مقالات متنوعة

ثقالة من النوع الثقيل

ثقالة من النوع الثقيل
أحياناً نحتاج إلى نظرة داخلية ناقدة لكي نرى عيوبنا في مرآة أنفسنا. صحيح نحنا أحسن ناس وأجدع ناس كما يقول عنّا إخوتنا المصريون «أجدع بمعنى أننا يمكن أن نجدع بحجارة «القطيعة» أي شخص في أي مكان».. وإيد على إيد تجدع بعيد..

يعني ممكن أقول ليك فلان دا راجل فاسد.. تقوم إنت تضيف لها وفاسق كمان.. ويقوم صاحبكم يضيف لها ومغرور.. ويضيف آخر وحاقد.. وتستمر تلك الأيادي تجدع بعيداً إلى أن يختفي الشخص المذكور تحت كومة من النفايات اللفظية أو كما قال المتنبئ:
أ مَيْناً وإخلافاً وغدراً وخسةً
أشخصاً لحت لي أم مخازيا؟
وصحيح أيضاً أننا يمكن أن نسلخ جلد النملة ونعري الناموسة من المحيط والمخيط وأن نقوم بتخصية الدجاج.. وغيرها من خوارق الأعمال.. ولكننا نحتاج من وقت لآخر لتعرية أنفسنا ونتبصر في عيوبنا. وعندما توصلت إلى صيغة كتبت بها عشرة أنواع من الثقالة وأتبعتها بسيوبر ثقالة وكان ذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي كان القراء يشاركونني في إضافة ثقالاتهم إلى السجل القومي للثقالة الذي فتحته وكان من بين تلك الثقالات ما بعث به قارئ لم أعثر على اسمه على ثقالة يقول فيها:
أستاذننا الجليل، حساس محمد حساس:
لاشك أن باب الثقالة له معجبون كثيرون يتابعونه الشيء الذي جعل بعضهم يكتب إليك ثقالاته مشاركاً ولما كنت أحد المعجبين ببابك وأحد قرائه المواظبين أبعث إليك بوصفك أميراً للثقلاء هذا الساندوتش من الثقالة عسى ولعل تهضمه مطاحنكم «معدتكم» كما أرجو أن تسميه كما تشاء « سيوبر ثقالة، ميني ثقالة وأنت الخبير وأنت الثقيل وأنت الأمير».
كثير من ذوي القربى وخاصة النوع الذي يقيس الأمور بمعايير ومقاييس ثابتة وكأنها هرم الجيزة لا تتبدل ولا تتغير وينظر إليها من زوايا ضيقة ويقول برأيه غير عابئ بما يقول وليس مكترثاً بما يحدثه كلامه من صدى وثقالة، مثل هذا والذين داروا في فلكه ولفوا لفه من الثقلاء لا حصر لهم ولا عدد في مجتمعنا وإليك أحدهم في حوار مع قريبه الموظف:
الساعة الواحدة ظهراً والشمس انحرفت قليلاً عن كبد السماء يأتي أحد المراسلات إلى الموظف الذي اكتظ مكتبه بالأوراق التي تتطلب التنفيذ الفوري ليقول له:
(-) في واحد عاوزك؟
اسمك منو؟
قال عمك
قول ليه خش
( يدخل العم وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة حتى كاد يلتصق فمه بأذنه..
إزيك يا ود عضاض الجلود وكيف حالك؟
«اسم المزاح الذي كان يطلق على والد الموظف «الإسكافي» .. وهنا بدأت علامات عدم
الارتياح على الموظف.
(-) أهلاً أهلاً عم علي.. كيف حالك وأحوالك؟
بخير والحمد لله
(-) سلم علي زملاي أحمد والصادق وإبراهيم وسيدة ونادية..إن شاء الله الجماعة هناك رايقين وما في عوجة؟
والله يا خوى شديدين إلا خالتك أم عملاً شين ديك طلقوها وعلي الإيمان دي الطلقة التالتة.
«يغير الموظف تيار الحديث ويحمد الله على عدم ذكر اسمها».
تشرب شنو يا عم علي شاي ولا حاجة باردة؟
شوف ياود عضاض الجلود أنحنا غير الشاي دا في حاجة نشفت دمنا؟ جيب لينا المثلجات يا ود أخوى زي المنقا والجوافة..
«ويستمر عمه علي»
