ما زال البعض في الحضيض
في السبعينيات كانت سمعة العرب في لندن في الحضيض، لأنه تم إلقاء القبض على كذا شخص (معظمهم من النساء)، يغادرون متاجر محملين ببضائع من دون دفع ثمنها، مع ان متوسط المبالغ التي تخسرها المتاجر في بريطانيا سنويا بسبب ذلك النوع من اللصوصية فوق المليار استرليني بكثير، وأكثر من ٩٠% ممن يمارسون التسلل ببضائع غير مدفوعة الثمن shop lifting شوب ليفتِنق، بريطانيون بالميلاد، وشيئا فشيئا اختفت قصص تسلل العرب من المتاجر بتلك الطريقة من الصحف، علما بأن صحف بريطانيا تعشق الفضائح خاصة إذا كانت متعلقة بالعرب، مما يوحي بأن معظم العرب الذين كانوا يمارسون ذلك الضرب من اللصوصية كانوا يفعلون ذلك عن غير عمد، ففي السبعينيات لم يكن العرب قد عرفوا مجمعات التسوق، المولات والمتاجر الضخمة (ديبارتمنت ستورز) التي يجيز البعض قصر الصلاة أثناء التجوال فيها لضخامتها، وكانوا معتادين على الدكاكين الصغيرة التي تشتري منها ما تشاء وتدفع قيمتها عند صاحب المحل في المدخل/المخرج، ولم يكن لأي دكان سوى مدخل ومخرج واحد، وفجأة وجد بعضهم نفسه في تلك المحلات الضخمة، ويبقى فيها قرابة ساعة يلتقط شيئا واحدا أو مجموعة أشياء وعند انتهاء الجولة يحسب نفسه في سوق شعبي، ويخرج الى الشارع وكأنه ينتقل من طبلية «بسطة» إلى أخرى، والبضائع معه فيتعرض للكمش، وهناك من تم كمشهم لأنهم «أغبياء»، فالعثور على مواقع سداد أثمان البضائع في تلك المتاجر الضخمة، يتطلب الكثير من التجوال والسؤال، فيحوم الواحد منهم لبضع دقائق بحثا عن «كاشير» ولا يجد له أثرا فيقرر مغادرة المتجر بما حمل من دون دفع الثمن وهو يقول في سره: أنتم أحرار وأنا حر طالما لم أجد من طرفكم من يحاسبني على قيمة مشترياتي فأنا مش فاضي كي أصيح: كاشير لله يا محسنين
ومع هذا لا تزال سمعة العرب في لندن في الحضيض، لعدة أسباب من بينها ميل بعضهم إلى التباهي: يشتري طعاما بـ١٥ جنيها ويدفع عنه ٢٥ جنيها كبقشيش، ولأن كثيرين من العرب لا تستهويهم من لندن سوى منطقة الوست إند الحمراء، حيث اللحم الأبيض المتوسط مبعثر في الشوارع (وبالمقابل فإن سمعة البريطانيين في تايلند في الحضيض لأن كثيرين منهم يذهبون الى هناك لاستهداف الفتيات القاصرات).. شخصيا أكثر ما يضايقني في آلاف العرب الذين يعتبرون الذهاب الى لندن في الصيف فرض عين هو أنهم يمارسون فيها نفس الأشياء التي يمارسونها في بلدانهم، وفي شارع ادجوير مثلا، فإن الكراسي في مقاهي الشيشة بالحجز، وفي مطاعم الشاورما والفول والحمص والكبسة لا مكان للغة غير العربية.. وأعرف العشرات من أصدقائي الخليجيين الذين يقترضون مئات الآلاف من البنوك سنويا للبحبحة في لندن صيفا.. طيب هل الشيشة في لندن تنقي الدم من المايكروبات وتزيل حصى الكلى؟ هل شاورما لندن تمنع هشاشة العظام وتزيد الخصوبة؟ ثم اذهب الى المسارح والمتاحف ومعارض الفنون، ولن تجد فيها إلا عددا محدودا من العائلات العربية.
المشكلة هي أن ثمن سندويتش شاورما واحد في لندن يعادل راتب عامل الشاورما في الخليج ليوم واحد، وقيمة الملبوسات في ماركس آند سبنسرز أو بي إتش إس في لندن، أعلى من قيمتها لدى نفس المحلات في الخليج.. وهناك مجمع وايتليز في منطقة بيزووتر الذي يضم عددا من المقاهي الركيكة التي صارت أرجل كراسيها تتلخلخ وترتج إذا جلس فيها شخص غير عربي، فقد تعربت تلك الكراسي، بينما مقاهي الاسبريسو والكابتشينو والموكاتشينو والزفتشينو (هذه خلطة اخترعتها في هذه اللحظة) في العالم العربي بالكوم ونظيفة.
هي في النهاية عقدة «كنا في لندن».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]