الابتزاز ….طاعون العصر
«الصحافة» تسلط الضوء.. عبر المشاهد الحقيقية التالية:
مشهد متكرر
خرجت «هـ» مع خطيبها «ع» لحضور زفاف صديق الأخير، وبعد نهاية المناسبة وفي الطريق تم ايقافهما من قبل اشخاص اكدوا انهم ينتمون لاحدى القوات النظامية دون ابراز ما يدل على هويتهم واخذوا يطلقون الاتهامات والتوعدات مع الالحاح على الذهاب لقسم الشرطة وبالرغم من توسلات وبكاء الفتاة وايضاح الشاب لهم الاسباب بجانب صلة الفتاة به ولا يريد ان يتم التعرض لشرفها وسمعتها وحاول مناقشة الامر دون اللجوء الى القسم لأن الأمر لا يستدعى ذلك، تم التعرض له بالضرب والاهانة وعندما طلبت الفتاة ترك خطيبها وأخذهم إلى القسم أو أخذ ما يريدون حينها طلبوا مبلغا ماليا للافراج عنهم وتم ذلك وسط زهول الخطيبين.
و… غريب
نسبة لظروف الغربة اضطرت بعض الطالبات الجامعيات في تخصصات مختلفة لايجار داخلية خاصة بأبناء المغتربين دون التقيد بزمن الخروج، مع العلم بأنهن قادمات من دول مختلفة في العادات والتربية والدراسة واللغة، وصادف وجود الداخلية التي تقع في منطقة شرق النيل بالقرب من كافتيريا راقية تعودن على زيارتها للدردشة والطعام وغيرها من الجلسات الخاصة، وتفاجأن بوجود افراد نظاميين درجوا على ترهيب الفتيات وابتزازهن لأخذ كل ما له قيمة عينية أو مالية وعند الرفض يتم تهديدهن عبر أخذهن لأماكن لا يصلها بشر، واستمر الحال عدة أشهر مما دعاهن للانعزال والخروج في جماعات وبعضهن قمن بتغيير الموقع خوفاً من المجهول.
و.. مرعب
لم يشك المواطنون يوماً في ان ما يتعرض له ابناؤهم من مضايقات في الشارع العام ومن ابتزاز يمارس فيه جميع انواع الترهيب والتهديد تقوده مافيا «النيقرز» التي نقلت نشاطها من الولايات الجنوبية إلى داخل ولاية الخرطوم في منطقة الحاج يوسف بصفة خاصة، وظل الفهم السائد أن الذين يقودونه مجرد لصوص اجبرتهم ظروفهم المعيشية على انتهاج السطو وسيلة لكسب المال لكن آخر الضحايا الطالبة «س.ن» أكدت ان الذين يقومون بالابتزاز مافيا النيقرز التي تعرفت عليها من خلال اللبس والاكسسوارات والتصرفات والتعابير وتعرضت «س» للضرب نتيجة رفضها الخضوع للابتزاز عن طريق أخذ هاتفها وما تملك من مال، وعندما استغاثت بالمواطنين تفاجأت بعدم هروب العصابة كما اعتادت بل أكدوا ان الفتاة قامت بإهانتهم واستفزازهم وتصرفهم جاء رداً لأخذ احترامهم وعندها ثار المواطنون في وجه الفتاة وعاقبوها على قلة احترامها للآخرين دون معرفة الحقيقة واكتشف الجميع اختفاء العصابة بعد فوات الأوان.
و… مأساوي
تعودت «م.ح» ذات الستة عشر ربيعاً على الذهاب إلى المدرسة لوحدها نسبة لبعد منازل صديقاتها عن الحي الذي تسكنه، وتعودت على قطع المسافة التي تفصلها عن المدرسة وسط المقابر في منطقة بالقرب من قسم الشرطة ظناً انها مكان آمن، وذات يوم اضطرت للخروج متأخرة من المنزل لظروف والدتها الصحية وكعادتها مرت بالقسم بزي المدرسة المعروف حينها تعرض لها شرطي وأخذ يطرح الاسئلة جاية من وين؟ كنتي وين؟ مع منو؟ وأخذت تجيب عن الاسئلة لتجنب التأخير أكثر عن دراستها وتفاجأت بانضمام شخص آخر للشرطي وطلب مواصلة الحديث داخل «الكبسولة» ورضخت للأمر وتم تهديدها بفتح بلاغ في مواجهتها بحجة ضبطها في موقف مخل بالآداب مع شاب آخر اذا اعترضت على الاعتداء عليها، وتم ترهيبها نفسياً حتى أخذوا ما يريدون منها وأطلق سراحها بعد ان تأكدوا انها ستكتم الجريمة ولم تستطع «م» كتم الموضوع أكثر من يومين بعدها قامت بخط الحقيقة على ورقة وذلك بعد فشلها في افشاء الحقيقة ومواجهة أسرتها، ثم فارقت الحياة واضعة حداً لمعاناتها ولم يتم التعرف على الجناة حتى اليوم…
و… مفاجئ
استأذن عثمان باكراً من عمله في احدى الشركات الخاصة على غير العادة بحكم ان اليوم عطلة العيد وعليه التزامات تجاه أسرته الصغيرة وفي طريقه لقطع كبري المك نمر أوقفته فتاة مليحة «منقبة»، وظن ان الأمر عادي بغرض التوصيل ولكن في منتصف الطريق تفاجأ بخلع الفتاة لملابسها ولن تستر نفسها اذا لم يدفع مبلغا ماليا أو الذهاب معه إلى حيث يريد، واذا رفض ستسبب له فضيحة وهددته بالصراخ في حال توقف. لم ينطق عثمان بكلمة من اثر الصدمة وعندما استوعب الموضوع أكد لها انه لا يملك سوى «خمسين جنيهاً» بعد ان اقسم بذلك، وأخذت المال وسترت نفسها دون تعليق وطلبت منه ان يتوقف لتخرج من السيارة واقسم بعدها عثمان على ألا يأخذ امرأة معه حتى اذا كانت والدته…
