تحقيقات وتقارير

الحركة الإسلامية السودانية ..بدأت نشاطها كحركة دعوية ومجتمعية وكونوا جسماً سليم القلب لا يحمل للناس سوى الحب

في أوائل عام 1944م بذغ نور الحركة الإسلامية السودانية ، في ظل أجواء دامسة الظلام ، انعدمت فيها رؤية نور الإسلام في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدعوية ، وخرجت بدعوى أن الحياة كلها مجال للعبادة والتعبد ، فالإسلام ليس صلاة وزكاة وحج ، بل لابد من تنزيله كدين خاتم وشامل لجميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية والترفيهية وغيرها لاعتقادنا القاطع بأنه الحل لجميع مشاكلنا وخلافاتنا .. وبهذا الطرح الجذَّاب استطاعت الحركة الإسلامية السودانية – بعد عون الله وتوفيقه – أن تلامس أشواق الملايين من الشعب السوداني المعروف بحبه للإسلام ، وجذبت إليها المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات والدعاة والمصلحين ، بدأت نشاطها كحركة دعوية ومجتمعية وكونوا جسماً سليم القلب لا يحمل للناس سوى الحب … وبمرور الأيام والسنون شاخ هذا الجسم وعلاه الشيب والفتور ، وابتعد أبناهء عنه بأشغال الدنيا وبهرجها ، وابتلي بأصناف من الأمراض وأنواع من الأسقام والابتلاءات والمؤامرات الداخلية والخارجية ، واستعصى علاج بعضها ، واضطروا لبتر بعض أعضاءه الأساسية ، وشلت أطرافه الأخرى ، وأصبح غير قادر على الحركة ومواصلة المسير . وتحولت الحركة فجأةً من قيادة المجتمع إلى قيادة الدولة ، ومن خلال التجارب والتمحيص جرت محاولات وأقوال كثيرة حول نجاح وفشل هذه التجربة السياسية ، وفي ظل هذه الجدلية استطاع الدكتور ياسر خلف الله حسن من تأليف كتاب عن مسيرة الحركة وأسماه (الحركة الإسلامية السودانية .. قضايا التحول من حركة مجتمع إلى إدارة الدولة 1944م – 2009م) . وأبدعت مؤسسة أروقة للثقافة والعلوم وقائدها السمؤال خلف الله في تحويل هذا الكتاب لندوة سياسية وجلسة حوار هادئ مع المفكرين والأدباء مساء الأمس بقاعة اتحاد المصارف للخروج بنتائج تدعم مسيرة الحركة الإسلامية بصورة شاملة ، وكان من أبرز المتحدثين فيها الدكتور غازي صلاح الدين والبروف الطيب زين العابدين والإمام الصادق المهدي والأستاذ غازي سليمان بينما اعتذر عن الحضور الدكتور حسن عبد الله الترابي – قيل – لوعكة صحية ألمت به ، ود. أمين حسن عمر ، وأدار الندوة الدبلوماسي الرقيق د. إسماعيل الحاج موسى ، وحضرها جمع غفير من المهتمين والإعلاميين والدستوريين وضاقت بهم جنبات القاعة .
نجحت مجتمعياً فقط
يقول المفكر د. غازي صلاح الدين – أحد أحدث المنشقين عن الحركة الإسلامية ورئيس حزب الإصلاح الآن – أن الحركة الإسلامية بدأت كحركة دعوية واجتماعية أكثر من كونها حركة سياسية ، واعترف غازي بأن أكثر ماجذبه للاقتناع بمنهج الحركة أنها وفرت منهجاً جمع بين التدين والمعاصرة ، مما قادها للتربع على عرش التيارات السياسية في الفترة الماضية ، بينما عاد وأوضح بأنها بدأت حركة معترضة قبل السلطة ، ولم تكن تقدم مبادرات ، وهذه الطبيعة الاعتراضية السهلة أكسب الحركة دوراً معيارياً مهماً ظهر في شكل سلوكيات وأثر على خطاباتهم وأصبحت مرجعاً لكثير من المسلمين ، ويرى غازي أن من أكبر إنجازات الحركة أنها امتلكت قاعدة وسلطة أخلاقية مستمدة من أصول الإسلام وصنعت من الصحابة والتابعين والنماذج الإسلامية قدوات ، وبالتالي قبلها المجتمع وأحدثت قفزة نوعية وكمية بالبرلمان آنذاك ، ويرى غازي أن الحركة الإسلامية بقفزاتها القوية وجماهيرها كانت سبباً رئيسياً لتأييد الشعب للإنقاذ فجر مجيئها .
وعندما تولت الإنقاذ السلطة حرصت على بناء الدولة ، وكان للحركة الإسلامية السلطان الكامل عليها ، ولكنها لم تلبث قليلاً حتى واجهت كثيراً من الأمواج والأعاصير لدى منتسبيها ، ويرى غازي أن أهم هذه الأعاصير تمثلت في (الدولة القطرية والديمقراطية والعولمة) ولم تستطع الحركة أن تسيطر على هذه الأعاصير الثلاثة حتى الآن وهبت معها رياح كثيرة ومتغيرات عديدة اليوم .
ويقر غازي بنجاح تجربة الحركة الإسلامية كحركة دينية مجتمعية فيما يرى أنها فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة .
ويستبعد غازي إمكانية عودة الحركة الإسلامية لعهدها الأول ، ويرى أن أي محاولة لإعادة تغليف الحركة وجعلها حركة دينية داعية لفضائل الأخلاق لن تفلح ، وعلل ذلك بتحديات وعقبات كثيرة فضلاً عن الأعاصير الثلاثة والانفجار المعرفي وشحن المرحلة بكثير من التناقضات ، ويرى غازي أن السبيل الأوحد لعودة الحركة لمجدها هو كيفية احتضانها للقوانين المعاصرة واستغلالها وحسن توظيفها وامتلاك السلطة الأخلاقية التي ضاعت منها .
الجراح الجريح
يتفق الإمام الصادق المهدي زعيم الأنصار وقائد حزب الأمة القومي مع غازي في أن الحركة الإسلامية نجحت نجاحاً باهراً كحركة دعوية ومجتمعية وفشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة ، ووصفها بـ(الجراح الجريح) ، و(كمن جمع مالاً كثيراً ثم بدده !) ، ويرى الصادق المهدي أن الحركة الإسلامية هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين التي نشأت بمصر ، ويقول : كنت أتمنى تسميتها بـ(الحركة الإسلامية ذات الأصول الإخوانية) . ويرى المهدي أن حركة الإسلام في السودان أوسع بكثير من حركة الإسلام الإخوانية ، بيد أنها في السودان استفادت من رأس مال وورثة ثقيلة خلفها العلماء والعباقرة السودانيون الذين ساهمو في إدخال الإسلام للسودان ، ويعتقد أن للحركة مكاسب لا تخطأها العين أهمها دورها الكبير في انحسار دائرة الشيوعية وإحداثها تواصلاً وعملاً تنظيمياً ناجحاً ، إلا أنها أهملت قضايا التأصيل والتحديث والتنمية والعلاقات الخارجية مما أقعدها عن التطلع . ويرى أنها بحاجة لبلورة فكرية ، وعدَّ المهدي تسلق الحركة على برامج مايو الانتهازية والاستهتار بالنظام الديمقراطي والتعامل الغير جاد مع قضية الجنوب والطرح المتعجل من أخطر المزالق التي قادت الحركة الإسلامية إلى مستنقع الفشل سياسياً ودولياً ، بجانب فشلها في إيجاد حلول وطنية لمشاكل السودان ، وأعاب المهدي عليها الاستعانة بالأجنبي ، فجميع اتفاقيات السلام التي وقعت أوكلت للأجنبي ، وكلها كانت في عواصم أجنبية ، وتعتمد على جهات أجنبية ، ويرى أن هذا فيه انحراف عن استغلال القرار الوطني . ويرى المهدي أن إنفراد وتمكن الإسلاميين بالسلطة أتي بمسألة في غاية الأهمية وتجاوزت حدود السودان ، حيث نبهت الدول الإسلامية الأخرى بأن ينتبهو للإسلاميين وأن يحاصروهم حتى لا ينفردو بالسلطة ويتمكنو مما يؤدي لإقصاء التيارات الأخرى كما هو الحال الآن . ونبه المهدي بأن مافشل وسقط هي تجربة الحركة الإسلامية السودانية وليس الإسلام ، وبون شاسع بين المفردتين ، ودعا الجميع لمراجعتها وبحث سبل لكيفية نصر الإسلام وإقامة دولة العدل والتنمية والرفاهية .
مافي حركة إسلامية
وفي المقابل يرى الأستاذ غازي سليمان المحامي أن الحركة الإسلامية السودانية حالياً فشلت اجتماعياً وسياسياً ، وقال (لا لمت في حركة مجتمع ولا حركة دولة) ، واستعبد تماماً وجود برنامج الحركة الإسلامية في الحكم ، وقال (حالياً ما في حاجة إسمها حركة إسلامية بتحكم البلد دي ، وكلنا أهو عايشين وشايفين) .
كلمتين فقط
لم يتحدث البروف الطيب زين العابدين كثيراً ، واكتفي بقوله (كنت أميل للحركة الإسلامية عندما كانت حركة مجتمع) .

