تحقيقات وتقارير

الولاية الأولى زراعياً .. تشكو ظلم المركز وتطلب الإنصاف

[JUSTIFY]التجاذبات بين المركز والولايات في شأن توزيع الموارد، ظلت وما تزال سمة بارزة لعلاقةٍ جدلية حول معايير قسمة الثروة.. ومع أن الحكومة أقرت معايير للقسمة إلا أنها ما تزال بعيدة عن معالجة قضية استحقاقات الولايات على وزارة المالية الاتحادية بشكل جذري.. وهي استحقاقات تمثل عدم التزام الوزارة بدفعها لتلك الولايات، ومن بينها القضارف، عائقاً كبيراً في سبيل تحقيق التنمية وتلبية أشواق المواطنين للخدمات.
القضارف نموذجاً :

هذا الواقع لا يكاد يستثني ولاية في السودان، لكنه يتجلى بصورةٍ أوضح في ولاية القضارف التي تأثرت إيراداتها بقرار رئيس الجمهورية بإلغاء الرسوم على المحاصيل الزراعية، والاستعاضة عنها بما يسمى بتعويض الفاقد الزراعي.. ويمثل عدم تحصيل أنصبة الولاية من استحقاقاتها الاتحادية معضلة جعلت الحكومة هنا تجأر بالشكوى متهمة المالية الاتحادية بالظلم والحيف.

ولعل أبرز تجليات هذا الصراع ما دار من جدل حول حقوق القضارف على المركز إبان تولي الأستاذ كرم الله عباس الشيخ سدة الولاية، فقد شكا الوالي السابق من تعسف وزير المالية السابق علي محمود وتعنته تجاه الإيفاء بحقوق الولاية المتراكمة على المركز، وضعف استجابته لتوجيهات قيادة الدولة بدعم القضارف لمقابلة استحقاقات البرنامج الانتخابي الطموح، الذي طرحه المؤتمر الوطني في الانتخابات السابقة، وقد مثلت تلك المطالبات مع جملة عوامل أخرى أسباباً أدت لتقديم كرم الله استقالته من منصب الوالي.

غياب الوالي السابق عن المشهد لا يبدو أنه فتح ما يكفي من النوافذ لتجديد الهواء الذي لوثته التجاذبات والاتهامات بين الولاية والمالية الاتحادية، إذ وجه وزير المالية الأستاذ معتصم هارون سهام نقده لمعايير قسمة الموارد رأسياً بين المركز والولايات، مشيراً إلى أن نسبة 70 ـــ 30 المعمول بها حالياً ظالمة نسبةً لتنزل الاختصاصات على الولايات واضطلاعها بمهام تتطلب توفر موارد كافية لمقابلة هذه المهام الجسام… وقال إن الوزارات الاتحادية لم تفِ بالتزاماتها بتنفيذ مشروعات تنموية وخدمية لصالح إنسان الولاية ضمن حزمة البرامج القومية، وطالب هارون الحكومة المركزية بتنفيذ معايير قسمة الموارد التي أقرتها مفوضية تخصيص الإيرادات والتي تراعي خصوصية كل ولاية وحجم احتياجاتها، داعياً لتبني نهج الشفافية فيما يتصل بمواعين الموارد الاتحادية.. وهو ذات ما مضى إليه رئيس المجلس التشريعي بالقضارف الأستاذ محمد الطيب البشير الذي قال إن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ستؤدي لزيادة الموارد الاتحادية في جانب تحصيل الجمارك والضرائب، وما يتوفر من أموال نتيجة رفع الدعم عن المشتقات البترولية، مشدداً على ضرورة توجيه تلك الموارد لدعم الولايات بصورة عادلة خاصة الولايات المنتجة وعلى رأسها القضارف.. ودلل على ضعف نصيب ولاية القضارف من الإيرادات الاتحادية بقوله إن نصيبها من الفاقد الزراعي (وهي الولاية الأولى في الزراعة) لا يساوي 1% مما يمكن أن تجنيه من الرسوم الزراعية، وقد يكون ما تحصل عليه لا يتجاوز كثيراً غيرها من الولايات التي لا تقاربها في الإنتاج الزراعي.

وقال البشير إن مطالبتهم برفع نصيب الولاية من الموارد القومية، تعززه الزيادة الكبيرة في أسعار السلع والخدمات، مؤكداً أن ذلك من شأنه تخفيف العبء عن المواطنين. وطالب رئيس مجلس تشريعي القضارف الحكومة الاتحادية بتوفير دعم مقدر للولاية لمقابلة الحاجة الملحة للتنمية والخدمات، مناشداً مجلس الولايات بوصفه مؤسسة ترعى حقوق الولايات، للعمل على إيصال مطالبهم للحكومة الاتحادية والضغط من واقع سلطاته الدستورية في اتجاه تطبيق معايير عادلة فيما يتعلق بقسمة الموارد بين المركز والولايات رأسياً وبين الولايات بعضها البعض أفقياً.

