منوعات

الحياء والـخجل.. صفتان تخسران أراضيهما أمام (الجرأة الزائدة)!!

[JUSTIFY]قد تكون (بت مجذوب) في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) أنموذجاً حياً للمرأة الجريئة في ذاك الزمان، لكن في كل زمان ومكان توجد (بت مجذوب) تعبر عن النساء وتكون صوتهن العالي خصوصاً عندما تبلغ المرأة سناً معيناً.. وقد تكون هناك عدة فتيات جريئات.. وهن بالتالي يعبرن عن تلك الجماعة الصامتة.. وفي العادة يتقبل المجتمع منهن تلك الصفة بل ويجدن الترحيب.. ربما لأنهن يعبرن بطريقة مريحة.. لكن يدق ناقوس الخطر عندما يصبح إحساس الجرأة مشاعاً بين الفتيات رغم حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) (ما كان الحياء في شيء إلا زانه)، والمقولة القائلة (الخجل عطر المرأة فعندما يفوح لا يخطئ أنف الرجل).

بعيداً.. عن كل هذا وذاك ترصد عين المجتمع الكثير من المشاهد قد تستنكرها وقد تمر عجلى عليها، ففي المشهد الأول تلك الفتاة التي لفتت انتباه جميع من بالمركبة.. أغمضت عيناها وغاصت في المقعد وهي تستمع لمكالمة هاتفية يبدو أنها من حبيبها الذي يمطرها بوابل من موجات الغزل الصريح، وأخرى تفتح السماعة الخارجية وتحادث حبيبها على الملأ من صديقاتها اللائي هن بين متحسرة على جفاء حبيبها وبين مستمتعة وفي نواياها إعادة نفس المشهد لنفسها في اليوم التالي.

وتلك التي كانت تجلس في المقعد الأمامي جوار السائق وعندما بدأ (الكمسنجي) ينادي.. انتهزت الفرصة وطلبت من السائق استعدال المرآة.. عندها شرعت.. في الماكياج حتى امتلأت العربة وانطلقت، أما أخيرتهن فتاة في مقتبل العمر.. عندما تأتي سيرة الزواج تشهق بلهفة.. وتلمع عيناها بأمنيات هانئة لكنها ليست هادئة بل صارخة، فإلى وقتٍ قريب كان حديث الحب والزواج يتم سراً، بل وبإشارات وهمهمات من قبل الفتيات، لكن هل متطلبات العصر لا تحتمل الخجل كقيمة اجتماعية؟ وهل يشكل الخجل عائقاً في تحقيق متطلبات بعض الفتيات؟ كل هذه الأسئلة نحاول أن نجيب عليها عبر السطور التالية:
الغناء (ثيروموتر) الشارع يعتبر الغناء من الأدوات الأكثر تعبيراً وتصويراً للواقع.. بمحاسنه وعلاته.. ففي وقتٍ قريب كان المغني يردد (ما تخجلي يا السمحة قومي إستجعلي) و(النظرات بريئة ممزوجة بخجل).. أما الآن فهناك أغنية تقول (بنات حوا سابو الخجل)، هذا عنوان واضح لما آل إليه وضع الكثيرات الآن.

الحياء في المفهوم الشعبي مهما تغيرت سبل الحياة ومعطيات العصر تظل هناك بعض القيم التي يدافع عنها المجتمع بضراوة خصوصاً من الأمهات، فعلى سبيل المثال مثلاً أهل العريس يصفون العروس بـ(بياض العين) ويستهجن المجتمع بضراوة رقيصها وتبسمها أثناء حفل زواجها، ورغم أن هذا هو يوم (الفرح) و(ليلة العمر) كما يقول المصريون.. لكن ما تزال الأمهات يتبرمن ويعدن بسرعة إلى منظومة التقاليد.. ولمزيد من التقصي حول هذا الموضوع تحدثت (المجهر) إلى الخالة “فاطمة إبراهيم” وبمجرد أن طرحنا عليها سؤالنا عن تراجع الخجل قالت: (يا بتي والله الزمن أتغير وده زمنهم عاد نسوي شنو؟؟.. وهم بقولوا أنحنا حياتنا مختلفة.. نحن زمان الواحدة ما بتأكل في الشارع.. خصوصاً اللبان.. والواحدة ما بتتكلم مع زوجها إلا بعد فترة من الزواج وما بتقول أسمه وحتى أسم أبنها الِبكر.. وزمان التلفون بكون في محل تجاري.. معروفات البنات البتكلمن في التلفون ديل الناس كلهم بتكملو فيهن.. رغم انو الحديث ما بكون إلا للضرورة القصوى.. وهسي كثيرات من بنات الزمن ده عادي تتكلم مع أبوها في موضوع وما بتخجل من أخوانا.. نحن زمان أبونا ده ما بنقدر نرفع عينا قدامو، وكمان من محن هذا الزمان بقي في رقيص خاص للعروسين بسموا (الاسلو) رقيص يخجل عديل. وتختم الحاجة “فاطمة” حديثها بالمثل القائل (البت مابحرسوها بي غفير.. بحرسا العفاف والقلب الكبير).

