منوعات

(الغسالون) و(المكوجية).. مهن تصارع للبقاء

صيفاً وشتاءً، تجدهم يعملون بكل سخونة، والبخار يتصاعد من جالون الصابون، يغسلون ثم ينشرون الملابس على حبالٍ تتأرجح صعوداً وهبوطاً.. ثم تبدأ عملية الكي، التي تستغرق ساعات طوال، لا يؤانسهم فيها سوى جهاز (راديو) وحيد يغني تارة ويتحدث مرات.
(الغسيل والمكواة) من المهن الشاقة، ورغم الصعاب يعمل (المكوجية) بحب أزلي لمهنتهم التي لم تطلها يد التغيير إلا في الآونة الأخيرة، بعد أن اقتحمتها (العمالة الأجنبية والمغاسل الإلكترونية).. ولمعرفة المزيد والجديد في عالم (الغسالين والمكوجية) التقت (المجهر) بالأستاذة “حنان عبيد عوض الله” صاحبة مغسلة (مدينة كلين) بالخرطوم(3)، فبدأت حديثها قائلة إنها بدأت فكرة المغسلة بصندوق أي (ختة)، إضافة إلى غسالة ومكواة المنزل الخاصة بها، وشيئاً فشيئاً تطور المحل إلى ماكينة (دراي كلين) ومكواة بالبخار، وتضيف أستاذة “حنان” قائلة إن سر النجاح في عملي هذا هو تعاملي مع الزبائن والتعقيم التام، فنحن نقوم بفصل ملابس كل شخص ابتداءً من الغسالة وحتى الأوعية المخصصة لذلك، إلى أن توضع في أكياسها المخصصة لكل فرد. وهذا ما جعل الزبائن يأتون من بحري وأم درمان ومن أماكن أبعد، وقالت إن أغلبية زبائنها كانوا يطلبون (غسيل ومكواة)، لكن نسبة للظروف الاقتصادية أصبحت المكواة الأكثر طلباً، وقالت: الممارسة والإحساس جعلتني أتعرف على الملابس وأصحابها، إضافة إلى أنني أستطيع التعرف عليها حتى من خلال العطر والذوق.
وختمت “حنان” حديثها قائلة: (لولا العامل “باسكال” الذي يساعدني وتشجيع زوجي وأفكاره، وأيضاً رضا ودعوات الوالدة لما تحقق لي النجاح).
وداخل (مدينة كلين) التقت (المجهر) بالزبونة “عفراء” التي قالت لنا: (أنا أصلاً عندي شغالة حبشية اعتمد عليها في غسل الملابس، لكن في أحيان كثيرة أجد نفسي مضطرة لأن آتي للمغسلة بملابس زوجي وثياب المناسبات وغيرها من الملابس الحساسة التي تحتاج إلى عناية خاصة في التنظيف).. أما الأستاذ “حسن عبد الله” فوجدناه أمام المغسلة ورد على عجل: (كل ما يكون عندي قروش كتيرة طوالي بجي المغسلة).
وبحي الموردة تحدث إلينا (الغسال) “إسحق هارون”، وبمجرد أن سألناه عن أحوال (الغسالين) اظهر نصف ابتسامة، فحديثنا معه أصابه حيث يريد، ورد قائلاً: (الشغل ده بقى صعب شديد رغم جماله.. لكن زمان قرينا منو أولادنا).. ثم أضاف قائلاً: (أتيت من الفاشر وكنت أبيع الخردوات بسوق أم درمان وكان ذلك قبل عشرين عاماً، ثم تحولت إلى هذه المهنة التي كانت قبل ثلاثة أعوام على الأقل مهنة مربحة جداً، لكن الآن ارتفعت كل المنصرفات ابتداءً من شوال الفحم (2000) جنيه ثم الكرت الصحي وإيجار المحل والعائد لا يفي بالمنصرفات، والظروف أصبحت سيئة).
