المبيدات الزراعية متهم.. حتى تثبت براءته
—-
سلاح ذو حدين
المبيدات الزراعية، في عرف الخبراء سلاح ذو حدين يساعد على التنمية الاقتصادية، وفي الجانب الآخر سلاح فتاك يقضي على الحرث والنسل.. ولخطورتها انشأ لها كيان يعمل على الضبط، وتفادي استعمالاتها الضارة للبيئة.
وبما ان السودان يعتمد على الزراعة كمورد اساسي للاقتصاد الوطني، ولتقنين العملية الزراعية بدأ استخدام المبيدات الكيماوية في اواخر الثلاثينيات بمشروع الجزيرة، وقد استدعى التوسع في المشاريع الزراعية الى استيراد انواع من المبيدات المختلفة.
بدأ استخدام المبيدات الكيمائية في السودان في اواخر الثلاثينيات بمشروع الجزيرة – وفي العام 5491م استخدم مبيد (L.D.D.T) بالمشروع ذاته وتبع ذلك تطور مستمر في انواع المبيدات المختلفة، وقد أدى التوسع الافقي والرأسي المستمر في المساحات المزروعة الى زيادة كبيرة في كمية المبيدات المستوردة وانواعها حتى وصل عدد المبيدات المسجلة في السودان الى أكثر من «008» مركب، كما ان عدد الشركات المستوردة للمبيدات زاد عن الـ «04» شركة وعدد المرخص لها بالاتجار المحلي وتداول المبيدات يقارب الـ «052» من افراد وشركات لجميع ولايات السودان المختلفة.
وبما ان استخدام المبيدات أصبح ضرورة في مكافحة الآفات. كان لا بد من سن قوانين تنظم استعمال المبيدات والرقابة عليها للحفاظ على صحة الانسان والبيئة، وكان نتاج السعي الجاد لضمان «حماية الانسان والبيئة» والتداول الامثل للمبيدات على المستوى العالمي، ابرام اتفاقيات منها «مدونة السلوك الدولية – روتردام عن علم (PIG) استكهولم بشأن الملوثات الثابتة (POPS) بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود – بروتوكول مونتريال المتعلق بالمواد المستنزفة لطبقة (الاوزون).. الدستور الغذائي وبالتحديد اللجنة المعنية بمتبقيات المبيدات التابعة للدستور الغذائى (Godex Alimentaras). وتشريعات وطنية للتحكم في المبيدات، حيث انتظمت عملية تداول المبيدات في السودان بصدور قائمة السموم في العام 9391م وفي ذلك الوقت كانت المبيدات المستعملة تقتصر على مواد غير عضوية مثل (الزرنيخ وكربونات الباريوم) ومركبات (الزئبق)، وفي العام 3691م تم تعديل قائمة السموم لتصبح قانون الصيدلة والسموم. وفي العام 47 صدر أول قانون تشريعي منفصل خاص بالمبيدات باسم قانون مبيد الآفات. وفي العام 4991م تم تعديله ليصبح قانون المبيدات ومنتجات مكافحة الآفات ومازال سارياً الى الآن تحت لوائح: لائحة الاتجار وتنظيم تداول المبيدات، ولائحة حماية العاملين من المبيدات ومنتجاتها ولائحة تخزين المبيدات للعام 6002م.
بالرغم من التطور الذي حدث في الضوابط والتعديلات التي ادخلت على قوانين تنظيم استخدام المبيدات منذ العام 9391م حتى العام 4991م إلاّ ان هنالك العديد من المشاكل التي تواجه السودان في هذا المضمار منها تراكم المبيدات في الموانيء وبالتحديد في الارصفة والمخازن لفترات طويلة. تشعب تجارة المبيدات مع تنوع الجهات المستوردة، حيث يتم التعامل مع المبيدات كسلعة تباع وتشترى دون ضوابط. ورود كميات من المبيدات في شكل منح أكثر من متطلبات المكافحة الايرستولات، لا تعامل كمبيدات بسبب استيرادها عبر اشخاص غير مرخص لهم بالاستيراد، كما ان اغلبها غير مسجلة بالسودان مما ادى الى تراكمها في ارصفة الموانيء بعد فشل الجهات المستوردة في تخليصها، كل هذا زاد من تفاقم مشاكل المبيدات التالفة والمتراكمة في السودان.
