مقالات متنوعة

إنتقام 1

‫‫‫‫‫إنتقام 1
لقد سافرت سوسن …
بدون إنذار ، وبدون تبرير وكأنني غير موجود على الإطلاق في عالمها …. هاتفها مغلق وأمها غير قابلة للنقاش ، ووالدها ليس لديه غير أن إبنته ترعى جدتها المريضة في قريتهم في ولاية أخرى … أنا أعرف أسبابها … بل أنا السبب الوحيد في الواقع … أنا الذي لا أعرف ماذا دهاني وجعلني اجرحها بهذه الطريقة ؟ هل هانت على لهذه الدرجة ؟ .. سوسن .. الملاك الغاضب الجميل والوحيدة التي تستطيع أن تتحمل طول لساني وطريقتي المسيخة في الكلام والحياة… سوسن .. التي لم أحب سواها ولن أحب سواها … هل كنت مسحورا وأنا أنساق كالخروف وراء تلك ( المكنسة ) ؟ لا أدري .. أنا أعرف شيئا واحدا فقط .. يجب أن أجد سوسنتي .. يجب أن أعتذر .. يجب أن أنتظر حتى تصفح عني وبعدها فليكن ما يكون …. وللمرة العاشرة أذهب لبيتهم ، وأمر بالشوارع التي تقودني إليه وفي داخلي أردد :
أمر على الديار ديار ليلى ….. أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي … ولكن حب من سكن الديارا
من قال إن قيس كان مجنونا ؟ لو كان مجنونا فالتحجزوا لي غرفة في التجاني الماحي … أمام بيتهم ألمح تلك السيارة الفاخرة … سيارة من النوع الذي لا يمتلكها إلا وزير أو لص أو مغترب … أسأل أقرب جار عن السيارة فيقول لي :
– ده قريب الجماعة ديل جا من أبو ظبي وعايز يتزوج وراجع
شعرت بكلماته تنزل كالنيران في داخلي … يتزوج ويرجع ؟ يتزوج من ؟ أخوات سوسن كلهن متزوجات وهي الوحيدة المتبقية لوالديها … قلبي يضخ الدم كالرصاص أو أسرع .. يتزوج ويرجع ؟ وسوسن إختفت وأغلقت هاتفها ، وأمها لا تطيق حتى الكلام معي … لا لا لا لا يمكن .. أنا أعرف سوسن جيدا مستحيل أن تفعل هذا .. نعم بإمكانها أن تقتلع عينيّ وتضعهما في كوب ماء وتشربها ، ولكنها لن تخون حبها لي … و … أيووووووي إنطلقت الزغرودة قوية مجلجلة من داخل البيت … إنطلقت لتخترق قلبي كالسهم وتجعلني أستدير وأغادر الشوارع … أنظر لأصابع يدي وإلى دبلتها الفضية المستقرة هناك … لقد إنتهى الأمر .. أقلع الدبلة ببطء من يدي وأخرج هاتفي للمرة المليون لأتصل بها .. هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حاليا … أحس بالإختناق ، أريد أن أغادر المدينة … أركب الحافلة المتجهة لأبعد منطقة مأهولة .. أريد الإنفراد بنفسي لأتجرع مرارتي وحدي .. تلك المرارة التي تنتج بالأطنان ما بين مطرقة كبرياء رجل سوداني ترفض أن يعامل هكذا ، وسندان شعور عظيم بالذتب لأنني السبب … من مذياع الحافلة يغني الفنان :
يا مسافر وناسي هواك
أرواحنا وقلوبنا معاك
لا أتحمل هذه الأغنية يا سادة لذلك أشير للكمساري وأنزل لأركب هايس … وفنان الهايس يغني :
قلنا ما ممكن تسافر
أنزل من الهايس لأركب أمجاد .. سائق الأمجاد عجوز مشلخ ومسجله تنبعث منه بأعلى صوت أوتار الطنبور :
شيل الأماني معاك .. سافر عليك الله
وشوف البيبكي عليك أو حتى يترجاك
أنزل من الأمجاد لأكمل المشوار بقدمي ، ولكن كل الناس قد تآمرت ضدي وكأن اليوم عيدا وطنيا للسفر … وخارج المدينة أتسلق جبلا صغيرا وآخذ شهيقا عميقا وأهتف بأعلى صوتي :
– لا أريدهاااااااا
ولكن صدى الصوت يعود لي بمنتهى العناد … أريدها أريدها أريدها
( يتبع )

الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير