فدوى موسى

جفوة أرحام

[JUSTIFY]
جفوة أرحام

جزى الله خيراً الذين يسعون الى تجميع شتات الأهل في أي مكان كانوا، فقد صارت الحياة كثيرة المشغوليات متشابكة الدوائر والدوامات.. ما أن يصبح صباحها إلا وتتوالى في تزاحم يحول دون أن تجد «الفَرَقة» التي بها تعزز وشائج الدم والرحم، بل أن الجار الذي هو في الاعتقاد العام «جارك القريب ولا ود امك البعيد» صار لا يحظى بعضهم البعض بزيارة أو طلة خاطفة فعظمت بذلك الجفوة العامة، وصار التلاقي في الملم، وكما يقولون «الشيء البدخل الناس، ويتأكد هذا الشيء بكبير إما مرض أو موت أو مصيبة بين ذلك، ففكرة التطواف الجماعي لإحياء صلة الرحم تجد حظها هذه الأيام لكثرة ما يشتاق الكثيرون لرؤية بعضهم البعض، وحليل زمن كان الواحد يزور في اليوم الواحد جاره أو قريبه أكثر من مرة، وبلا سبب، ولكن الآن لم تعد حتى كثرة الطلة محتملة عند الكثيرين لذلك آثر الناس مبدأ الجفوة ومفارقة (السلام بلا غرض وطيبين بلا مرض) شكراً للذين ينقذون النسيج الاجتماعي بالأفكار الجميلة للتواصل، وبث الروح في العلائق الميتة إحياء لموات العلاقات التي يفترض أنها حية.

عين يا خفيفة

عندما انتقلت «ستهم» زوجة عبدو لمنزلها الجديد في الحي الراقي.. كل النسوة بالحي القديم سعين لمباركة ذلك لها لكن حالة من الإحباط والإحجام أصابتهن عندما صرن يزرن «بيت عبدو الجديد»، فقد صارت (ستهم «تتعوذ» من العين والرِجل التي دائماً ما تقول عليها «الكراع إن دخلت تغبر وإن خرجت تخبر» الأمر الذي أحدث صدمة وسط نسوة الحي وبتن يخشين تكرار المواقف السخيفة، التي تحدث كلما وددن الزيارة للمنتقلة الى المرحلة الأخرى من الحياة المتقدمة.. رويدا رويدا أحجمن عن زيارتها وفضلن أن تكن أرجلهن محفوظة المقامات، وما زلن يحكين كيف أن «أم عبدو» ولعت ليهن البخور لتكف العين منهن على المنزل الفخيم، ومن ذلك اليوم بتن لا يثقن في بعضهن البعض فقد «طممت» ستهم كذلك بطونهن من التواصل وعندما تنادي إحداهن الأخرى «أها الليلة ماشين ناس فلانة رحلت ولا ولدت ولا..» ترد عليها الأخرى «يا ختي ما تندرشي اتذكري العين يا خفيفة».

خواجية عبدو:«عبدو» لم يكن يوماً يؤمن بربط حياته بامرأة من أهله أو من البلد أصلاً، فقد كانت طموحاته كبيرة جداً ونظرته للمرأة المحلية أنها تقليدية مثلها مثل أمه «الشام» والظروف خدمته كثيراً في تحقيق هذا الحلم أتيحت له فرصة للدراسات العليا بإحدى الدول الأجنبية فعاد من هناك وهو يتأبط «الخواجية» التي أدهشتها سلباً كثرة التفاصيل الاجتماعية نسوة الحي كعادتهن دائماً ما يقمن بزيارة للوافدة الجديدة ترافقهن الوجبة.. الحلل، والأعمدة، والأكياس، والجرادل، باعتبار أن ذلك تدعيماً للملح والملاح، ففي ذلك الصباح خرج «عبدو» لعمله وأعدت النسوة كل متطلبات هذه الزيارة مصحوبة بفطور «مدنكل» يتناسب مع الكرم السوداني ليقررن به عين الخواجية، التي تركت بلادها المتقدمة وجاءت تسكن معهم في الحي الشعبي القديم، فهي لذلك تستحق هذه المجاملة، حانت ساعة وصولهن أمام منزل «عبدو» حيث اجتمعت الحلل والجرادل، وقفت النسوة تحدوهن سعادة غامرة انهن اليوم يقمن بواجب اجتماعي جميل ونبيل، ضربن الجرس خرجت اليهن «الخوجية» نظرت اليهن بتعجب عرفت انهن جئن زائرات، بكل بساطة اعتذرت عن استقبالهن لأنهن لم يحددن معها موعداً، لذلك أصبحت زوجة عبدو معزولة منذ ذلك اليوم.

آخر الكلام: رغم أن المشغوليات لا يقبل الكثيرون أخذها كمبرر للجفوة العامة إلا أن بعض الأسباب التي لا يفصح البعض عنها تصبح تكون سبباً للبعاد والاحتماء به من التواصل الذي قد لايتم عن قصد كما قال المغني الشعبي «قدمي بمسكو علي»..
(مع محبتي للجميع)
[/JUSTIFY]

سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]