حكايات النازحين الحزينة من (وادي كجا) و(أردمتا).. جودية (الرشياض وكرندنق)
هنا معسكر (كرندنق) للنازحين وتعني الكلمة بلغة المساليت إحضار الشيء إلى مكانه، أي تعني (جيبو هنا).. المنطقة بحسب ما يُحكى استشهد فيها (7) آلاف من فرسان المساليت في معركة حامية الوطيس ضد الغزو الفرنسي. في معسكر (كرندنق) الذي يرقد بين (وادي كجا) و(أردمتا).. عوامل الطبيعة هي الأخرى وقفت ضد النازحين المقيمين به، وزادتهم تشريداً حينما اندلع حريق هائل قضى على عدد من المنازل المشيدة بالمواد المحلية (القش والحطب)، ولولا لطف الله لتحول الأمر إلى كارثة إنسانية، تتناقلها وسائل الإعلام المحلية والدولية، لجهة أن المنازل بالمعسكر عبارة عن أكواخ لا تتعدى مساحة الواحد خمسة أمتار، ولكن القيم التي اكتسبها النازحون في حياتهم الطبيعية جعلتهم يتكاتفون ويتعاونون لمساعدة المتضررين في بناء منازلهم ومساعدتهم بالمواد الغذائية (الدخن والذرة)، وتعود الخطورة إلى أن هناك نازحين لا يمتلكون كروتا لصرف الإغاثة والمساعدات الإنسانية، علاوة على أن المنظمات العاملة في المجال الإنساني معظمها خرجت وتوقفت عن العمل، الأمر الذي ربما يزيد احتمالية تصاعد أرقام الموتى مستقبلاً في المعسكرات بسبب الجوع والمرض.
هنا ثمّة معاناة وحزن لم يبرحا وجوه المواطنين.. لردح من الزمان ظلّ الأسى يرسم بخطوطه الغليظة في قسماتهم وملمحهم كل معالم الشظف.. ألمت بهم صنوف الحياة وأقدارها وحولتهم من مواطنين منتجين، أعزاء، كرماء، يعيشون حياة طبيعية كغيرهم من مواطني بلادي، إلى (نازحين) يقبعون في معسكرات، الحياة فيها أسوأ بكثير من حياة السجون، لا شيء البتة هنا خلاف حكايات وقصص التشريد القسري، والموت بشتّى صنوفه.. المعسكرات تلك ظل قاطنوها يقبعون فيها لأكثر من عقد من الزمان.. معاناتهم خلال هذه الأعوام لم تخطر ببال أحد منهم على الإطلاق.. بحسب داود أرباب إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للنازحين بولاية غرب دارفور، فإنّ الولاية بها (27) معسكراً للنازحين حول مدينة (الجنينة)، حاضرة الولاية، يقدّر عدد النازحين فيها بأكثر من (288) ألف نازح، بخلاف المعسكرات الأخرى التي يقدر أنها تضم بين جنباتها أكثر من (186) ألف نازح.
* زيارة أولى
في أول بادرة من نوعها يبتدرها حزب سياسي، كانت قيادات المؤتمر السوداني تتلمّس أوضاع هؤلاء بولاية غرب دارفور الأيام الماضية، وهي الخطوة التي وجدت استحساناً من قبل الجميع، وأعلن الحزب وقوفه بشدة مع قضاياهم وحقوقهم المشروعة، وشدد على ضرورة وقف الحرب وتحقيق السلام والأمن والاستقرار ومعالجة الأوضاع الإنسانية، وعبر أعضاء وفد الحزب عن حزنهم الشديد لحال النازحين ومعاناتهم وشددوا على ضرورة تغيير الواقع الراهن للنازحين. الوفد الذي زار معسكرات النازحين ضم إبراهيم الشيخ رئيس الحزب والدكتور الفاتح عمر السيد نائب رئيس الحزب ومستور أحمد محمد الأمين السياسي وبكري يوسف أمين الإعلام وأماني حامد حسبو عضو المجلس المركزي والأمين العام لفرعية الفاشر وعدد من قيادات الطلاب والشباب، وتشير متابعات (اليوم التالي) إلى أن زيارة الحزب لمعسكرات النازحين تعتبر الأولى من نوعها على الإطلاق ولم يحدث لحزب سياسي أن قام بمثل هذه البادرة التي وصفها النازحون بالطيبة ووجدت القبول والترحيب الحار منهم.
