تحقيقات وتقارير

ابتسامة الترابي والرئيس.. مقالدة الإمام وأحمد المهدي.. وحكاية قطعة “الجبنة”

[JUSTIFY]في زواج كريمة الدكتور كامل إدريس ازدحم المكان بالساسة؛ حكومة، ومعارضة، وحركات مسلحة، ومنظمات مجتمع مدني، وحكومة ظلّ أيضاً.. كلّهم كانوا يحدّقون في عيون بعضهم البعض، ويزجون التحايا بالنظرات.

بمجرّد انتهاء مراسم عقد القران، بدأوا يتصافحون بحرارة، ويتبادلون القفشات.. الإمام الصادق المهدي وكيلاً للعروس، السيد أحمد المهدي وكيلاً للعريس، الأكفّ فوق بعضها البعض، ثلوج الخصومة تذوب في تلك اللحظة، الأحضان الدافئة توارب صفحة قديمة، وكذا الحال مع الدكتور غازي الذي صلّى العصر بجماعة من المؤتمر الوطني، ومضى يشقّ طريقه للأمام وهو يشهر ابتسامته الودودة، حتى للذين أخرجوه من الحزب، ربّما لأنّ (الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية).

قبل ذلك بأشهر كان الرئيس البشير يأخذ مجلسه جوار الشيخ الترابي في عزاء شقيق الأخير، وكذا تجاور الرجلان في تشييع الشيخ يس عمر الإمام.. فجأة تتهاوى قلاع الكراهية السياسية، وتتقلص المسافة بين القصر والمنشية حتى بدا للبعض أن المفاصلة محض مسرحية!

هذا ما بدا من حصاد لقاءات الأفراح والأحزان، لسان حال الجميع هنا: “وإيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن”.. وهناك الكثير من الوقائع منذ حكم نميري، فعبارة (ومن الحب ما قتل) بدت شاخصة أكثر عندما وقع الرئيس الأسبق الراحل قرار إعدام بعض قادة انقلاب (19) يوليو (هاشم العطاء) (وفاروق حمدنا الله) رفاق الجندية، في الوقت الذي كانت دموعه في محاجرها تقاوم السقوط، نميري الذي حاصرته الذكريات أوجز ذلك المشهد على طريقة (انتحار العشاق).

الساسة هنا في بلادي رحماء في ما بينهم وقساة عندما يحكمون أو هكذا يتراءى للبعض، ولكنها رحمة في مواجهة الوقائع تبدو محيرة إلى درجة الإرباك. وبالرغم من أن هذه المحاولة تتقصى عاطفة الساسة عندما يقتربون من إنسانيتهم، ويلامسون مواضع الضعف لدى رفاقهم فتغلب الصداقة والعاطفة أحيانا على الطموحات الحزبية، إلا أن (عاطفة البشر كلما سيّست أُبتذلت).. هكذا وصفها أحد الكتاب الروائيين.

ذاكرة الصحفيين (وكاميراتهم) لاتزال تحتشد بتلك الصورة النادرة؛ رؤساء الأحزاب الكبرى يجلسون على منصة واحدة ويتبادلون (القفشات) والضحكات الملونة.

* دموع الإمام

قبل سنوات دلف إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي نحو بيت سكرتير الحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد.. كان نقد طريح الفراش بمنزله في حي الفردوس ساعتئذٍ والعرق يبلل شعره الأبيض الجميل بعد أن أجريت له عملية جراحية في القلب.. الإمام الذي اشتهر بنزوعه الإنساني كان يعاود (مريضا) هو رفيقه في النضال والأحراش والسجون، ومناهضة النظم الشمولية.. زعيم الأنصار بعاطفة رقيقة طبع قبلة على رأس سكرتير الحزب الشيوعي واحتضنه بمحبة فبكى الأخير وسالت مشاعره على جلباب الإمام الذي حاول تحريض صديقه على مقاومة اعتقال المرض بأن أهدى له كتابا من مؤلفاته العديدة وقد قطع الأستاذ نقد وعدا للإمام الصادق بأن يسعى جاهدا ويغالب فتور وإعياء المرض بالاطلاع على الكتاب، لكن العمر لم يعد يكفي. الصادق الذي اشتهر بترديده لبيت شعر عربي قديم “إذا احتربت يومًا فسالتْ دِمَاؤُهَا تذكرت القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُهَا” لم يتوقف عن إرسال الدعابات وظل يحرض نقد لينهض بالقول: “إنت أصغر مننا يا أستاذ محمد وما تفتكر إنّك عييت لأنّك كبرت”.

