هنادي محمد عبد المجيد

العصفور المغامر‏

العصفور المغامر‏
السماء خالية من العصافير ، صفحة السماء زرقاء صافية والنهار يتلألأ كفضة ، هذا هو وقت جد العصافير ، وكلها غادرت المدينة إلى الحقول المجاورة إلّا ذلك العصفور اللطيف الذي جاء يسير على الأرض بجوار مقعدي في الحديقة ،، أشبه بطفل صغير يتعلم المشي ويتعثّر ، لكن في الوقت نفسه فخور جداً ، متى جاء العصفور دون أن أشعر به ؟ لا أدري .. أرنو إليه ، يقفز قفزات صغيرة متتالية وهو يتأمل الأرض بعناية ، الحديقة شبه مهجورة في هذا الوقت من الشتاء ، لذلك فهو يمشي بحُرّية . يبدو مغامراً بشكل ما ومتهوراً أيضاً ، أمه قالت له إنّ الأرض خطرة وفيها الكثير من الكائنات المُعادية .. لا بد أن أفكاراً كهذه دارت في رأسه الصغير و لا بد أنه قال أيضاً لنفسه :” ماما مُبالغة جداً ، الأرض مأمونة وخالية تقريبا من البشر ” .. تمنيت لو كان معي نظارة مُقرّبة لتكون الرؤية أوضح ، لا أستطيع الإقتراب كثيراً ، فحاسة الخطر لدى العصافير عالية جداً ، مرّة تركت مقعدي لأقترب من عصفور في حذر ، فطار بسرعة خاطفة .
أيها العصفور لا تخف ، ألم يُخبرك قلبك الصغير الذي يدق مائتي دقة في الدقيقة أنّي .. أحبك ؟! .. لا أستطيع تحويل نظري عن تأمل ظرفه وطرافته ، أعرف أنها مجرد ثوان معدودة يضيق بعدها العصفور بحياة الأرض المُمِلّة وبالقفزات الصغيرة المتلاحقة فيطير إلى السماء المفتوحة بلا حدود .. لكن ربما كان هذا العصفور مُختلفاً عن سائر العصافير ، ومنذ أن صار للطيور أجنحة منذ مائتي مليون عام والطيور لم تفكر في العودة إلى الأرض أبداً ، إنها مزدحمة وخطرة .. لكن عصفوراً واحداً قال لنفسه : ” لماذا لا أُجرب ؟ ” ، الثواني تمر والدقائق تتوالى والعصفور يسير على الأرض مخالفاً كل تقاليد الطيور .. أيها العصفور الرائد الذي يصنع التاريخ في تلك اللحظة ، هل لدى العصافير حُلمها في الأرض يُماثل حلمنا في الفضاء ؟ هل ضِقت بالرحيل المستمر ؟ هل تحسد الأشجار ؟ وتحن لذكريات مائتي مليون عام خلت بغرائز غامضة حينما كان أجدادك يسيرون على الأرض قبل أن تنبت لهم أجنحة ؟
إشرح لي أيها العصفور .. خذ حذرك ، قط غادر يتسلل خلفك ، بهدوء قاتل يقترب ، لن أقلق فأنا أعرف أن غريزتك مُرهفة وستنقذك في اللحظة الأخيرة ، حتى لو كان القط صياداً متمرساً عبر ملايين السنين .. القط يقترب أكثر والعصفور يشعر بالخطر وينظر في حذر نظرة جانبية متوترة .. طر أيها الأحمق ، هذا ليس وقت إثبات الشجاعة ولا صناعة التاريخ ! ، القط على بُعد خطوات منك فلماذا لم تطر ؟ !، الذعر واضح في حركاتك المضطربة وتراجعك الغريزي ، فلماذا لم تطر أيها العزيز المجنون ؟ .. كانت نفس اللحظة التي وثب فيها القط عليه هي تلك التي أدركتُ فيها أنّ العصفور لم يكن يمشي على الأرض الخطرة ، إلاّ ، لأن جناحه مكسور

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]