حوار خاص مع العالم والمفكر البروفيسور عبد العزيز مالك
رغبة جامحة
التعديل الوزاري الأخير صحبه العديد من ردود الأفعال كيف تقيّمون ذلك؟
وبدأ حديثه قائلاً :أولاُ أنه تعديل نوعي في توقيته وفي مضمونه وذلك في ثلاثة أبعاد:
البعد الأول: الاتجاه لتولية الشباب مقاليد الأمور بعد أن كانوا في الصحبة والرفقة والمتابعة لما يجري في كيفية اتخاذ القرار في تسيير الدولة والذي يتعلمون منه.
البعد الثاني: التمييز بين القرار الصائب والقرار الفاشل ولا يتكلمون وقد كانوا لا يتكلمون فيتعلمون تفادي مواطن الخلل والفشل المنقول بالولاء دون الكفاءة والذي يظهر في معاناة الدولة لتسيير أمرها ومقامها في أنفس الناس .
البعد الثالث: بتكوين الرأي في عقل المجتمع بأنهم قد يكونون حكومة صورية بالاتفاق والذين يسيرون دفة الأمور هم القدامي والأمر ليس كذلك الرغبة الجامحة في التغيير من الطرفين الشباب والقدامي. وهنا لا بد من الإشارة إلى التحليل العلمي الإيجابي ضرورة في هذه المرحلة …لأن توطين النفس علي الانتقاد يكون إنتاج العقل كشف العيوب وتتبعها بذات الطاقة الذهنية mental power وعندها لاينتفع المستهدف من الحوار وهم القدامي المتنازلون والشباب الذين وقع عليهم الاختيار بقدر الله.
مقاليد الأمور
هل توافقني الرأي بروفيسور عبد العزيز مالك على أنها حكومة ظل؟
يجيب بروف مالك بقوله يتراءى للناس ذلك ولكن لن تكون حكومة ظل لأن الشباب الذين تولوا الآن مقاليد الأمور يحملون من الاحترام للقدامي ما لا يتسبب في مواجهة وصدام ولكنهم يعلمون كيف يتم تفادي الهيمنة لما قد خبروا أبواب التعامل معهم ويعرف ذلك في علم الإدراك الصمت الإيجابي وتفادي الفشل المزروع وذلك بأن يتكلم كل من الشباب الجدد عقله ليقدم رأياً غير متوقع في عقل القدامي والذين لا يملكون إلا أن يحترموه بما فيه قدح ذهني يناسب الواقع المتجدد يفوق ما قد كانوا عليه وهذه هي رحمة الله للناس (كتب ربكم علي نفسه الرحمة).
وهنا لا بد من الإشارة إلي واحدة من سمات النضج السياسي في الكيان الحاكم وليس علي الإطلاق بما يؤسس لظهور ذات النضج في الأحزاب الأخرى الموالية والمعارضة بما يحقق النفع للبلاد في التصعيد السياسي دون تعجل أو إنغلاق على النفس.
مبادرة كريمة
تنحي الأستاذ علي عثمان محمد طه من كل المناصب كيف تنظرون إلى هذا الأمر ؟
أنها مبادرة كريمة من الأخ علي عثمان ليضع من كان يظن أن الأمر سينتهي إلي صراع والذين يستمسكون بأنه ما كان له أن يتنازل وقد أسرفوا على أنفسهم والدلالة أنه اختيار طوعي منه فما كان لبعض الناس أن يحاجوه أو يعترضوا على رأيه الخاص فالإشارة هنا للذين أسرفوا علي أنفسهم بأنه (كل يوم هو في شأن) (ويخلق ما لا تعلمون) كما قد أتي الله به في القدر ( كقيادي ) لحين من الدهر يأتي الله بغيره ليتولي الأمر إلى أجل مسمى وهذه هي سنة الكون وسنة التجديد الإلهي لأن يتنازل الأخ علي عثمان وهو أمن خير له من أن يغيره القدر مما يراه الناس أنه غير محبوب في السنن الكونية وهنا يدخل الناس في التعدي على قدر الله في سير السنن الكونية وهم لا يعلمون بأن (لكل أجل كتاب).