* في الراكوبة وضل النيمة
في الجلسة التي عقدها الحزب معهم في (الراكوبة وضل النيمة) وجاءت وكأنها (جوديّة) اشتكى النازحون في معسكري الرياض وكرندنق، من سوء الأوضاع الإنسانية بالمعسكرات، وأشاروا إلى أن معظم المنظمات العاملة في المجال الإنساني أوقفت عملها في المعسكرات، كما اشتكوا من ضعف الخدمات الأساسية المتمثلة في (التعليم والصحة وخدمات المياه)، وطالبوا الحكومة أن تكون جادة في حل القضية بأسرع وقت ممكن، وانتقدوا دور السلطة الإقليمية لدارفور واعتبروه ضعيفاً تجاه قضايا وحقوق النازحين، وفي سياق النقاش المفتوح بين وفد الحزب ومشايخ المعسكرات اشتكى عدد من النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم بغرض الزراعة من اعتداء الرعاة المتكرر على مزارعهم، الأمر الذي اعتبروه عجل بعودتهم إلى المعسكر مرة أخرى بسبب عدم توافر الأمن واعتداءات الرعاة المتكررة على مزارعهم، وشكروا وفد المؤتمر السوداني على ما قام به تجاه النازحين واعتبروه مجهوداً كبيراً وسيحفظه لهم التاريخ.
* شوقي للبلد والأمان
“كنا مواطنين أحرارا نعيش حياة طبيعية لكن الحرب اللعينة جاءت بنا إلى معسكرات النازحين التي لا تختلف كثيرا عن الجحيم”.. هكذا ابتدر أيوب إسماعيل إبراهيم رئيس مشايخ معسكر (الرياض) للنازحين حديثه، وطالب الحكومة بتقديم المساعدات الإنسانية ومعالجة الأوضاع القائمة حاليا وتابع قائلاً: “نحن مشتاقون لمناطقنا التي نزحنا منها، وفي حال توافر الأمن والخدمات الأساسية، حتما سنعود اليوم قبل الغد”، وأشار إلى أن هناك مواطنين عادوا طوعاً إلى منطقة (كرتي)، وبعد أن تم الهجوم عليهم من قبل مجموعة مسلحة مجهولة عادوا إلى المعسكر مرّة أخرى.
* أن تأتي متأخراً
“أن تأتي متأخر خير من أن لا تأتي”، عبارة أطلقها إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني لنازحي معسكر (الرياض) الذي يقع بالقرب من مدينة (الجنينة) في سياق اعتذاره للنازحين عن تأخر الزيارة التي اعتبرها واجبا، وقال في لقاء مفتوح بين وفد حزبه ومشايخ النازحين في المعسكر إنّ الزيارة جاءت بغرض الوقوف على أحوال النازحين الإنسانيّة، وما يحتاجونه، بعيداً عن الكسب السياسي وتابع: “أنا حزين جدا لهذه الحال”، واعتبر وجود المعسكرات يمثل دليل أزمة، مؤكدا أن الحكومة أصبحت عاجزة عن حل المشكلة، وأعلن تبرع حزبه للنازحين الذين تضرروا من الحريق في معسكر (كرندنق) بمواد تموينية، وشدد على ضرورة وقف المعاناة، واعترف بتقصير حزبهم تجاه قضية دارفور والنازحين، واعتبر الزيارة تصحيحا للمسار، وفي ذات الاتجاه طالب الدكتور الفاتح عمر السيد نائب رئيس الحزب أن يكون صوت النازحين عاليا، وشدد على ضرورة انتزاع الحقوق، ونبه إلى عدم ضياع حقوق النازحين بين أحزاب الحكومة والمعارضة.
