منوعات

من قاعة المحاكم.. «عم مختار» ضحية أهل منطقته

[JUSTIFY]من أجمل المعالم البارزة في مجتمعنا السوداني، ارتباط الأسر مع بعضها داخل الأحياء وتجمعاتهم اليومية الصباحية منها والمسائية، ونجد أن النساء في ما بينهن يقمن علاقات أقوى من علاقتهن بأهلهن، وبالتالي فإن الرجال خاصة كبار السن يجتمعون في اوقات الصباح امام المحال التجارية «البقالات او الجزارات» لتحلى اوقاتهم باحتساء الشاي والقهوة والاستئناس مع بعضهم البعض، وفي المساء تصحب تلك الجلسات الألعاب الترفيهية المختلفة «الضمنة والكوتشينة» التي تنتج عنها نقاشات وخلافات منها ما يكون ضحكاً وآخر غضباً، لكنه لا يستمر كثيراً، فالعلاقة التي تربطهم اقوى من أن تنتهي بغضب في لعبة، وكان «عم مختار» يعتبر كبيرهم الذي يفض تلك الخلافات، وبالرغم من ظروفه الصحية والمادية الحرجة، الانه ينال قدر كبير من الاحترام من كافة اهالي المنطقة، ومن المؤكد انه وصل الي تلك المكانة العالية في قلوب الآخرين بسبب اخلاقه العالية ومعاملته الحسنة للكل، وكان يعطف على الصغير ويحترم الكبير، ويتجاوب معهم ويتناقش في كل الأمور المعقدة التي يقصدونه لحلها، و «عم مختار» يمتلك دكاناًَ صغيراً يخلو كثيراً من السلع الاستهلاكية، وليس باستطاعته ان يوفرها، وترجع هذه الاسباب إلى أنه كان يعطي الجميع احتياجاتهم بالاستدانة، وهذا ما ادى الى تدهور حال «دكانه»، وأصبح لا يقدر على ان يمنع شخصاً محتاجاً وهو بيده منحه ذلك، وكان هناك رجل اخر يدعى «م» لديه محل «جزارة» بالمنطقة، وكان رجلاً جباراً ومتكبراً قاسي القلب لا يقدر ظروف اهل منطقته، وفي كل مرة يقول لهم عبارة «انا كان اديتكم دكاني بحصل دكان عم مختار وديوني تملأ الرأس»، وعندما تفوه بتلك العبارة لاحدهم رد عليه قائلا: «ليس من الصحيح ان تقارن نفسك بعم مختار انت في وادٍ وهو في وادٍ آخر.. هو يسعى لتحقيق راحتنا ومساعدتنا حتى ولو كانت على حساب نفسه، اما انت فتسعى لتحقيق الكسب المادي على حساب اهل منطقتك وفرض جبروتك على الآخرين، ونحن لا نقبل بذلك»، وليس ذاك الشخص هو الوحيد الذي يرفض تلك المقارنة، فكثيراً ما سمعها «م» من مختلف الاشخاص، وفي كل مرة يثار غضبه ولا يعرف كيف يرد عليهم، كما أنه يزداد حقده علي «عم مختار» ذاك الرجل الطيب، و «م» يرى انه هو الاقوى وعلى الجميع ان يرجعوا له بدلاً من عم مختار في اتخاذ قراراتهم، باعتبار ان المال والكبرياء عنده هو، لكنه احس بأن الجميع يرفضه ويلتفون حول ذاك الرجل الفقير، وفي يوم مساءً ظل «م» بمحله التجاري «الجزارة» لانه لم يمر عليه احد للشراء منه وكانت بضاعته علي وشك التلف، الأمر الذي جعله في حالة من التوتر، ومن على بعد امتار معدودة شاهد ان رجال المنطقة اجتمعوا كالعادة لجلسات السمر والترفيه والنقاشات الجدلية، والتف الرجال ووضعوا امامهم الكوتشينة وفناجين القهوة، وكانوا كما الذين لا يحملون هماً لهذه الحياة، وبدأوا يلعبون ويضحكون و «يتهاظرون» فيما بينهم ومن هناك «م» يراقبهم ويبغض لهم الكثير من الكره والحقد، وهو يرمقهم بنظراته من كل مكان.. وعندها وقعت عينه علي صبي ابن واحد من اهل الحي وهو يحمل كيساً به القليل من اللحم، واتجه «م» نحوه وسأله من اين اشتريتها قال له من الحي الذي بجانبنا لأننا لا نريد ان نشتري منك مره اخرى لأنك رجل جبار، وهنا احس «م» بالإهانة والاستفزاز، وقام برمي الكيس من يد الصبي وحاول ضربه، الا ان اولئك الرجال تركوا ما بيدهم وتدخلوا ليفضوا الشجار، وكالعادة تصدر المشكلة عم مختار الذي عاتب الجزار «م» لضربه الطفل، وان عليه ان يترك الناس باختيارهم والارزاق بيد الله، ومن المخزي ان يلام احد على اختياره المكان الذي يفترض أن يشتري منه، وتوجه «م» ناحية عم مختار كما الثور الهائج، واستل سكيناً وطعنه بها في عنقه، الأمر الذي افزع الحاضرين واطلق «م» عبارة: سأذبحه امامكم كما اني اذبح شاة» وبالفعل قبل ان يقدم احد لمنعه قام بذبح عم مختار امام الحاضرين الذين اسرعوا إلى ابلاغ الشرطة ونقلوا عم مختار الى اقرب مستشفى، الا انه كان قد فارق الحياة في الحال، وقامت الشرطة باتخاذ الاجراءات القانونية والقت القبض علي «م»، وبعد التحري معه واستجواب شهود الاتهام احالت النيابة القضية الى المحكمة التي بدورها استندت إلى افادات الاتهام، بالاضافة الى استنادها إلى الادلة والبراهين التي حول القضية واداة الجريمة التي كشفت الادلة الجنائية استخدامه لها، وبالتالي اعتراف المتهم بارتكابه جريمته «والاعتراف سيد الادلة»، ووقتها اجرت المحكمة جلساتها بصورة قانونية، وبدأت بجلسة الاتهام وجلسة المرافعات حتى انتهت القضية باصدار حكم الإعدام في مواجهة الجزار «م» أو دفع الدية التي بلغت قيمتها «40» ألف جنيه تسلم الى اولياء الدم في حالة العفو، وهنا طالب أهل المتهم بالعفو لكن أهل الحي وأهل المجني عليه تمسكوا بالقصاص.

صحيفة الإنتباهة
نجلاء عباس
ع.ش[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. [B]مافي شئ مضيعنا غير قعدة الضمنة وشراب القهوة عند النساء والقطيعة ..شوفو الدول المتقدمة كيف تستفيد من وقت الفراغ[/B]