يحمد للأخ علي عثمان تنازله الذي يحفظ به رصيده من العمل الإيجابي الذي قام به وبذات الأدب يتأدب الناس في انتقاده فيما قد وقع من عدم الكمال والكمال لله وحده.
تفعيل الظاهرة
كيف ترى تنازل الدكتور نافع بعد أن تنازل الأستاذ علي عثمان من منصبه؟
يقول :/يحمد لدكتور نافع بعد النظر لأنه قد وضع حداً للعقل الجمعي في المجتمع في الساحة السياسية السودانية لن يظل في السلطة حتي لا يظن الناس أنه أزاح علي عثمان ليبقي هو في مكانه،فإن تنازل الدكتور نافع فيه إشارة من شقين:
الشق الأول: على كل القدامي أن يتنازلوا بإحسان لأن في ذلك حفظاً لقدرهم بما قدموه من خير للناس. دون فتح الباب لانتقادٍ بسبب الإصرار على المواصلة.
الشق الثاني: تفعيل ظاهرة التنازل بالتشاور مع الأتباع من الشباب دون فرض وصاية أو قهرٍ خفي عند تولي الأمر بالتسلسل المنطقي في عجلة التاريخ لأن في ذلك حفظاً لأيديولوجية الحكم دون تسلط أو إعجاب بالرأي الخاص وفتح لآفاق الإحلال الواعي لترقي الشباب على معيار التزامهم بالمبادئ وهم صغار سنٍ في حركة التنفيذ دون ( صلف أو متنفذين مما يجدونه من سند ). لأن ذلك يؤدي بالحركة الإسلامية وحزبها الى التردي الظاهر في الأداء والخفي في الفكر.
الكي بالنار
حركة الإصلاح والإصلاحيين ما رأيك فيها والانشقاقات في حزب المؤتمر والأحزاب الأخرى ؟
يوضح بقوله : الإنشقاق ظاهرة غير صحية لأنها تعبير عن من لم يستمع إليه حتي بلغ درجة المفاصلة وهي كالكي بالنار في علاج الآلام وهو آخر الدواء.
أما حركة الإصلاحيين كان بالإمكان أن تنال احترام الناس إذا كانت بشفافية التسلسل المنطقي للاعتراض على أداء الحزب وإظهار ذلك للناس أنها قد قدمت المذكرة في المرة الأولى والثانية والثالثة وقد انتظرت الرد عليها ولم يتم ذلك للتاريخ باليوم والساعة حتى يعلم الناس أنها كانت تقدم الاعتراض عبر المؤسسية الحزبية وليس بالتعجل إلى الصحف بمخاطبة الرأي العام والذي لا يكون عبر الصحف لأنها تميل إلى الإثارة والانطباعية (إلا القليل) فالإصلاح لا يتم بالانشقاق لأن من يصلح لا بد أن يصبر وفق الآية ( والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح ) ومن جمال الحكمة في هذه الآية حصرية الخير على مبدأ الإصلاح من داخل النفس وداخل المؤسسة لأن المخاطبة تكون بالكليات المعرفية للكل البشر دون انقسام في الجسد الواحد.
أفلح الرئيس
ما رأيك في قرار الرئيس في إعفاء القيادات السابقة وتمكين الشباب ؟
أجاب بقوله: قد أفلح الرئيس في الحنكة في الإعفاء الكلي لكل مراكز القوة في قرارٍ واحد دون
آثار جانبية فقد أفصح ( عن النفس الطويل ) والعزم علي تحقيق التوازن في الدولة هنا تظهر أيضاً مهنية الرئاسة في ترفيع الشباب بناءً على التخصص كحالة وزير الاتصالات لتخصصه في ذات المجال الوزاري بعد مراقبة الأداء العلمي والمهني له وهو علي درجة وزير دولة لأن بذلك يتعلم الشباب أنه لا سبيل للترقي إلا بالمهنية وليس بالحظوة أو الانتماء الجهوي الذي يرفع صاحبه للمنصب ويفشله في الأداء إن لم ترض الجهة التي أتت به.