كما تحدث إلينا العم “دفع الله حسين” قائلاً: لا نستطيع التعميم في هذه الظواهر، لكن أستطيع أن أقول المسألة راجعة للتربية وبالمناسبة في حاجات كثيرة أتغيرت.. يعني ممكن تجد من يرى مسألة الحياء والجراءة شيئاً نسبياً ودرجته تختلف من مجتمع لآخر.

أما الطالبة “رندة يس” قالت كل البنات بخجلوا لأن الحياء ده إحساس فطري يولد مع المرأة ويكبر معها.
وهنا تدخل الطالب “مؤيد كمال” قائلاً: ما تسمعي الكلام ده.. البنات ديل اتساووا معانا في كل شيء لدرجة إنك لا تستطيع أن تفرزهن من الأولاد.

“مودة حسين” نفت ما قاله “مؤيد” وأشارت إلى أن هذا الحديث ينطبق على بعض البنات ومن الظلم التعميم.
وأكملت الحديث “مآب عطية” حيث قالت مرات الخجل ما بنفع.. بخلي البنت تضيع حقوقها كبنت.. عشان كده أنا لازم أعرف متين الموضوع ده بخجلوا منه ولا لا.

أما الشاب “وثاب سعد محمد عثمان” خريج كلية علوم الطيران الجامعية بحري يرى أن غياب فضيلة الخجل والحياء عند بعض الفتيات أو في المجتمع الأنثوي بصور عامة أضحت ظاهرة وكثيرات صرن أكثر جراءة من الأولاد وأغلبهن أصبحن يتعمدن الجراءة أو (الروشنة)، كما يطلق عليها إخوتنا المصريون، وفي هذا الزمن أصبح عادي جداً أن تجد فتاة تدخن السجاير أو(الشيشة) وتتشبه بالرجال في كل تصرفاتها.

وفي هذا السياق التقت (المجهر) بالباحثة الاجتماعية “إخلاص محمد الحسن مجدي” فقالت: لنتفق أولاً :إن الحياء قيمة اجتماعية تصنف كقيمة أخلاقية ايجابية، وهي جزء من الموروث الثقافي الذي ينتجه المجتمع كأحد عوامل الضبط الاجتماعي، التي تنظم وتضبط سلوك الأفراد، ومن الصعب القول بأنه تراجع كقيمة وإسقاط المتغيرات المختلفة التي سببت ذلك التراجع.. ثانياً :طالما كانت هذه القيمة الاجتماعية صنيعة المجتمع بكل فئاته فليس من العدل تحميل مسؤولية تراجعها لفئة دون بقية الفئات، أي لا يمكن محاكمة الشباب دون الإقرار بمسؤولية الجماعة، كما يجب التسليم بأن التحسر على القيم النبيلة عادة اجتماعية قديمة سببها الفجوات بين الأجيال الذي أوجده التسريع في إيقاع الحياة نفسها ..فإذا سلمنا جدلا ًبتراجع قيمة الحياء في المجتمع السوداني، فالسبب هو المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكل سلوك الأفراد بدرجات تأثير مختلفة .

وقد تبدو ظاهرة تراجع الحياء أكثر وضوحاً في لغة الحوار اليومية الذي كسرت حواجزه النفسية أدوات الاتصال الحديثة (الكيبورد).. بينما تبدو أقل ظهوراً في السلوك ..كذلك فقد فرضت الظروف الاقتصادية تغييراً كبيراً في مستوى المعاملات بين الناس والمناسبات.. فمثلاً بعض ترتيبات الزواج أصبحت تتطلب قدراً من الشفافية يمكن أن تؤخذ سلباً على قيمة الحياء..كما لا يجب إغفال الفروقات الفردية وسمات الشخصية وهو أمر مسلم به وواقع موضوعي يذكرنا بشخصية (بت مجذوب) في مجتمع روايات “الطيب صالح” المحافظ إلى حدٍ ما.

صحيفة المجهر السياسي
آيات مبارك
ت.إ[/JUSTIFY]