جعفر عباس

وهل في الطعام بأس؟

[JUSTIFY]
وهل في الطعام بأس؟

يعيب المستغربون (أي الذين يعيشون بيننا بعقليات غربية)، علينا ان احتفالاتنا كلها تكون بالطعام: عيد الفطر.. حلويات وكعك ومكسرات، وعيد الأضحى لحوم بالكوم (نقطة نظام: فرغم أنني نلت تعليما غربيا من الألف الى الياء، بمعنى أنني تلقيت تعليمي وفق مناهج وضعها البريطانيون، فإنني أعتبر نفسي مستشرقا من منطلق أنني نوبي أعجمي يهيم بحب العربية ويسعى الى تجويدها، وبهذا يكون ابو الجعافر اول مستشرق أسمر ولهذا لا يحظى بالاعتراف والتقدير من قبل الباحثين العرب، لأن المستشرق – كما الخبير – يجب أن يكون ببشرة فاتحة وعيون خضراء أو زرقاء، بينما نحن في السودان وكما تفيد جوازات سفرنا لدينا عيون عسلية وطول كل واحد منا خمسة أقدام وستة بوصات!!!).. طيب ما البأس في ان نحتفل بالإدام والطعام؟ ماذا يفعل أهل الغرب في الكريسماس سوى الإعداد لطبخ ثم أكل الديوك الرومية المثلجة التي طعمها مثل الخس، أي بلا طعم او نكهة؟ وما هو الـ yaD gnixoB الذي يلي ليلة الكريسماس؟ أليس هو يوم تعليب الأطعمة البائتة لتوزيعها على المحتاجين؟ (كان كذلك في الأصل ولكن لم يعد هناك من يوزع فائض الطعام على المساكين، تماما كما لم يعد الكثيرون منا يقدمون للمساكين شيئا من لحوم الأضاحي)، ثم أليس الكريسماس نفسه طقسا أوروبيا وثنيا حيث كان أصلا احتفالا بالحصاد وليلة للشبع تحسبا لليالي الشتاء الطويلة عندما يجف الزرع والضرع بعد ان تغطي الثلوج الأرض؟ (فالمسيح – عليه السلام – لم يولد في الخامس والعشرين من ديسمبر، وهو يوم الكريسماس من ذات عام).
أقول ملء فمي ان اكثر ما يعجبني في رمضان هو موائده الممتدة زمنيا حيث تبقى العائلة حول المائدة وقتا طويلا تتناول طيب الرزق، ففي رمضان وحده تكون موائدنا متوازنة المحتوى الغذائي فهناك الخضر والفواكه والخبز والأرز واللحم والبليلة التي تكون من الحبوب او البقول المسلوقة مضافا اليها الملح وبعض البهار، ويسمي اهل الخليج بليلة الحمص «النخي»، وهو اسم من فصيلة البلاليط وهي الكلمة التي يطلقونها على الشعيرية!! كيف يطلقون على شيء يدخل جوف الإنسان كلمة تنتهي بـ «خِي»؟ في السودان يسمون الحمص كبكبيه، وهو اسم اكثر قبحا من النخي، وأصل الكلمة نوبي يعني التهافت والتكالب على الشي، وربما كان الحمص في تقدير أجدادي النوبيين القدماء، طعاما تهفو إليه النفوس!
وطالما أن الحديث عن النوبة والطعام فلا بد ان أحدثكم عن مطعم كرفاس بمدينة سنكات في شرق السودان، فقد كان العم كرفاس صاحب المطعم يبيع الأكل بمزاجه، يعني لم يكن من حق زبائنه السؤال عما هو موجود او معروض، لان كرفاس كان يحدد بنفسه ما يأكله كل زبون، فإذا كنت مبهدلا فليس لك سوى الفول والفاصوليا وما الى ذلك من مولدات الغازات ومبيدات الأوزون، أما إذا كنت ذا أناقة وقيافة وكشخة فلك الكبد واللحوم الطرية، وإذا خصّك كرفاس بطعام طيب ثم اكتشف انك لا تملك قيمة ما أكلت فإن المسألة لم تكن «تفرق» معه، وبنفس القدر لم يكن يهمّه ان يغضب زبون لانه فرض عليه لونا معينا من الطعام، ويأمره بالانصراف حتى من دون ان يدفع ما عليه!! ويقال ان كرفاس ظل يعامل شابا معينا معاملة طعامية خاصة لأنه كان حسن الملبس الى ان رآه ذات يوم في الشارع مرتديا الزي العمالي فصاح: يا خسارة يا كبدة.. وخسارة يا لحم ويا كلاوي.. ومنذ يومها اصبح صاحبنا من فئة الفول والفاصوليا!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]