بالله يا ود عضاض الجلود «وهنا يقاطعه الموظف هامساً :يا عم علي، المكتب فيه زملا وزميلات ودا اسم أخوك البتمازحو بيهو قول لي اسمي وبس».
-يعني عشان اشتغلت مدير ولا شنو ما عارف داير تغير اسم أبوك؟ «ويستشهد بعجز البيت»:
«الكلب كلب ولو ترك النبيح» بهذا لقد بذر عمه بذرة الثقالة الفعلية، وقد قرأ على وجه الموظف السخط والزعل … وقد سرق النظر واختلسه ليرى تعابير الزملاء والزميلات فيقدح العم زناد الثقالة مرة أخرى:
قلت لي يا ود عضاض الجلود بتعرس متين؟
الحكاية دي بكلمك بيها بعدين.
طيب هسع الحكومة دي بتديك مرتب كم؟
«يأتي المراسلة بمشروب وينقذ الموظف من الإجابة إلا أن عمه يسأل مرة أخرى»:
وهسع البنوت المعاكم ديل بدوهن قروش قدركم ولا أقل «يتضايق ويتململ الموظف من هذا السؤال وقبل أن يرد يزيد عمه سؤالاً آخر:
وقلت ليك يا ود عضاض الجلود البنات ديل متجوزات ولا فتوات؟
«تبقت عشر دقائق على انتهاء المواعيد الرسمية إلا أن الموظف خرج بعمه قائلاً:
خلاص يلاك البيت العمل انتهى
هي لكن البنات قاعدات.. إنتو ساعاتكم في العمل مش واحدة؟
واحدة لكين خلينا نمشي البيت..
وعندما يركب الاثنان الحافلة وبصوت مرتفع يسأل العم:
قلت لي يا ود عضاض الجلود بتعرس متين؟
« وقد التفت كثير من الركاب إلى مصدر الصوت ومعظمهم موظفون وموظفات»
«يهمس الموظف» براحه يا عم علي… حأحدثك لمان أصل البيت والله الأولاد في دورك والأصغر منك الماعندو مرة عنده مرتين وحرّم لو أنحنا الواحد فينا موظف يعرس عشرة
وبأعلي صوت» طيب هسع قالوا أنت بتصرف ليك ألف جنيه الجزمة اللابسة دي بكم؟
بي سبعين جنيه.
طيب ياود الرماد أبوك هناك يموت يعضعض نهاره كله في الجلود والمركوب كله بي عشرة جنيهات.
«وهنا يتبرّم الموظف ويبدو عليه عدم الرضا ويتململ مدندناً بكلام غير مفهوم وصمت وترك المقعد لأحد الركاب ووقف».
«لم يكترث عمه الثقيل بل واصل في أسئلته»:
قلت لي ساكن عزابي البسوي ليك الأكل منو؟
«ويسأل سؤالاً آخر غير عابئ ولا يريد رداً على سؤاله السابق»
خلي قصة الأكل أنت لو ما داير تعرس من هناك شايف معاكم بنوت شغالات داير تعرس فيهن؟.
«همس إلى عمه أن البص به موظفون وموظفات ورجاه ألا يتحدث حتى يصل إلى المنزل».
يا خي أنا أسكت من شنو أنا خايف من منو… طيب يعني كونك داير ليك واحدة من بنات المكاتب ديل… دي حاجة بدسوها؟.
«ولقد أشعل العم نار الثقالة مما جعل الموظف لا يستطيع أن يتحكم على أعصابه وصاح»:
ما عاوز أنا أعرس بالمرة
«وقد أتاح بحديثه فرصة العمر لعمه الثقيل ليكمل صرح الثقالة الذي شيده»:
ما عاوز تعرس اشهدوا يا رجال. إنت كلامي دا زعلك وأنا دايرني أمشي مع زول ما رضيان بي كلامي. إنت فاكر نفسك شنو واحد صعلوك وبس!
« ولولا أن تدخل أولاد الحلال وحسموا الأمر وهدأوهما لحدث ما لا يحمد عقباه الأمر الذي جعل الموظف ينزل مع عمه قبل أن يصلا إلى المحطة التي كان يجب أن ينزلا فيها » انتهت.
هكذا كانت تردنا ثقالات القراء.. لم نفعل سوى أن نغير مرتب الموظف ليلائم الوضع الحالي.. لكن الثقالة هي هي.. أليس اليوم أشبه بالأمس.. ويا خوفي من غد.
آخر الكلام:
لا توقفوا الركشات.. ولكن ألزموا سائق كل ركشة أن يزيل ما ركبه على عادمها من مفرقعات صوتية. حاربوا التلوث الضوضائي فإنه ضار بالصحة ويسبب التوتر.

محمد عبدالله الريح