شخصية مريضة
توجهت إلى رئيس قسم علم النفس جامعة النيلين د. اسامة الجيلي لمعرفة مدلول الشخصية «المبتزة» التي أكد انها سلوك مرتبط ارتباطا مباشرا باتجاه معين من الشخصيات السيكوباتية – الانانية – المريضة عبر عوامل مساعدة ودائماً ما تستخدم قدرات معينة ومحددة لتمويه الحقائق والوصول الى غايات شخصية جداً في الغالب، وهذه الغايات تتقاطع مع القيم والاخلاق والدين فقد نجد ان الذي يمارس الابتزاز يستفيد من بعض خصائصه وقدراته ففي الجانب العاطفي اذا كانت «فتاة» قد تستغل امكانيات جمالها الجسدي أو أية مزايا أخرى. أما في الجوانب الاقتصادية والمالية اشار د. اسامة لـ «الصحافة» الى ان الذين يمارسون الابتزاز يمتازون بخصائص وقدرات عقلية موظفة في الجانب السلبي. بمعنى ان الشخص «المبتز» على معرفة بالضحية ووفقاً لهذه القدرات التي يمتلكها يتغلب على هذه الضحية مستخدماً الاساليب المشروعة وغير المشروعة في الايقاع بها دون مراعاة لأية قيود أو التزامات اخلاقية. واشار الى ان اخطر انواع الابتزاز هو ان تستخدم الآخرين أو الضحية بضعفه وهناته «ثغراته» بمعنى أن بعض الذين يمارسون الابتزاز يتصيدون في المياه «العكرة» وهي أفضل بيئة يعيش فيها الشخص المبتز. وزاد د. الجيلي انه اذاربطنا المسألة بالجانب السياسي نجد ان اجهزة المخابرات العالمية تمارس الابتزاز بخطط ودراسات محكمة واستناداً على ذلك يضعون الاساليب التي من خلالها يصلون إلى الضحية. وقال ان الشخصية المبتزة دائماً ما تصطاد الاخطاء القاتلة عند الآخرين واذا علموا بها يمكن ان تشوه «وتطمس» شخصية الانسان نهائياً واذا أردنا ان نعالج الشخصية «المبتزة» المريضة علينا ان نعرف الدوافع الاساسية التي تدفعها لممارسة المهنة غير الاخلاقية التي تنشأ من الفراغات القاتلة والخواء الروحي لتخرج هذا السلوك غير السوي.
جريمة نهب..
وجريمة الابتزاز كما اشار لها المستشار القانوني معتصم الأمير يمكن ان تتحول إلى ما يعرف بجريمة النهب، وذلك اذا كان الجاني حاضراً عند ارتكاب الابتزاز مع الشخص الذي حصل تخويفه ويرتكب الابتزاز بتخويف ذلك الشخص بموت عاجل أو بأذى عاجل أو بحجز عاجل غير مشروع يصيبه أو يصيب شخصاً آخراً، وبذلك يحمل الشخص الذي حصل تخويفه على تسليم الشئ الذي ابتز منه، ويمكن اذا ارتبط الابتزاز باستخدام القوة وقيامه بجريمة السرقة أو السرقة الحدية مع استعمال القوة الجنائية أو التهديد بها عند الشروع في الجريمة أو اثناءها أو عند الهرب.
وفي وجهة نظر معتصم الامير ان الاشكال القانوني لفتح البلاغ ضد الشخص الذي يقوم بهذه الجريمة يمكن ان يندرج في ناحية صعوبة اثبات هذه الجريمة التي غالباً ما تتم بعيداً عن أعين الناس وبين شخص له مصلحة معينة لدى شخص معين، ويقوم هذا الشخص بتقديم عرضه الذي يتمثل في مقابل مادي أو عيني في مقابل القيام بهذه المصلحة أو عدم وقفها ولذلك فالاشكال القانوني ان الشخص الذي يبتز يكون حريصاً على الابتعاد عن أعين الناس بتقديم عرضه وبذلك يجد من ثم في مواجهته الابتزاز بلا سند قانوني اذا قرر فتح أي بلاغ وباعتبار انه اذا قام بفتح البلاغ ولم يتمكن من اثبات جريمة الابتزار يكون مواجهاً هو نفسه بجريمة الاتهام الكاذب أو اشانة السمعة.
والشئ الآخر الذي قد يكون سبباً في عدم وصول كثير من جرائم الابتزاز للجهات العدلية كما أوضح المستشار القانوني ان الشخص الذي يقدم له عرض الابتزاز في الغالب ومن أجل تحقيق مصلحته يقبل بالعرض المقدم له وبذلك يكون شريكا في الجريمة وليست له مصلحة في الذهاب بها الى الجهات العدلية لانه في هذه الحالة يكون الشخص الذي استجاب للابتزاز عرضة لانتهاك احكام المادة «88» من القانون نفسه والتي تعرف بجريمة الرشوة والتي عرفها القانون بأنها تقع على من يعطي موظفاً عاماً أو مستخدماً لدى شخص آخر أو وكيلاً عنه أو يعرض عليه أي جزء من أي نوع، لحمله على اداء خدمة له مصلحة فيها أو إلحاق أي ضرر بأي شخص آخر بما يخل بواجبات وظيفته أو أي عطية أو مزية في ظروف يكون فيها ذلك التأثير، على الموظف العام أو المستخدم أو الوكيل، نتيجة راجحة.
فاطمة صباحي :الصحافة [/ALIGN]