حسرة وندم وتحذير
بحسرة وحزن عميق قال: “نحن أصحاب المعاناة الحقيقيون رغم أننا أصحاب البلد الأصليون لكننا أصبحنا مثل الأجانب وأسوأ منهم”.. هكذا ابتدر محمد إبراهيم ممثل الشباب بمعسكر (كرندنق) حديثه في جلسة النقاش والحوار، وحذر من تفاقم الأوضاع وأضاف قائلا: “إذا استمر الأمر بنفس الكيفية يمكن أن نفكر في خيارات أخرى” – لم يفصح عنها.. مؤكدا عدم ارتياحهم للبقاء في المعسكر، وأكد حاجتهم للسلام والاستقرار والمساعدة في العودة إلى مناطقهم الأصلية بعد توفير الأمن والخدمات الأساسية بها، وأشار إلى أنه خلال العشرة أعوام الماضية لم يأتهم حزب للنقاش معهم في قضاياهم المصيرية بخلاف حزب المؤتمر السوداني.
* المؤمن مصاب
بسبب الحرب التي شهدها إقليم دارفور وقعت شتى صنوف المأساة والكوارث وفقد النازحون خلالها كثيرا من أهلهم وممتلكاتهم في تلك الأحداث، الأمر ذاته دعا داود أرباب إبراهيم رئيس اللجنة العليا للنازحين بولاية غرب دارفور أن يبتدر حديثه بعبارة “صحيح المؤمن مصاب ومبتلى”، ومن ثم يمضي في حديثه قائلا “إنّ الإنسان الذي يعتبر أعظم المخلوقات أصبح أرخصها ويقتل بشكل بسيط وليست له قيمة”، مشيرا إلى الأحداث التي وقعت في منطقتهم التي نزحوا منها بسبب الحرب التي جعلتهم يتركون الجثث تبقى لفترة عام كامل في العراء كي ينجوا من الموت، ووصف ما حدث لهم بأنه امتحان، وتمنى أن يتغير الواقع، فيما حكى الشيخ إبراهيم آدم محمد المأساة التي لحقت بهم جراء الحرب وأبان أن 70% من سكان المعسكر مصابون بالرصاص في الأحداث التي أودت بهم إلى معسكر (كرندنق).
* صدمة وخيبة أمل
النازحون الذين يقطنون في معسكر (الرياض وكرندنق) أصيبوا بصدمة وخيبة أمل في اتفاقية (الدوحة) والسلطة الإقليمية لدارفور التي وصفوها بأنها انصرفت عن أهدافها وأصبحت تقوم بالاحتفالات والكرنفالات والمؤتمرات غير المجدية ولن تقدم شيئا في القضية والملفات الأساسية، وقالوا إنّهم رحبوا بالاتفاق الذي اعتبروه لم يغيّر شيئاً في الواقع وظل كما هو، وانتقد النازحون بشدة الدكتور التجاني سيسي رئيس السلطة الإقليمية وحيدر قالوكوما والي غرب دارفور الذي استقبل استقبالاً شعبياً حاشداً لم يحدث في تاريخ الولاية على الإطلاق، وسط فرحة عارمة، ولكنه خيّب أملهم بحسب النازحين الذين تحدثوا، وأشاروا إلى أن الرجلين حتى الآن لم يزورا معسكرات النازحين رغم أنهما وقعا على اتفاق (الدوحة) باسم النازحين، لكنهما لم يفعلا لهم شيئا على الإطلاق.
* صفحة جديدة
حزب المؤتمر السوداني بحسب أعضاء وفده الذين اقتحموا معسكرات النازحين بولاية غرب دارفور (الرياض وكرندنق) أعلن بداية صفحة جديدة مع النازحين والتعبير بشكل فعلي عن حقوقهم وطرح حلول ومعالجات لقضاياهم المطلبية المشروعة، وأعلن وفد الحزب فتح حوار مع النازحين وخلق علاقة جيدة معهم لمعالجة القضية بشكل عام وتعزيز التعايش السلمي والاجتماعي، كما تحدث أعضاء الوفد عن الحرب وسلبياتها وإخفاقات الحكومة المركزية وقطعوا بأن علاقة حزبهم بدارفور لن تنتهي وللأبد واعتبروا القضية مركزية وأساسية ومحورية بالنسبة لهم وتعهدوا بتصعيدها
عبدالرحمن العاجب:صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]