الطاهر ساتي

(لكن المرة الجاية ما بفوتها)…!!

(لكن المرة الجاية ما بفوتها)…!!
** بالعقل والعلم نهضت الدول، بما فيها الصين، وليس بتضليل العقول..وصينياً كان ذاك الذي احترف مهنة حياكة أشرعة المراكب لحد الاحتكار بالجودة والقيمة وليس بالنفوذ والمحاباة.. ذات عام، ذهب ببضاعته الى الساحل، وتفاجأ بآخر جاء بأشرعة أجود وأقل قيمة، وباعها لكل ملاك المراكب، فكسدت أشرعة هذا الرجل..وقبل أن يغادر الساحل حزيناً ومحملاً بأشرعته الكاسدة، خاطبه أحد ملاك المراكب ساخراً: (لماذا لا تحول أشرعتك الى ثياب وتلبسها؟)، فضج الساحل بضحك ملاك المراكب..غادر الرجل الساحل مخلفاً بعض الحزن على ركام سخريتهم تلك، ثم عاد بعد أسبوع ببضاعة عليها ديباجة نصها: (ثياب صنعت خصيصاً للبحار من أقمشة تتحمل طبيعة العمل)، فتخطفتها أيدي البحارة حتى نفدت، ثم طالبوه بالمزيد..أرباح هذه التجارة تجاوزت ضعف تجارة الأشرعة السابقة، علماً بأن أقمشة تلك الثياب هي ذاتها أقمشة تلك الأشرعة التي كسدت قبل أسبوع..!!
** فالأزمة – أي أزمة لا تجعل المرء يقف محنطاً عند محطة الفشل مدى الحياة، ولكن بالعقل والعلم يستطيع المرء تحويل الفشل الناتج عن الأزمة الى نجاح..أي، ردود أفعال العقول أمام الأزمات هي المسماة شعبياً بـ (مستوى التفكير)..وبردود أفعال عقولها، تتجاوز البشرية الأزمات وتتقدم نحو النجاح، أو تتقوقع في مكانها، أو ترجع القهقري الى الوراء، وما وراء الوراء..فلنقرأ رد فعل عقل رئيس البرلمان، عقب أزمة اصطدام طائرة الأنتوف بجبل النار بتلودي، إذ يقول بالنص، مخاطباً أُسر الضحايا: (فاتتني الشهادة مرتين، مرة في طائرة أبوقصيصة، ومرة في طائرة الزبير محمد صالح، وذلك بمنعي من السفر من قبل رئاسة الجمهورية)، هكذا يدّعي التحسر على تفويته للشهادة مرتين، ثم يُجزم قائلا بالنص (لكن المرة الجاية ما بفوتها، وبخالف تعليمات المنع)..هذا التمني، ولو كان صادقاً، فهو بمثابة براءة لسلطة الطيران من تهمة إهمال أمر السلامة الجوية، وتحفيز لتلك السلطة نحو المزيد من الإهمال، وكذلك تشجيع للشركات لجلب المزيد من التوابيت الطائرة والنعوش المتهالكة..!!
** نعم، لقد نجح عقل رئيس البرلمان بامتياز في حث سلطة الطيران المدني وشركات الطيران على التقوقع في محطات التحطم والاصطدام والاحتراق، حتى يلتحق سيادته وآخرون بركب شهداء طائرة (المرة الجاية)، أو كما وعد.. إذ صار بفضل فقه غض النظر عن المحاسبة وبنهج عدم الرغبة في الإصلاح – طلب الشهادة تحت ظلال تحطم الطائرات واصطدامها واحتراقها – ولو على أسطح منازل المدائن وأكواخ الأرياف – غاية عظمى.. وعليه: نقترح، حسب رد فعل عقل رئيس البرلمان وكذلك حسب نهج تضليل العقول، تغيير اسم – ومهام – سلطة الطيران المدني، بحيث يكون (سلطة الفردوس الأعلى).. وبهذا يكون قد كفى القدر المهندس محمد عبد العزيز شر الإقالة والاستقالة، حالياً ولاحقاً، وبهذا يكون الشعب قد فقد الأمل في إصلاح حال الطيران المدني وشركاته بالتحقيق والمحاسبة.. نعم، سوح القتال صارت بعيدة، وكذلك الدعاء بالاستشهاد – برصاص العدو في تلك السوح – ربما صار (موضة قديمة).. فالأفضل والأمثل – حسب أماني رئيس البرلمان- هو تعمد الاحتراق داخل الطائرات المتهالكة قبل ملاقاة العدو، أو كما قال (لكن المرة الجاية ما بفوتها).. فلتجتهد سلطة الطيران المدني في تحقيق تلك الأمنية لرئيس البرلمان، وللشعب الفضل..!!
** على كل حال، نكظم الحزن والغضب.. ولا نطالب البرلمان بإصلاح حال قطاع الطيران بالتحقيق والمحاسبة، ولماذا نطالب بإصلاح الحال – في قطاع الطيران وغيره – طالما رئيس برلمان البلد يريده هكذا (حالاً معوجا)، ومدخلاً مناسبا للجنان؟.. بل، لأن عدد الطائرات المتبقية – أي التي لم تقع وتصطدم وتحترق – أقل حجماً من أن تستوعب رغبات النواب في الشهادة، ليس هناك ما يمنع البرلمان بأن يلغي قانون شرطة المرور ويلغي شرطة المرور ذاتها، ثم يخاطب شركات النقل البري بذاك النوع من التضليل أيضاً.. نعم، فالمطلوب لتحقيق الشهادة الجماعية، هو أن تصبح (القيادة بإهمال) نهجاً في البلاد، ولن يكون كذلك ما لم يمض البرلمان قدما نحو ترسيخ منطق تضليل العقول.. هكذا نفهم منطق رد فعل عقل رئيس البرلمان ونعمل به، وبالمرة: نكون قد ألغينا عقولنا وكل طرائق التفكير السوية، ونكون قد رجعنا – بالناس والبلد – القهقري الى الوراء و.. (ما وراء الوراء)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]