مبادرة الميرغني وُوجِهت برفض عنيف -دون تروٍ أو نظر
وبصرف النظر هنا عن تفاصيل المبادرة، أو موقف القوى السياسية -حاكمة ومعارضة- منها فإن مجرد النظر بإمعان فى مستقبل الحراك السياسي فى السودان ومحاولة وضع أطر عملية له، هو في حد ذاته عمل مطلوب ولا غبار عليه،إذ أن الأمر هنا لا يتعلق بما إذا كانت أطر هذه المبادرة محل اتفاق أم محل اختلاف بين القوى المعنية بها، ولكن من المؤكد أن البحث عن آفاق جديدة لخير هذا البلد هو دون شك خطوة جيدة للأمام .
ولعل الغريب هنا أن المبادرة وُوجِهت برفض عنيف -دون تروٍ أو نظر- من قبل تحالف قوى المعارضة وقال القيادي فى التحالف كمال عمر إن رفضهم لها -رغم عدم توفرهم على دراستها- قائم على فرضية عدم نصها على إسقاط النظام!
وجه الغرابة هنا أن المبادرة لو كانت من الأساس (دعوة لإسقاط النظام) فهي بلا شك لا يمكن وصفها بأنها مبادرة! لأن المبادرة هي رؤية سياسية شاملة ومتكاملة تأخذ فى الاعتبار ما قائم على الأرض وتحدد ما هو ممكن دون إقصاء طرف أو التقليل من شأن طرف؛ ولهذا لا يستقيم عقلاً بالطبع أن يخط قيادي أو سياسي مبادرة تهدف الى إسقاط نظام ما!
ولو كان كمال عمر يشتهي مبادرة كهذي فإن الرجل الآن قيادي فى حزب معارض، وتحالف المعارضة عمره عقد من الزمان فلماذا لم يقدم حزبه وتحالف المعارضة الذين ينتمي إليهما مبادرة لإسقاط النظام؟
لقد ظللنا طوال السنوات الماضية نسمع فى كل محفل يتحدث فيه قادة التحالف (عن قرب) إسقاط النظام ثم ما تلبث أن تجري مياه كثيرة وكثيرة جداً تحت الجسر، وتتقلب السنوات وتطول السنوات وكمال عمر يعيد ويردد ذات مبادرته المهيبة.
إذا كانت السياسة كما يفهمها الجميع -باستثناء تحالف المعارضة- هي فن الممكن فإن المبادرة المطروحة يمكن قراءتها فى هذا السياق، فإما أن جزء منها أو جلها قابل للقبول والتنفيذ أو أنها غير قابلة للتنفيذ بحسب ما تخرج به رؤى الذين تلقوها؛ أما أولئك الذين ظلوا يصمون آذان الناس – صباح مساء- بقرب سقوط النظام ويمارسون (فن المستحيل) فإن من المؤكد أنهم لن يقبلوا بمبادرة تسحب البساط من بين أرجلهم حيث ظلوا يقفون فى مكانهم الواحد هذا منذ عشرات السنين بلا حراك.
من الطبيعي أن من يقف فى (محل واحد) غير قادر على التقدم إلى الأمام ولو شبراً لا يقبل ولا يمكنه أن يقبل بسحب البساط الذي يقف عليه من تحت أرجله.
سودان سفاري
[/JUSTIFY]