تداعيات حرب الجنوب على السودان« 2-1»
إذا كان تمرد مشار على قرنق عام 1991 قد خلف آلاف القتلى واستمر نحو عشر سنوات.. فإن تمرده اليوم ينذر بحرب مدمرة أخشى أن تكون الحالة الصومالية مقارنة بها مجرد نزهة ممتعة في جزيرة الأحلام.
عندما خرج مشار ولام أكول وكاربينو وتعبان دينق على قرنق قديماً كان الشمال لا يزال هو العدو الذي يوحد الجنوب بقبائله المختلفة رغم ما بينها من تباغض وتدابر.. أما اليوم فقد انفصل الجنوب وزال «الفلِّين» أو الورق الذي يفصل بين أكواب الزجاج أو كما قال حكيم الجنوب لادو لوليك حين وصف وجود الشمال بين القبائل الجنوبية التي تتفق رغم تناحرها على بغضها للشمالي «المندكورو» الذي كان يقوم بدور الفلين بين زجاج القبائل الجنوبية التي ما كان يحول دون تحطمها في بعضها البعض إلا ذلك العدو اللدود الذي يجعلها تتوحد في كراهيته.
لقد نجح الاستعمار البريطاني في صنع ذلك العدو المشترك في نفوس أبناء الجنوب ربما بغرض صنع هوية مشتركة توحد تلك القبائل من خلال توحيد المشاعر ضد عدو مشترك.. ولست في هذه العجالة بصدد شرح ما انتهجه من سياسات وإجراءات إدارية يضيق المجال عن ذكرها ويكفي قانون المناطق المقفولة والصادر عام 1922 ودور المدارس التبشيرية بمناهجها التي كانت تصور الشمالي مجرد تاجر رقيق قاسي القلب وليس معلماً وموظفاً و تاجراً كالذين قضوا بالمئات في تمرد توريت عام 1955 والذي امتد لعدد من المراكز والمدن في جنوب السودان في أول عمليات تطهير عرقي تطول الشماليين في الجنوب حتى قبل أن يخرج الإنجليز من السودان.
قدمت هذه الخلفية التاريخية تمهيداً للحديث عن الواقع الحالي وتأثيره على السودان الذي كنا نقول من قديم إن الإنجليز ارتكبوا في حقه خطيئة كبرى حين وحدوه مع الجنوب وها هو يدفع فاتورة العلاقة المأزومة قديماً «قبل الانفصال» وحديثاً بعد أن أصبح الجنوب دولة مستقلة كاملة السيادة تئن تحت وطأة الأزمات التي ستلاحقها إلى حين بسبب تباينها القبلي والجهل المخيم بين معظم أفراد شعبها.
الآن وقد امتد النزاع إلى ولاية الوحدة حيث البترول.. فإن أول ما ينبغي أن ننتبه إليه أن نسحب البترول من موازنة 2014 التي أجيزت قبل أيام متضمنة رسوم نفط الجنوب.. وذلك يعكس التأثير الهائل للجنوب على واقعنا السياسي والاقتصادي.. وأخشى أن تسارع الحكومة إلى تحميل المواطن «الغلبان» العجز الذي سينتج عن انسحاب مساهمة بترول الجنوب في الموازنة بمزيد من الضرائب أو رفع الدعم عن الوقود.
التأثير الأكبر على السودان سيتركز على الجانب الأمني.. وأشك كثيراً في أن تقف الجبهة الثورية موقفاً سلبياً مما يجري في جنوب السودان.. وأخص بالذكر عرمان والحلو وكلنا يعلم الدور الذي لعبته حركة العدل والمساواة في الأزمة التشادية.. بل وفي الثورة الليبية حين وقفت إلى جانب القذافي خوفاً من سقوط النظام الذي يساندها في حربها ضد الحكومة السودانية.. .لذلك لا أظن أن عبدالعزيز الحلو سيقف مكتوف الأيدي إنما سيهب لنجدة رفيقه باقان الذي تعرض وأولاد قرنق.. بل والجبهة الثورية لموقف صعب جراء قرارات سلفاكير الأخيرة التي حاول من خلالها تطبيع العلاقة مع السودان ووقف الدعم الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان يقدمه إلى قطاع الشمال والجبهة الثورية.. فباقان وأولاد قرنق جزء من مشروع الجبهة الثورية بقيادة قطاع الشمال لإقامة مشروع السودان الجديد وميثاق الفجر الجديد أو ميثاق إعادة هيكلة الدولة السودانية.. ولا أظن أن جهاز الأمن الوطني في السودان سيغفل عن هذا الأمر أو سيعجز عن مواجهته بما يستحق من تدابير.
قلبي وقلوب أهل السودان جميعاً مع سلفاكير سيما وأن جبهة مشار تضم من جمعتهم المصلحة الآنية.. ويكفي أن مشار يتحالف الآن مع باقان وأولاد قرنق ويستنصر بالجنرالات المنحازين لمشروع قرنق وباقان.. خاصة عبدالعزيز الحلو ومالك عقار بفرقتيهما التاسعة والعاشرة في الجيش الشعبي واللتين تقاتلان الآن في جنوب كرفان والنيل الأزرق.. فإذا انتصر مشار فإنه سيسدد ولا ريب فاتورة مساندة أنصار باقان وأعني الحلو وعقار وعرمان في حربه ضد سلفاكير.
الجنوب كما يعلم الكثيرون متقلب الولاءات وفيما عدا أتباع مشروع السودان الجديد الذين يعملون لخدمة مخططهم الفكري الإستراتيجي.. فإن بقية الفصائل الجنوبية تتصالح وتتخاصم بناء على المصالح والأطماع الشخصية والولاءات القبلية.. ويكفي للتدليل على ذلك أن تعبان دينق والي ولاية الوحدة البترولية السابق الذي اكتنز أموالاً كثيرة يستخدمها اليوم في حربه ضد سلفاكير.. يكفي أن تعبان هذا كان أكبر مناصري سلفاكير وأعدى أعداء مشار.. وكان قد خاض حرباً شعواء لعلع فيها الرصاص ضد مشار الذي ترشحت زوجته انجلينا ضد تعبان على منصب والي الوحدة.. بل إن تعبان هذا كان من ضمن من انشقوا مع مشار ضد قرنق عام 1991.. وذلك يدلل على خطورة الصراع على السلطة في جنوب السودان والذي يتخذ منحى مسلحاً يقوم على الانتماء القبلي وليس كالصراع في السودان الذي تستخدم فيه الوسائل السلمية فيما عدا ما أدخله عليه أصحاب الأجندة العرقية والقبلية المنضوون في الحركات المسلحة اليوم.
صحيفة آخر لحظة
رأي : الطيب مصطفى
ت.إ[/JUSTIFY]