بلوغ المقاصد
كيف بفسر ظاهرة الجهوية والقبلية في عهد الإنقاذ؟
يقول بروف مالك :دخلت الإنقاذ على الجهوية والقبلية وهي تريد الإصلاح فأخطأت المداخل والدليل لم يفلح في الأداء المهني الرصين بالمناصب من دخل من هذا الباب إلا من رحم ربي وكان حديث الناس بالإشارة لفشل منهج الترضيات وليس التراضي فإنه لا حرج أن يكون هناك تمثيل جغرافي يضمن دخول كل الجهويات على أساس الكفاءة الجغرافية وليس بإسكات الجهوية بالعطاء غير المؤسس مما يزيد الجهوية ظهوراً بممارسة الضغط غير المبرر مما يفقد السياسة طعمها بأنها تقوم علي الإسكات والكيد والتنكيل واستخدام كروت الضغط كآلية لبلوغ المقاصد وهنا يضيع بناء القيم في الحياة السياسة.
قيمة الحياة السياسية
طالت التغييرات المجلس الوطني أيضاً ما هو رأيك في هذا الجانب ؟ ؟
ويضيف : من المعلوم أن البرلمان يعطي قيمة للحياة السياسة إذ أنه من الضروري أن يشمل التغيير الطريقة التي يأتي بها النواب الى المجلس لتمام ضمان الكفاءة البرلمانية parliamentary competency لوضع حد للضعف التشريعي والذي ينتهي بضياع هيبة الدولة والعجز الظاهر في محاسبة الحكومة…ولمعالجة الموقف الراهن لابد من الاستكمال النسبي بالمتخصصين في كل المجالات (كما تفعل الملكة في بريطانيا) وليس استكمالاً بالولاء أو حصراً على فئة واحدة ينتهي بها الأمر الي قصور في الرؤية تتسبب في الاحتقان السياسي وفقدان الثقة في البرلمان في القوامة بالقسط في إدارة شئون البلاد.
الشفافية المطلوبة
ثقافة الاستقالة أو التنحي لا تجد رواجاً في المجتمع السياسي كيف تفسرون ذلك؟
يقول :لأن ثقافة الدخول إلى المناصب السياسية ليست بالشفافية المطلوبة لذا يصعب على من تقلد منصباً أن يتنازل طواعية إلا من رحم ربي هذا من جانب ومن جانب آخر لأن السياسة في الدول النامية مصدر كسب لضيق ذات اليد في أغلب حالات من أشتغل بالسياسية ليجد نفسه ما يوضع في منصب إلا ويعتبره كسباً مادياً لا يتنازل عنه مهما تغيرت الظروف فيكون حاله عند الخروج من الوزارة أو المنصب السياسي رقماً هامشي غير منظور من قبل الناس فيذهب بريق المنصب بذهاب المنصب ولا يجد صاحبه مقاماً عند الناس بسبب ذهاب السلطة مع المنصب.
تغيير فوقي
هل التغيير سيطال الكيان الحزبي والمؤسسات من وجهة نظرك؟
يختتم البروفيسور المفكر العالم عبد العزيز مالك حديثه بقوله: من الطبيعي أن يطالها وإن لم يفعل فما بلًغ الحزب الحاكم رسالته لأنه لا قيمة للتغير الفوقي دونما تغيير مصاحب في البيئة الداخلية لتحقيق السلامة الكلية في المجتمع.
لأن في التغيير سعة على بعدين:
البعد الأول: سعة في تصفية النفس مما علق بها من احتقان حتى لا تخرج الأضغان.
البعد الثاني: سعة في الأداء لتصحيح لما قد وقع من أخطاء فمن استطاع أن يصحح هذين الجانبين في نفسه فلا حاجة لتغييره لأن الغاية حركة إصلاح وليست حركة تبديل.
أجرته: نجاة صالح شرف الدين: صحيفة أخبار اليوم
[/JUSTIFY]
ما شاء الله رجل عالم زادك الله علما و بصيرة وإدراكا ينفع الله به العباد و البلاد.