سموم اقتصادية
ويرى المجلس القومي للمبيدات بأن المبيدات لا يمكن التعامل معها بنفس الاساليب التي تعامل بها السلع الاخرى بما في ذلك الادوية، فالمبيدات تعرف بالسموم الاقتصادية. كما ان العديد من المبيدات تسبب الاضطرابات الهرمونية واخرى مسرطنة ويسبب تشوه الاجنة والاجهاضات بالاضافة الى (عقم الانسان والحيوان). واظهرت تقارير من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الاغذية والزراعة بأن المبيدات ذات الجودة المتدنية جداً تم ادخالها الى افريقيا في العام 7002م وبلغت قيمها «003» مليون دولار. يرجع ذلك الى عدم توافر مجالس مسؤولة وقوانين تخص المبيدات الى جانب عدم توافر ضبط الجودة.
وكما يقول المثل «باب النجار مخلّع» شكا رئيس نقابة العاملين بالادارة العليا لوقاية النباتات من تضرر العمال لقرب موقع مخزن المبيدات بالادارة، وادى لاصابة عدد منهم بالامراض الصدرية وامراض اخرى. وفي السياق وجه نائب رئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه في المؤتمر العام لادارة وقاية النباتات بتخصيص قطعة ارض لانشاء مخزن قومي للمبيدات. وكشفت ادارة وقاية النباتات بقيام الادارة بابادة «0001» طن من المبيدات التالفة بعد اصابة عدد من العاملين بالمخازن بامراض صدرية. وطالب د. خضر جبريل موسى مدير وقاية النباتات بالتخلص من المبيدات التالفة التي تمت ابادة جزء منها بعد تجاوز تخزينها لـ «6» سنوات بسبب بطء الاجراءات والتخليص من الميناء، والاقرار من مدير ادارة الوقاية بمخاطر التخزين او تلف المبيد امر خطير لذلك يجب العمل على تقنين عملية التخزين، وضبط الاستيراد.
مصدر عليم بادارة الوقاية اشار الى خطورة تسرب المبيدات عبر التهريب وعمل بعض من لا يملك الخبرة والدراية في مجال استيراد المبيدات الخطرة على صحة الانسان والبيئة.
وبلغت كمية المبيدات التي دخلت إلى السودان منذ العام 0002 الى العام 8002م. على النحو التالي: المبيدات الصلبة بلغت «687685.3» كلم، والمبيدات السائلة «842196.52» مليون لتر، وأما مبيد الايرسولات فقد بلغ «442508.7» علبة.
وجاء في رؤية المجلس القومي للمبيدات بأن تجريب المبيدات في السودان لا يجدي مثل جدواه في اوروبا للظروف المناخية والبيئية وفي سرعة تحللها أو تكسرها ولا يمكن ان تكون بنفس النوعية والمعدلات.. خبير مبيدات اشار الى خطورة المبيدات قائلاً: (إنها تفوق النفايات الدوائية خطورة على الانسان والحيوان على حد سواء).
شهادة خبير
وبسؤالي لخبير في مجال السميات وملوثات البيئة عن علاقة المبيدات المستعملة في السودان بالامراض الخطيرة التي ظهرت في السنوات الاخيرة في مساحات واسعة في السودان. اجاب: بكل تأكيد.. وواصل: بأنه عمل في هذا المجال باحثاً ومعداً لدراسات حسب احصائيات دقيقة استقاها من مصادر منذ الخمسينيات واضاف بأن هناك بعض اصابع الاتهام تشير الى الاسبستوس والنفايات الذرية في شمال السودان منذ عهد نميري وروايات غير موثوقة عن دفنها في الصحراء الشمالية. ولكن اريد ان اوضح لك بأن كل تلك الاتهامات ليست في محلها. واجزم بشدة بأن المبيدات قد تكون المتهم الأول في التسبب في امراض السرطانات والفشل الكلوي.
واتفق معه د. جمال خبير في وقاية النباتات بقوله بأن المبيدات اذا لم تجد ضابطاً قد تنلفت وتحدث خسائر فادحة في الانسان والحيوان ويمكن أن تؤثر في خصوبة التربة.
ويضيف بأن مشكلة المبيدات في السودان تكمن في سوء الاستعمال ودخول بعض الانواع عن طريق التهريب، وغير ذلك هناك بعض الارشادات والضوابط قد يغفل عنها المزارعون في استخدامهم قد تعرضهم لاخطار كبيرة.
