هنادي محمد عبد المجيد
وحكم القاضي بقطع يد السلطان
وكان من بين أوامر السلطان ، أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر ، وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو المسجد فخماً، ولسبب غير معلوم خالف المعماري الرومي أمر السلطان وقام بقص الأعمدة وتقصيرها دون أن يخبر السلطان أو يستشيره في ذلك ،، علم السلطان بأن تلك الأعمدة الطويلة الفارهة والتي استجلبها من بلاد بعيدة قد تم تقصيرها وأصبحت ذات غير فائدة مرجوّة ، استشاط السلطان غيظاً ، وامتلأ غضباً على ذلك المعماري الذي لم يُحسن التصرف ، وفي ثورة غضبه أمر بقطع يد المعماري الرومي .. لم يسكت المعماري الرومي على الظلم الذي لحق به ، وراجع قاضي اسطنبول ، والذي كان صيته في العدل ذائعاً ، واشتكى إليه من الظلم الذي لحق به من قبل السلطان محمد الفاتح .. لم يتردد القاضي في قبول شكوى المعماري ، وأرسل رسولاً إلى السلطان يطلب منه الحضور والمثول أمامه في المحكمة ..
لم يتردد السلطان محمد الفاتح في قبول الدعوى الموجهة إليه من أشهر قضاة الإمبراطورية وأذكاهم ، فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان .. وفي اليوم المحدد ، حضر السلطان إلى المحكمة وتوجه للجلوس علي المقعد ، فبادره القاضي بقوله : لا يجوز لك الجلوس ياسيدي ، بل عليك الوقوف بجانب خصمك !
وقف السلطان محمد الفاتح بجانب خصمه المعماري الرومي والذي شرح للقاضي مظلمته ، وعندما جاء دور السلطان الفاتح في الكلام ، أيّد ما قاله المعماري الرومي ..
وبعد ان فرغ من حديثه وقف ينتظر حكم القاضي الذي فكر برهة ثم توجه إليه قائلا : ” حسب الأوامر الشرعية يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً لك !
ذُهل المعماري الرومي ، وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي ، والذي ما كان يدور بخلده ، أو يطوف بخياله لا من قريب ولا من بعيد ، فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي وهذا ما كان يرمي إليه مُسبقاً .. أما أن يحكم له القاضي بقطع يد السلطان محمد الفاتح فاتح مدينة القسطنطينية والذي كانت ترتجف كل دول أوروبا منه رعباً ، فكان أمرا وراء الخيال ، وبصوت ذاهل وبعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي بأنه يتنازل عن دعواه وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط ، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئا ..
فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية لكل يوم طوال حياته تعويضاً له عن الضرر الذي لحق به ، ولكن السلطان محمد الفاتح قرر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية ، كل يوم تعبيراً عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص ، وتعبيرا على ندمه كذلك .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]