وأضاف: (أكثر المواسم ازدهاراً، هي عند الأعياد ومعظم زبائني من الموظفات وأغلبية العمل مكواة، والغسيل نادر، وقد يمر يوم كامل دون أن يأتيك غسيل.. الظروف صارت صعبة لدرجة أن بعض الناس يحضرون كمية من الملابس ولا يعودون لأخذها إلا عند الحاجة ويتسلمونها بالقطعة).
ثم تحدث إلينا شقيقه “عبد الله هارون إدريس” قائلاً: (الشغلة دي بقت ما نافعة والله يعين الجميع، إلا الواحد يمشي يشوف ليه تجارة أو أي مهنة تانية.. وهذا لأن سوق الغسيل والمكوة واقف بالجد).
وأثناء تجوالنا التقينا (الغسال) “محمد حلال الدين” من بنغلاديش فأجابنا بالإنجليزية وعربية متقطعة إنه حضر إلى السودان منذ عامين، وكان يعمل بمستشفى في الخرطوم، ثم انتقل إلى هذا العمل الذي كان قبل ثلاثة أشهر على الأقل ممتازاً، لكنه الآن (شغل كعب وظروف صعبة شديد.. زمان جنيه يعمل حاجة.. الآن 100 جنيه ما يعمل حاجة).
وهناك وجدنا الطالب “عماد الدين محجوب” الذي قال: (علاقتي مع “حلال الدين” جيدة وذلك لأني دائماً ما آتيه على عجل). ثم أضاف زميله “عزيز”: (كنت زبوناً لغسال بنغالي، استطاع أن يجلب الزبائن بحرصه الشديد، بل ومعه ماكينة خياطة للملابس الممزقة بعض الشيء، ويزيل الصدأ من الملابس.. والقطعة غسيل ومكوة كانت بجنيه فقط).
أما الغسال “حسن جاه الله” فأجابنا بتفاؤل: (رغم الظروف لا أستطيع ترك هذه المهنة التي ألفناها، إضافة إلى العلاقة الجيدة والطويلة التي تجمعنا والزبائن.. فنحن نعيش على زبائن دائمين لا يخذلوننا خصوصاً طلاب الداخليات حول المحل).
أما “أم الحسن محجوب” فردت قائلة: (والله نحن بتغسل لينا واحدة من زمن حبوبتي بنعرفها بالسنين اتربت معانا.. لكن الأولاد مرات بياخدوا ملابسهم للمكوجي.. لأنهم بكونوا مستعجلين).. والتقطت الحديث أختها “علوية” التي قالت إنها تضيف على راتب (الشغالة) الشهري (200) جنيه مقابل غسيل الملابس أسبوعياً.
وأخيراً التقينا الأستاذة “رانية” وهي تعمل في (مغاسل الثلج الأبيض) الأوتوماتيكية بالمهندسين، وتحدثت إلينا وفي ذهنها شيء واحد، الفرق الشاسع بين (الغسال التقليدي) والمغسلة الأوتوماتيكية فقالت: (المغاسل الكهربائية كل قطعة تأخذ درجة بخار مختلفة حسب نوع ودرجة القماش، والغسيل بالبخار يضمن السلامة، ويحافظ على درجة اللون ويحافظ على القماش، ولا توجد أية مشاكل صحية.. أما الغسالة فتختلط فيها الملابس مع بعضها.. إضافة إلى أن كل فاتورة مصحوبة بنفس رقم الإيصال عليها عدد الملابس ويتسلمها الزبون معطرة ومغلفة بأكياس، ولا يقتصر عملنا على البدل والبطاطين وفساتين الزفاف، بل أصبحت تأتينا كل الملابس المنزلية والغيارات اليومية.. والأسعار نفس أسعار الغسالين العادية بحساب جنيهين للقطعة الواحدة).

تقرير – آيات مبارك :صحيفة الجهر السياسي