ارقام.. ارقام
ويقول البروفيسور ابو سالمة خبير البيئة بأن المبيدات اذا لم يتم استخدامها وفقاً لمعايير وضعها خبراء تعرض للامراض والموت السريع بالتسمم. ويضيف بأنه شارك في حملة احصائية في جميع انحاء السودان وخرجوا بحصيلة ضحايا المبيدات منذ بدء استخدامها في السودان، حيث سجلت منطقة العبيدية اعلى نسبة اصابة في العام 1991م بلغ عدد الضحايا «052» شخصاً توفي منهم «13» شخصاً بسبب مبيد «اندوسولفان»، فيما بلغ ضحايا مبيد «الاندوسولفان» برفاعة «001» حالة تسمم، ولكن لم تسجل اية وفيات كان ذلك في العام 3891م.. ويأتي اعداد الضحايا على النحو التالي: العام 0791م في «تونقا» «31» حالة تسمم بالزرنيخ الذي كان يستخدم كمبيد حشري وآفات زراعية توفى منهم «5» اشخاص، النيل الابيض «31» حالة توفى منهم «5» بـ «مبيد» (phos phidtorbidan)، والابيض «31» حالة توفى منهم «4» حالات بـ (Endrin) والقضارف «4» حالات توفي «3» اشخاص بـ «اندوسولفان»، جبل مورا «03» حالة بـ (Endrin) 1891م لم تسجل وفيات، الابيض «22» حالة في العام 2891م، في مروي سجلت «32» حالة في العام 4891م الابيض سجلت حالتي وفاة بـ «اندوسولفان» العام 48، المحمية «6» حالات وفاة بالاندوسولفان في العام 58، الابيض «6» حالات. حالة وفاة واحدة بـ (unknown) في العام 58م، مروي «01» حالات بـ «اندوسولفان» في العام 7891م، كنانة «4» حالات في العام 8891م بـ (Dieldrin)، العبيدية «052» حالة توفي منهم «13» حالة بـ «اندوسولفان» في العام 1991م، دنقلا «31» حالة توفي منهم «3» بالاندوسولفان في العام 1991م، مجموع الاصابات والوفيات من 8591م – 1991م الاصابات «115» شخصاً والوفيات «06» وبالرغم من عدم حصولنا على احصائية لعدد ضحايا المبيدات في الفترة من العام 1991م الى 8002م إلاّ ان اصابع الاتهام تشير إلى تسبيبها لامراض الفشل الكلوي والسرطانات. وهناك تقرير من منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة «الفاو» وبرنامج الامم المتحدة للبيئة «يونيب»، حيث جاء فيه: (على الحكومات في البلدان النامية تقوية اجراءات حماية العاملين في الحقول الزراعية لتخفيض عدد حالات التسمم بسبب المبيدات. وقد تسببت في وفاة آلاف المزارعين). وتشير التقديرات الى وجود «5» ملايين حالة وفاة سنوياً بسبب المبيدات وان اغلب هذه الحالات وقعت في الدول النامية، حيث لا تسود فيها معايير بسلامة الصحة، وبالرغم من ان الدول النامية تستخدم فقط «25%» من الانتاج العالمي من المبيدات إلا ان الوفيات ذات العلاقة تشكل «99%»، ويشير ذات التقرير بأن خطورة المبيد تكمن في انه ينفذ من خلال المسامات الى الدم مباشرة، نتيجة ملامسة المبيد سواء أكان مخففاً او مركزاً اثناء التعامل الخاطئ بدون اتخاذ اجراءات الامان. وكذلك عن طريق الملابس، حيث تحتفظ بجزيئات المبيد بطول فترة ارتدائه، وكذلك في حالة وجود «جروح» أو درجة الحرارة العالية «كحال السودان». ويضيف بأنه يصيب الانسان بأمراض عن طريق الاستنشاق بمرور الجزيئات عبر الرئة الى الدم الذي يحمله الى جميع انحاء الجسم وكذلك تلوث الاطعمة والخضروات بالذرات التي تتعلق بها الى فترة طويلة، والجدير بالذكر ان تأثير الذرات السامة لا يظهر في فترات متقاربة بل قد يأخذ سنوات.
كما ان بعض انواع المبيدات تتسبب في تدني خصوبة التربة بسبب قتلها لبكتيريا تثبت «النتروجين» «الآزوت» في التربة، وقد لوحظ ان النتريت الموجود في التربة يتفاعل مع بعض المبيدات ويكون مركب (النتروز امينات) وهو مادة سامة يعمل على تلوث التربة والمياه الجوفية ويمتص بواسطة عصارة النبات ويختزن في انسجته مؤدياً إلى حدوث امراض سرطانية عند الانسان، كما ثبت ان معظمها يصيب الانسان بدرجات مختلفة من السمية والاضرار الصحية التي تظهر آثارها على المدى البعيد مثل امراض الكلي. والجهاز الهضمي والجهاز العصبي والسرطانات.
والجدير بالذكر بأن «90%» من المبيدات لا تصل ولا تستقر على الآفة المراد مكافحتها ولكن تصل الى البيئة.
نبيل صالح :الراي العام
[/ALIGN]