هنادي محمد عبد المجيد
مُحمد ( نور وكتاب مبين ) 5
رأى رسول الله أن كِبار رجلات قريش بداخلهم عناد متأصل ، وأنهم أصحاب جاهلية ، إلا أنّه أحس بفراسة النبوة ، أن طرفاً من هؤلاء الرجال لديهم إستعداد قلبي لقبول الدعوة بالتسليم والإيمان ، وهم أصحاب نفوس كبار تعرف الحق وتحترم القِيَمْ ، وتتوق إلى معرفة الخالق الواحد الأحد ، يُحبّون العدل والرحمة ، وتاريخ معاملاتهم يؤكد هذا الإستعداد النفسي لقبول الدعوة إلى الله ، وقد أدّب الله رسوله وجعل منه الشخصية التي تستطيع أن تستوعب كل هذه الجهالات ، وتذوب فيها ْصخور العناد وتتفتت ، وتنهد جبال القسوة بما وهبه الله من رحمة مَحَتْ غِلظة نفوسهم وحوّلتها إلى أعلى معاني الحب والتسامح والإيثار [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللّهِ لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لَأنْفَضّوا مِنْ حَوْلِكْ ] آل عمران ١٥٩ .
يقول أبو هريرة قام رسول الله حين أنزل الله عليه :[ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبينْ ] الشعراء ٢١٤ ، فقال : { يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم لا أُغْني عنكم من الله شيئاً ، يا صفية عمة رسول الله ، لا أُغني عنك من الله شيئاً …} لقد أعلنها رسول الله صراحة بلا مُجاملة ، إذ لا مُجالمة في العقيدة حتى ولو كان الأبناء والأهل والعشيرة ، وحتى لو أدى ذلك إلى أن يقطع رسول الله السبيل أمام تأثير وشائج الرّحِم في هذا الأمر ، لذلك تعرّض الرسول لخصام السفهاء والكبراء من مكة وأولهم عشيرته الأقربون ، وبدأت موجة الإستنكار في الغليان ، وكان على الرسول ومن معه مقابلة هذا اللدد وذلك العناد بمنتهى اللطف والعقل والثبات ، وقد ثبت النبي ومن معه في الدعوة بصورة تغار منها الجبال الرواسي .. ولقد رأت قريش أن تسلك مسلكاً آخر ، فعرضتْ عليه من الدنيا ما يشاء مع التحذير من المخالفة ؛ فقد أرسلت عتبة بن ربيعة رجل المفاوضات الهادئة فقال للرسول صلى الله عليه وسلم : ” يا ابن أخي ، إنك منّا حيث علمت من المكان في النسب ، وقد أتيتَ قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم فاسمع مني ، أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منّا بعضها ، فقال له رسول الله :{ قل يا أبا الوليد .. أَسْمِعْ } قال : يا ابن أخي ، إن كنت تريد بما جئت به مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كن تريد شرفاً سوّدناك علينا فلا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد مُلكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ ” ، فلما فرغ من كلامه تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول سورة فُصّلت :[ حَم ، تَنْزيلٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمْ ، – فَإِنْ أَعرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمودْ ] وهي آيات وضّحت أنها آيات من تنزيل الرحمن الرحيم فُصّلت لقوم يعلمون ،، وأنه بشرٌ مثلكم وبشير ونذير ، إلا أن الكافرين قد أعرضوا وأغلقوا قلوبهم وأصمّوا آذانهم لكن عليهم أن يعلموا أنّما إلاههم إلاهٌ واحد ، فعليهم أن يستقيموا ويستغفروا ، وويل لهم إن كفروا أو أشركوا وإن أعرضوا ، فهذا نذير لهم بين يديه صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، فقام عُتبة من عنده وكأنه هالك بتلك الصواعق في لحظته تلك ، وقال لهم : دعوا محمداً وشأنه هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]