صندوق الشرق.. (جا يكحلها عماها)

ينطبق هذا الوصف على وضع القضارف، التي أمل أهلها في أن تتنزل مشروعات الصندوق عليهم برداً وسلاماً، بيد أن رئيس المجلس التشريعي انتقد أداء الصندوق مشيراً إلى أنهم كانوا يرجون منه أن يكون إضافةً لاستحقاقات الولاية من التنمية المخصصة وغير المخصصة، مشيراً إلى أن حظ القضارف من التنمية الاتحادية في السنوات الأخيرة أصبح ضعيفاً جداً، خاصةً بعد قيام الصندوق الذي يعد عمله مقارنةً بما كانت تحصل عليه الولاية من الدعم المخصص في حكم المعدوم- حسب وصفه- وعاب تحويل ميزانية المشروعات عاماً بعد الآخر ما زاد من تكلفتها بسبب زيادة معدلات التضخم وتغيير سعر الصرف.. ومبيناً أنه نسبةً للإبطاء الذي حدث في تنفيذ مشروعات الصندوق فقد تضررت الولاية كثيراً، مضيفاً بأنه كان المأمول أن يقوم مجلس إدارة الصندوق بتسريع العمل في تلك المشروعات، ولكنه يبدوغارقاً في خلافاته، وقال البشير نطالب بإنفاذ المادة [5]من الاتفاقية والتي تنص على إنشاء مجلس تنسيق ولايات شرق السودان حتى يستطيع حل جميع الخلافات وعلى جميع المستويات، حتى يستوفي اتفاق الشرق كل مطلوباته، ويحقق رفاه إنسان الشرق.. مبدياً استغرابه من توقف مشروعات الولاية ضمن نصيبها في مشروعات الصندوق رغم التزام المالية الاتحادية بتوفير التمويل اللازم لتلك المشروعات، ودعا محمد الطيب مجلس إدارة صندوق إعمار وتنمية الشرق لتحريك هذه الملفات والسعي لإكمال إنفاذ المشروعات التنموية والخدمية بالولاية، خاصةً وأنها تشمل قطاعات التعليم والصحة والطرق التي تمثل حلماً لطالما انتظره إنسان الولاية.

وزير مالية القضارف معتصم هارون قال :«إن مخاطبة قضية التنمية ومكافحة الفقر كانت واحدة من أهم محاور اتفاقية سلام الشرق التي وقعت عام 2006 م».. مشيراً إلى أن قيام الصندوق صاحبه التزام من الحكومة الاتحادية بتوفير مبلغ 600 مليون جنيه للولايات الثلاث، لكن نصيب الولاية المقدر بحوالي 575 مليون جنيه لم يتجاوز المتحصل منه نسبه 8 % بجملة مبالغ في حدود 50 مليون جنيه فقط، وشكا من أن أداء الصندوق العام الماضي كان صفراً، حيث لم تستكمل المشروعات المستمرة، بسبب تعلل الإدارة التنفيذية للصندوق بعدم إيفاء المالية بالتزاماتها تجاهه.. واتهم اللجنة العليا المفوضة بتجاوز مجلس الإدارة، واصفاً اللجنة بأنها جسم تم ابتداعه ليسلب المجلس حقه في وضع السياسات ومتابعه أداء الإدارة التنفيذية في جانب تنفيذ المشروعات. وأبدى هارون اعتراضاً على ما اسماه تغول إدارة الصندوق على حق الولايات في تحديد الأولويات واقتراح المشروعات، مشيراً إلى أن ذلك الحق الأصيل يكفل للولايات المشاركة في إدارة المشروعات والوقوف على آليات إرساء العطاءات وطريقة التنفيذ، شاكياً من أن ولايته مغيبة تماماً عن هذا الأمر.

هذا الواقع دفع البعض للمطالبة بتداعي أبناء الولاية كافة، الذين يملكون التأثير، إن كانوا أعضاء في الهيئة التشريعية القومية أو شاغلي المناصب العليا، للضغط على المركز لانتزاع حقوق الولاية.. محذرين من أن التمادي في الظلم ستكون له عواقب وخيمة.. وبين يدي الميزانية الجديدة ومع بشريات التعديل الوزاري الأخير، ترتفع الآمال ويتسع أفق الطموحات في أن تشهد ميزانية العام القادم 2014 م، مزيداً من الدعم لمشروعات البني التحتية، ليرفع الحيف عن ولايةٍ ظلت وما تزال تسهم بقدر وافر في الاقتصاد القومي للبلاد.

صحيفة آخر لحظة
تقرير : محي الدين محمد
ت.إ[/JUSTIFY]