* جبنة لأجل الترابي

ذات يوم من خريف العام (2009) احتشد عدد من قادة تحالف المعارضة في قرية طيبة الشيخ عبد الباقي لمخاطبة المزارعين المحتقنين وإيقاد شمعة الانتفاضة الثالثة في أرض المحنة، وبينما كان عراب الإنقاذ وزعيم الإسلاميين الدكتور الترابي يتحدث في تلك الندوة بحماس مهول، فجأة أصابه الإعياء وكاد يغمى عليه في المنصة لولا محاولات جرت لإنقاذه من حالة (الهبوط) الحاد التي أصابته جراء سخونة الجو، في تلك اللحظة بالذات تجلى في عيون الحاضرين (ذعر) وقلق شديد ولهفة، فانتصبت الطبيبة مريم الصادق وطالبت بإحضار (قطعة جبنة)، ونهض أزرق طيبة من سجادته وهو يغالب مخاوفه ويطالب بإفساح المكان من التجمهر ليستنشق الترابي هواء طريا، (أزرق طيبة) بالرغم من اختلافه الفكري مع الترابي إلا أن مودة خاصة تربطه بالرجل وذكريات شاخصة لم ينطفئ بريقها منذ (فوران) ثورة أكتوبر.

* الشيوخ الكبار
ثمة واقعة أخرى في ميدان آخر تجسد حالة (المودة) الباهرة وسط السلفيين، فعندما توفى رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية – جناح المركز العام – شيخ الهدية، هرع رئيس الجناح المنشق الشيخ أبوزيد محمد حمزة نحو المشيعين ونزل إلى أعماق القبر بعد أن صلى على الجثمان وهو يغالب دموعه، ومن ثم بكى ولعن الشيطان وطلب المغفرة من الله، وشدد على ضرورة تجاوز الخلافات وتحقيق وحدة أنصار السنة لصالح الدعوة، ومضى أكثر من ذلك مفجرا عاصفة من الأشواق وسط الجماعة عندما قال إنه لا يريد أن يستفيد من موت الهدية، فللموت رهبة قاربت الشقاق مع أن رياح الخلاف كانت أكثر عنفا وضراوة مما تسبب في تلطيف الأجواء وعبور مياه كثيرة للجسر بعد ذلك.

بين أنصار السنة وأنصار الديمقراطية جرت تفاصيل حادثة مشابهة؛ فعندما توفي الخاتم عدلان المؤسس لحركة (حق) ووري الثرى، تجلت مثالية قائد المجموعة المنشقة الأستاذ الحاج وراق، وراق قرر بشكل مفاجئ ونبيل الاستقالة حتى لا يستفيد من موت خصمه بالشكل الذي يمكنه من استقطاب المناوئين له.
* الحنان السياسي

السودانيّون دائما وإن تطاول بهم الشقاق وفجروا في الخصومة بنهاية الأمر يتفقون، حتى دون سابق وعد، هكذا يظن البعض وإن تلاشت تلك اللحظات فحتما هنالك لحظات أخرى، قد تتجدد بمرض أحدهم أو بموت آخر، أو زواج ثالث.. فتفضح قسوتهم الدموع وغبنهم المصطنع، قسطا من ذلك الحنان السياسي المفقود.. هو عنوان ألبوم لا ينتهى من الأفراح والأحزان يجمع الساسة ويقربهم من بعض أكثر من المبادرات والندوات والتحالفات.

صحيفة اليوم التالي
عزمي عبد الرازق
ع.ش[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. يدفع ثمن هذه الترهات الشعب السودانى المسكين انهم زعماء القفله وزعماء الزمن الردى انهم فقط يمثلون على الشعب بأفتعال هذه الخصومه

  2. [SIZE=4]الساسة في بلادي يأكلون الحنظل ويضرس الشعب !!

    [B]عندما وقع الرئيس الأسبق الراحل قرار إعدام بعض قادة انقلاب (19) يوليو (هاشم العطاء) (وفاروق حمدنا الله[/B]) وهل يلام في ذلك ؟

    فهم لو نجحوا لأعدموه . فتغدى بهم قبل أن يتعشوا به . وراجع أحداث تلك الأيام ستجدهم قد شردوا مخالفيهم “بروف عبدالله الطيب مثلا” ألم يتغنى لهم وبهم وردي حين قال :
    أنت يا مايو الخلاص ….يا احتفالا بالقصاص ….
    فقد أرادوها دموية ولكن الله غالب على أمره وقد أفضوا جميعا إلى الله .
    ليت ساستنا كانوا معدومي العواطف …وشفافين عقلانيين في ميدان السياسة ….فبأي شيء نفعتنا عواطفهم ؟ انظر لكل منهم كيف يتعصب لحد التيبس في رأيه ! [/SIZE]