رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : شروط (مشار) مرتبكة

[JUSTIFY] إذا كان اعتقال الثلاثة باقان أموم ودينق ألور وكوستا مانيبي سببه معارضة سياسية أو اتهام بتحرك ضد الحكم يمكن أن يكون إطلاق سراحهم كأحد شروط التفاوض التي يطرحها الدكتور رياك مشار مع الرئيس سلفا كير مقبولاً. لكن هؤلاء الثلاثة جاء اعتقالهم على خلفية اتهامهم بالتورط في عمليات فساد مالي ضخم ما يعني ضرورة التحقق معهم لإدانتهم واسترداد أموال المواطنين أو تبرئة ساحاتهم.

وكان يمكن أن يكون شرط مشار هو استعجال تحريك التحقيق والمحاكمات بدلاً من إطالة الاحتجاز، وكان من الأوفق أيضاً لسلفا كير أن يوجه السلطات المختصة بالبدء في المحاكمات للمعتقلين بدلاً من إبقائهم وراء قطبان الاتهام لمدة أطول دون محاكمات.

وذلك حتى يتجنّب عزف المعارضين له والمتمردين عليه على وتر اتهامه بأنه يحتجزهم لأغراض سياسية مستورة بالاتهامات الجنائية. فلو فعل هذا سلفا كير سيضع خصمه مشار في موضع حرج إذ أنه يصوره للناس وهو يفكر في إنقاذ حلفاءه المعتقلين من التحقيق والمحاكمات في أمور تتعلق بالفساد. وإذا استجاب سلفا كير لمثل هذا الشرط بإلغاء التهم الموجهة للثلاثة فإن هذا يفسِّر انهيار النظام القانوني في دولة جنوب السودان حديثة الولادة، وبذلك هي مرتع للفساد المالي على حساب مصالح المواطنين وبالفعل تستحق التغيير حتى ولو كانت ديمقراطية مثل حكومة هتلر. وإن استمرار حكومة لا تستطيع حماية المال العام أو إنها تتهاون فيه لدرجة إلغاء تهم الفساد ضد المتهمين من أجل الحفاظ على كرسي الحكم، فهذا مما يشجع الناس على ممارسة الفساد والاعتداء على المال العام، لأن كل فاسد سيراهن على التمرد ضد الحكومة من خلال بعض حلفائه إذا وضعته السلطات في قفص الاتهام. إذن شرط مشار غير منطقي وغير موضوعي. وشروط أخرى يعتزم طرحها على طاولة التفاوض مع سلفا كير أفصح عنها أحد معاونيه تقول إن تُحدد فترة انتقالية وتُشكّل حكومة انتقالية بالتوافق بين الطرفين وتُجرى الانتخابات في موعدها من العام (2015م) تحت رقابة يتفق عليها الجانبان.

أولاً لا داعي للاتفاق على فترة محددة انتقالية ولا داعي لذكرها إذا كان من ضمن الشروط الالتزام بإجراء الانتخابات (المعروفة) في مواعيدها من العام (2015م). فكان ينبغي الاكتفاء بأن يلغي ما تبقى من فترة ديمقراطية منتخبة لتحل محلها فترة انتقالية إلى حين مواعيد الانتخابات المعروفة والمعلومة؛ لأن الفترة بهذا تكون أصلاً محددة بين إدخال موعد الاتفاق حيز التنفيذ وموعد الانتخابات. ولكن إذا كان سلفا كير الآن يحكم بشكل ديمقراطي فما الحنكة في أن يُلغى شكل الحكم هذا على أمل أن يستأنف بعد إعلان نتائج الانتخابات القادمة؟!. هل اكتشف مشار أخيراً أن الانتخابات الفائتة كانت مزوَّرَة، لأنه اشترط هنا أن تكون تحت رقابة يتفق عليها الجانبان؟!

لكن حتى لو افترضنا هذا التفسير، فإن مشار لا يبدو عليه الحرص على حياة ديمقراطية في دولة جنوب السودان لا يكون هو الرئيس فيها. فإما ديمقراطية تقوده إلى الحكم وإما عصا كجور النوير التي استقبلها في المطار بعد إعادتها من بريطانيا. إن لندن لم تُعد إلى السودان الذي احتلته طويلاً حقوق الشعب أو الشعبين الآن بل أعادت ما من شأنه أن يولد الفتنة بين قبائل الجنوب فتشتعل الحرب ضد الحكم في جوبا حتى ولو كان منتخباً ومبرأ من كل عيب وشوب. لم تُعد لندن الذهب الذي سرقته من السودان من أرض الرباطاب والنوبة النيليين والنوبة الكردفانيين ومن بني شنقول. فعلى الأقل هي متهمة بنهبه؛ لأنها احتلت البلاد وجريمة الاحتلال أسوأ من جريمة السرقة بعد الاحتلال.

لكن لنفترض أن ما تبقى من ولاية سلفا كير قد أُلغي وجاءت حكومة انتقالية عاد على إثرها مشار وغيره إلى السلطة وعادت الامتيازات والجاه وأُجريت بعد ذلك الانتخابات في مواعيدها تحت رقابة دولية (محايدة). وأُعلن فوز سلفا كير مرة أخرى هل ستتعرض ولايته الثانية لما تعرَّضت له الأولى؟! هذا هو السؤال ذو القيمة المستقبلية. ومشكلة الجنوب الآن مشروع بناء دولة جديدة. لكن كيف ستكون مع مشار وباقان ودينق ألور وإدوارد لينو ولوكا بيونق؟!. إن مشار قاد من قبل هدم مشروع التمرد عام (1991م) الذي كانت تعتبره الحركة الشعبية مشروع نضال، وها هو الآن يقود مشروع هدم الدولة الجديدة.
فهو هادم قبل الانفصال وبعده. فمتى يستشعر ما يستوجبه منه وطنه بغض النظر عن الفترة المتبقية في ولاية سلفا كير وهي عام وأشهر قليلة؟!.

إن شروطه مرتبكة جداً وتنم عن صاحب طموح شخصي وليس وطنياً.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]