الزفة عبر هيثرو
مرة أخرى حلفت زوجتي بالطلاق أن تزغرد في مطار هيثرو قبل ركوب الطائرة المتوجهة إلى الدوحة، وخوفا من أن «تعملها» اخترت رحلة عبر مطار غاتويك، فقالت إنها ستزغرد حتى لو ذهبنا إلى ميناء للسفر إلى قطر بحرا، فعدت وعدلت الحجز بالطائرة عبر هيثرو، من منطلق «بايظة، بايظة»، واتصلنا بمكتب لتأجير السيارات ليأتينا بواحدة تستطيع نقلنا مع تلال من الحقائب إلى المطار، فأتانا رجل بسيارة «ستيشن» التي تتسع لنحو ثمانية ركاب وخلفها مقطورة (تريلر) صغيرة، وفي السودان يسمون التريلر تلك «تريللا»، لأنهم أخذوا الكلمة عن حكامهم البريطانيين، الذين لا ينطقون «الراء» في أواخر معظم الكلمات، تماما مثل ما يفعلون مع المصريين مع كلمة بوستة المأخوذة من كلمة بوست الإنجليزية التي تعني «البريد».
كان «منظرنا» ونحن نشق طريقنا نحو المطار عجيبا، فالتريلر كان عبارة عن صندوق مكشوف بعجلتين (إطارين)، يئن تحت ثقل الحقائب، ويتأرجح، وأنا أصيح في السائق ويدي على قلبي خوفا من سقوط إحداها: حاسب يا مستر!! ولكن الست هانم كانت في حالة «جذب صوفية»، وعلى وجهها فرحة عروس بالزفة.. ربما تذكرت أنني لم أسافر بها خارج السودان في شهر العسل: منين يا حسرة وأنت تعرفين أنني صرت ع الحديدة بانتهاء مراسيم الزواج (وأقول لعرسان آخر الزمن الذين سيبتسمون استخفافا بزواج ليس فيه شهر عسل في بلاد بره، إنني على الأقل دخلت حقل الزواج الملغوم بالطقوس والمراسيم، وخرجت منه بلا مديونية.. لا قرض ربوي ولا مرابحاوي).
ووصلنا مطار هيثرو، واستولينا على عدد من عربات اليد، يكفي عشرين مسافرا، فالعرب والعربيقيون (عرب – أفارقة) يعجبوك في المطارات.. ذات مرة وصلت مع أم الجعافر مطار القاهرة، ووقفنا أمام السير الكهربائي في انتظار حقائبنا، وسمعتها تصيح: انتبه.. شنطتنا ظهرت، واقتربت منا الشنطة وفجأة: بووووم.. انفجرت والله العظيم، كانت المسكينة فيما يبدو تئن طوال الرحلة مما حشوناه في أحشائها، فقررت إحراجنا أمام مئات الناس، وتقدم عامل مصري شهم وحملها بـ«مصارينها» المتناثرة، وأتى بحبال لإحكام إغلاقها، فأخذت موظفا بالجمارك بنا شفقة، ووضع عليها إشارة أنها خضعت للفحص والتفتيش، وطلب من العامل أن يحملها ويخرج بها من المطار… وبعدها «توبة».. أي شنطة يجب ان تنغلق بسهولة وسلاسة، ولا أغادر البيت في حالات السفر إلا وأنا متأكد من ان وزن حقائبي في الحدود التي تسمح بها شركة الطيران، أو كم سيتعين علي دفعه نظير الأمتعة «الزائدة»، وقد تعلمت من كثرة الأسفار أمرا في منتهى البساطة والبداهة: إذا كنت تصطحب معك أمتعة ذات وزن ثقيل سيكلفك مبلغا طائلا مهما تباكيت وبكشت لموظفي «الميزان»، فلماذا لا تريح نفسك، وتسافر على الدرجة الأولى حيث هامش الحمولة المسموح بها كبير، يعني بدلا من أن تدفع مبلغا كبيرا نظير الأمتعة، ادفع نفس المبلغ وربما أقل منه لتسافر وأنت «متستت» على الدرجة الأولى، وتحظى بابتسامات طوال الرحلة، بينما قد تدفع مبلغا متلتلا نظير الأمتعة، وتسافر على الدرجة السياحية وتطلب كوب ماء فتقول لك المضيفة: معليش الزير فاضي.. كلها خمس ساعات وتشرب في بيتكم (وقد لا تقول «إن شاء الله»).. هناك شركة طيران عربية يقوم المضيفون والمضيفات بإعداد مشروب التانج «امامك»، على عينك يا تاجر، ويوزعونه على الركاب من قوارير ماء بلاستيكية في أكواب ورقية يوحي شكلها بأنها «مستعملة» ولا تعرف هل جمعوا تلك القوارير من مقلب القمامة في مطار ما، أم أنهم يحملونها معهم في كل رحلة، مما يعني ان القارورة الواحدة قد تقطع خمسين ألف ميل المهم خلونا في هيثرو.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]