هنادي محمد عبد المجيد

مُحمد ( نور وكتاب مبين ) 4‏

مُحمد ( نور وكتاب مبين ) 4‏
يقول ابن حجر عن التّحَنُّثْ :” هو بمعنى يتحنّف ، أي يتّبع الحنيفية ، فقد كان النبي يُعد من قِبل الله ويوجهه ليتجهز لإستقبال أعظم رسالة ، فقد حبب الله إليه الخلوة والتأمُّل في عظمة المُلك وعظيم الصّنعة ، وفي رحابة هذا الكون مُترامي الأطراف ، وفي جلال القُدرة وعلو التدبير وكان يُسبّح بحمد الخالق ويخلو بنفسه عن ظلم قومه وظلماتهم بعيداً عن آلهتهم تلك الطواغيت التي لا تُغني ولا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً ولا تملك شيئاً ، فتجلو نفسه وتخلو من علائق الشياطين وتمتلئ بالأنوار ويترقى في مدارج الإعداد ، وتقوى همّته وتشتد عزيمته ، وتؤكد له الإرهاصات أنّه نبي الأمة الخاتم وعلي كاهله سيحمل أعباء الرسالة للعالمين ، تحدوه عناية الله وتمنعه عصمته وتشمله رحمته .
ورد ذكر الوحي في اثنتان وثلاثون سورة ، وقد جاء بالفعل الماضي المبني للمعلوم في ٣٠ آية ، وبالفعل الماضي المبني للمجهول في ١١ آية ، وبالفعل المضارع المبني للمعلوم في ١٣ آية ، وبالفعل المضارع المبني للمجهول في ١٥ آية ، وبالمصدر في ٦ آيات ، فيكون مجموعها ٧٥ آية ، وبحذف المكرر منها تكون جُملة الآيات التي ورد فيها لفظ الوحي فعلاً أو مصدراً سبعين آية على التحديد .. وتحديد الوحي الخاص بالأنبياء بيّنه الله تعالى في قوله :[ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلّمَهُ اللّه إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابْ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءْ إِنّهُ عَليٌّ حَكِيمْ ] الشورى ٥١ .
ـ كان أول أشكال الوحي : الرؤيا الصادقة ، وهي من الله خاصّة ، وقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ستة أشهر .
– الصورة الثانية من الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي : الإلقاء في الروع ، يقول عليه السلام :{ إنّ روح القُدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية ، فإن ما عند الله لا يُطلب إلا بطاعة } .
– ظهور المَلك رجلاً عياناً ، حيث كان يأتي الملك في صورة بعض الصحابة مثل دُحية الكلبي ، ومثال ذلك الحديث الذي كان يسأل فيه جبريل الرسول عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة ، وقد جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في وسط الصحابة ليسأله عن الموضوعات السابقة ، وهو في صورة رجل شديد بياض الثوب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ، وبعد أن انتهى من أسئلته للرسول – التي كانت مُجرّد وسائل لإيضاح معالم الدين وأركانه – قال الرسول للصحابة في صورة سؤال بياني : { أتدرون من السائل ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال لهم : إنه جبريل أتاكم يُعلّمكم دينكم } .
– صلصلة الجرس : وكانت أشد الحالات ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتفصّد عرقاً في اليوم الشديد البرد ، وتَبْرُك راحلته إذا كان راكباً عليها وكان ينزل عليه الوحي مرّة وفخذه على فخذ سيدنا زيد بن ثابت ، فأحسّ سيدنا زيد أن رِجله تكاد تَرُضْ من ثِقل ما عليها .
– أن يرى المَلك على صورته التي خلقه الله عليها .
– الوحي عند سدرة المنتهى ليلة المعراج .
– تكليم الله للنبي بلا واسطة مَلك ، كما كلّم الله موسى بن عمران وهذه الحالة ثابتة بنص القرآن ، وثابتة في حديث الإسراء .
كانت العناية الإلاهية تربية لمستقبل العالم الإنساني كله ، فكان ربانياً في كل حركة يتحركها ، هكذا كانت دلائل النبوة تقترب حتى تكلّم الحجر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلّم عليّ قبل أن أُبعث إني لأعرفه الآن } .. مما يوضح أن الله جلّ شأنه أكمل للنبي محمد الجو النفسي وقرّبه إليه يوم الوحي بدلائل خاصة كان منها تسليم الحجر ، ثم كان منها الرؤيا الصالحة في النوم .
ثم فتر الوحي أياماً الأرجح أنها أربعون يوماً ، ذلك أنّ الرسول لمّا فاجأه جبريل فأُصيب بالخوف وقد غطّه ثلاث مرات حتى بلغ منه الجهد – غطّه : أي ضمّه – ، ولعل الوحي قد فتر ليهدأ روع الرسول صلى الله عليه وسلم وينقشع عنه الخوف ، ثم تنبُت شجرة الشوق وتمتد أغصانها طالبة شمس الوحي مرّة أخرى ” فمن ذاق عرف ” والذي قطع عنه الوحي هو خالق النفوس وهو المربي والمؤدّب له صلى الله عليه وسلم :[ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهَوَ اللّطيفُ الخَبِيرْ ] فبعد أن هدأ الروع وذهب الرعب وتبدد الخوف ، عاد وتذكر حلاوة اللقاء واشتاق إلى أنوار الوحي ،، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن جابر الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدّث عن فترة الوحي فقال :{ فبينما أنا أمشي سمعتُ صوتاً من السماء فرفعتُ بصري فإذا المَلك الذي جاءني بحِراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبتُ منه رُعباً حتى هوَيتْ إلي الأرض ، فجِئتُ أهلي فقلت : زمّلوني زمّلوني ، فزمّلوني ، فأنزل الله تعالى [ يَأَيّها المُدّثرْ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبّكَ فَكَبّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ ، وَالرّجْزَ فَأهْجُرْ ] ثم حَمِيَ الوحي وتتابع
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]