واتفق المعقبون أن الحركة الإسلامية أوسع وأشمل من حصرها في نظاق ضيق ، ونادو بتغيير اسمها لتشمل جميع التيارات السياسية ويصبح اسمها (الحركة الإسلامية الاتحادية القومية الأمية الديمقراطية الشعبية السودانية) .
وأجمع المتحدثون في الندوة بتوفر مناخ وفرصة تأريخية للمصالحة بين كل التيارات ، وأن الوقت الآن أقرب من أي وقت مضى ، ونادى غازي بضرورة توحيد جميع التيارات الإسلامية تحت لواء واحد لتأسيس دولة الاحترام وإقامة الإسلام والعدالة الاجتماعية والسياسية والدولية .
الخرطوم : عمر عبد السيد

تعليق واحد

  1. الحقيقة ان ما يسمى بالحركة الاسلامية تحولت الى وحش جامح و عصابة مسلحة اسوأ من عصابات المافيا تقتل بدم بارد و تسيطر على كل شئ و تنهب كل شئ بسطوة السلاح و البطش… و اصبح الاسلام مجرد وسيلة للوصول الى غايات اللصوص …. حتى بن لادن نسب اليه قوله انه راى في السودان ” جريمة منظمة و شعارات دينية ”
    حتى من يحسبه الناس صالحا ممن ينتمون الى هذه الحركة اصبح ملوثا بما ناله من المال بغير وجه حق و بسكوته على الظلم الفادح و الجرائم التي ترتكب كل لحظة …. ليس هنالك حركة اسلامية بل حركة ماسونية تخدم الصهيونية العالمية بتدمير الوطن و الاساءة الى الاسلام