي ، فبينما يُحاول إعلام السيسي تصوير مرسي كبائع لحلايب كانت الحقيقة هي أن السودان وضع ملايين الأفدنة تحت تصرف مرسي بما يفوق مساحة حلايب بكثير و هم يعلمون بأنه لم يطرأ جديد في عهد مرسي في ملف حلايب يتجاوز دعوات الحل السلمي التوافقي الذي ظل مطروحاً منذ عهد مبارك و المجلس العسكري . فتوجس نظام السيسي من حكومة السودان ليس مرتبطاً فقط بمخاوف من دعم ربما يقدمه السودان لمعارضيه ، بل بالدعم الحقيقي الذي قدمه سابقاً مما كان يتعارض مع جهوده للإستيلاء على الحكم .

ستدفع حكومة السودان الكثير من مصداقيتها و تخسر رصيدها الإسلامي إن سعت إلى إرضاء السيسي و داعميه الخليجيين على حساب حلفاءها الإسلاميين و بالتأكيد لن تكسب السيسي و داعميه حتى لو تمكنت من كف شرهم إلى حين . و بالتأكيد ستظل حكومة السودان متهمة بدعم معارضة السيسي و سيتم إبتزازها إذا شعر السيسي و داعميه بأنها مرعوبة من مصير الإخوان في مصر و مستعجلة لدفع الثمن الذي يطلبه هؤلاء . و بالتأكيد سيغلون الثمن و ستجد حكومة السودان نفسها كالمنبت الذي لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقى .
الحكمة تقتضي من حكومة السودان السعي للبحث عن صيغةٍ ما تكف شر السيسي و داعميه عن السودان و تسعى في ذات الوقت للوساطة لرفع الظلم عن التيارات الإسلامية في مصر ، و للوصول إلى حل ترضى به جميع الأطراف . و لا أظن أن أي تعامل و دعم لشئ غير جهود الوساطة في مصر سيكون تصرفاً حكيماً .من الواضح أن نظام السيسي في غاية الضعف و لن يستمر إلا ببقاء دباباته في الشوارع فلا يجب التأسيسي لأي علاقة قوية معه ، إلا الحد الأدنى الذي يفرضه الأمر الواقع . و قريباً ربما يضطر السيسي للتراجع و قبول جهود الوساطة التي ربما تفضي إلى فترة إنتقالية جديدة تُخلى فيها السجون و يُسمع فيها لصوت الشارع ، هذا إن لم يصل بعض قادة الجيش المصري إلى قناعة بأن السيسي يقود مصر نحو الخراب و أنه يستحيل عليه أن يعيد النظام القديم إلا على أنقاض مصر ، فيقوموا بعزله و التأسيس لفترة إنتقالية يُحترم فيها الجميع و يُترك للصناديق الحرة أن تختار من يحكم ، و لا شك أن فرقاء السياسة في مصر سيكونوا قد تعلموا الكثير الذي يجنبهم أخطاء الماضي و مؤامراته ، و حينها ستكون كثير من العقبات قد أُزيلت من طريق العلاقات السودانية المصرية . ابراهيم عثمان

تعليق واحد

  1. الحكمة تقتضي التعامل مع الحكومة المصرية وبكل قوة ووقوفنا مع الحركات الاسلامي سيضر الشعب السوداني ضرر بليغ ويجب الاتكون سياسة السودان الخارجية علي هوي الاشخاص ويجب ان تكون علي حسب المصلحة العامة.