طار البيت ومعه الثروة الافتراضية
كان أول بيت استأجرته لعائلتي في لندن، مملوكا لبريطاني من أصل إيراني، وكان قد نال الجنسية البريطانية بالأوانطة، بزعم أنه عانى من الاضطهاد بعد سقوط حكم الشاه في إيران، ولو كنت أعرف مسبقا أنه من أنصار الشاه لما استأجرت بيته، فلم يكن يناصر ذلك الطاغية الطاووسي سوى اللصوص والقتلة ولاعقي كعوب الأحذية، وحاورته عدة مرات واكتشفت أنه لا يناصر إلا نفسه، ولا شأن له بالشاه او إيران، بل كان مبتعثا لدراسات عليا في بريطانيا عندما قامت الثورة الإيرانية، فانتهز مناخ معاداة الغرب عموما للثورة، وطلب اللجوء السياسي وناله، لأنه بحسب قوله أُعجب بنمط الحياة في بريطانيا، وقد بلغ إعجابه بها حدّ البله والعبط، فرغم أنه كان مسلما فإنه أسمى ولده البكر سايمون، ولعله حسب أن «سيمنة» الولد ستجعل منه بريطانيا «أصيلا».. المهم، وكما ذكرت في مقال سابق، فقد كانت غرف بيته الثلاث ضيقة مما جعل أمّ الجعافر تطلق على البيت اسم «الخُن» أي بيت الدجاج، وبعد أن أمضينا أشهرا قليلة في الخنّ، انتقلنا الى بيت رحب نسبيا في حي ويتستون في منطقة بارنيت، وهي نهاية خط قطار الأنفاق الشمالي (نورذرن لاين).
كان البيت الجديد مملوكا لسيدة اسمها لاف جوي ولو ترجمنا اسمها لكان «فرحة الحب»،.. اسم جميل، وكانت سيدة جميلة الخصال (وليس الشكل)، في منتصف الخمسينات من العمر، وكان لديها بوي فريند (صديق برتبة عشيق) تجاوز الستين، كانت تقيم معه في بيته خارج لندن، وقدمت الي لاف جوي عرضا عجيبا حيث قالت لي إن دفع إيجار منزل يماثل إلقاء النقود في شبكة المجاري، وبالتالي فالأفضل ان يشتري الإنسان بيتا بالتقسيط بنظام الرهن، وتكون الأقساط أقل من الأجرة الشهرية والأهم من كل ذلك أن أي مبلغ تدفعه يكون لحسابك وليس لحساب مالك آخر، واقترحت علي أن أشتري بيتها، بعد ان استعين بمكتب يتولى تقدير قيمته، وكان بيتا يتألف من خمس غرف وبه حديقة ضخمة، وكان تقديرها أن السعر سيكون ما بين ٥٠٠ و٦٠٠ ألف استرليني، فقلت لها: شكرا ولكنني لا أريد تملّك بيت في لندن بل أعتزم مغادرتها بعد إكمال سنتين على أبعد تقدير في بي بي سي.. وباعت لاف جوي البيت لشخص آخر بـ٥٥٠ الف استرليني، وبعدها بنحو ست سنوات باعه ذلك الشخص بمليون وربع المليون استرليني، حسبما علمت من جيراني الذين ظللت أتواصل معهم حينا من الزمان.. يعني لو عملت بنصيحتها لكنت اليوم مليونيرا بالاسترليني، ولكنني لم أندم ولو نصف ثانية على عدم شرائي ذلك البيت، أولا لأنني لا أملك عقلية استثمارية/ تجارية، ولأنني لست من النوع الذي يحلم بالثراء المفاجئ، وبالتالي لا اشتري أسهما في أسواق الأوراق المالية والبورصات مهما كانت الإغراءات، وثالثا لأنني أعتقد أن الاستثمار في العقار من قبل أمثالي من ذوي الدخل المحدود، مخاطرة لا تخلو من «هبل».. من يدخل سوق العقار يجب ان يكون صاحب جيب مليان ولديه القدرة على تملّك العديد من المباني ويمارس بيعها وتأجيرها بحسب ظروف السوق، ولهذا لم أفكر حتى في بناء بيت خاص بي في السودان إلا بعد أكل أهلي لحمي: كيف تكون عضوا في أوبيك ولا تملك منزلا فخما يليق بك؟ فلأنني مقيم في منطقة الخليج منذ عصر الغوص وتجارة اللؤلؤ فقد افترض أهلي أنني نلت عضوية أوبيك بـ «الأقدمية ووضع اليد» بمجرد ظهور النفط.
[/JUSTIFY]جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]